لم تصمد وزيرة الثقافة الجزائرية مريم مرداسي أمام مطالب بإقالتها في سياق تحقيق شامل بشأن ظروف وفاة خمسة مراهقين في حفل فني للمغني سولكينغ (عبد الرؤوف الدراجي)، فقدمت استقالتها، لتكون الوزير الثاني الذي يغادر حكومة نور الدين بدوي. ما يضاعف الضغط على قائد السلطة التنفيذية، لا سيما أن عدداً من الوزراء متابعون من القضاء.
وقدمت مرداسي، السبت 24 أغسطس (آب)، استقالتها إلى رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، على خلفية وفاة خمسة مراهقين وإصابة عشرات في الحفل الفني الذي أقيم في العاصمة الجزائر في 20 أغسطس. وترافقت استقالة مرداسي مع إنهاء مهمات عدد من المسؤولين.
ووصفت الاستقالة بالتاريخية بسبب غياب سوابق تشبه هذا السلوك لدى كبار المسؤولين. والاستقالة هي الثانية بعد إنهاء مهمات وزير العدل سليمان براهمي، واستبداله ببلقاسم زغماتي.
وتقول مصادر موثوقة إن مرداسي استقالت بعد تلقيها إنذاراً يبلغها بضرورة الرحيل، وتفادياً لسيناريو الإقالة الذي أثار نقاشات في شأن صلاحيات رئيس الدولة عبد القادر بن صالح الذي أقال وزير العدل.
المسؤولية تكليف
ومرداسي عضو في حكومة عينها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، في محاولة لامتصاص غضب الشارع في تلك الفترة، لكنه كان اضطر إلى تقديم استقالته بعد أربع وعشرين ساعة من تشكيل الحكومة، في الثاني من أبريل (نيسان) مدفوعاً من المؤسسة العسكرية للتجاوب مع مطالب الحراك.
وشمل إنهاء المهمات المدير العام للأمن الجزائري، عبد القادر قارة بوهدبة، المعين من بوتفليقة قبل رحيله. وعين رئيس الدولة بن صالح المراقب الأول، خليفة أونيسي، مديراً عاماً جديداً للشرطة الجزائرية.
وأنهى الوزير الأول بدوي، الجمعة، مهمات المدير العام للديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة سامي بن الشيخ الحسين، الجهة التي نظمت الحفل، وبقي بن الشيخ الحسين في منصبه نحو عشرين سنة بدوره.
وتحاول السلطة إعطاء انطباع أن ثمن أخطاء كبار المسؤولين يُدفع على الفور. ففي الأصل تعاني الحكومة مشكلة شرعية وهناك مطلب برحيلها، لذلك لا يجد الوزير الأول بدوي حرجاً في إقالة مسؤولين كبار.
وأسس رئيس الدولة بن صالح لسلوك جديد يقضي باتخاذ إجراءات عقابية فورية. بل إن بن صالح سارع إلى تقديم العزاء إلى عائلات المتوفين ومواساة المصابين في الحفل الفني، مؤكداً ضرورة المتابعة "الصارمة" لحيثيات الحادثة الأليمة واتخاذ الإجراءات اللازمة لتفادي تكرار مثلها مستقبلاً.
"صفر خطأ"
وبغض النظر عن الرفض العام لحكومة بدوي في الشارع الجزائري والقوى السياسية، فإن أداء الطاقم الحكومي نفسه بات هاجساً يقلق السلطات العليا، بشعار "صفر خطأ"، وهو المطلوب من الطاقم الوزاري على أمل تفادي غضب مضاعف في الشارع.
ومع سقوط وزيري الثقافة والعدل يتسلل الشعور إلى كثير من المراقبين بأن إنهاء مهمات الحكومة الحالية أمر غير مستعص. ما يطرح تساؤلات عن دواعي تعطيل الاستجابة لمطلب إقالتها.
القضاء يطارد وزراء
في جانب آخر من ملف الحكومة الحالية، يواجه عدد من وزرائها أياماً عصيبة أمام تحقيقات القضاء، على الرغم من احتفاظهم بمناصبهم. واستدعى القضاء وزيرين للتحقيق معهما في قضايا فساد، فيما يقدر عدد المسؤولين المركزيين بالوزارات والمتابعين قضائياً بالمئات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأتت الخطوة التي أقدم عليها المستشار المحقق في المحكمة العليا، بوضع وزير السياحة والصناعة التقليدية ووالي تيسمسيلت سابقاً عبد القادر بن مسعود تحت الرقابة القضائية في شأن الوقائع ذات الطابع الجزائي المنسوبة لرجل الأعمال طحكوت محي الدين ومن معه، لتضع الحكومة في خانة المتهم بالفساد. ما أعطى مبررات قوية لملاحقة الوزراء من جانب المواطنين في ولايات عدة ومنعهم من القيام بنشاطات وفرض حالة حصار عليهم.
ولا يقتصر الأمر على بن مسعود، فوزير المالية محمد لوكال تم الاستماع إليه من جانب قاضي التحقيق بمحكمة سيدي أمحمد نهاية أبريل رفقة الوزير الأول السابق أحمد أويحيى الموجود رهن الحبس المؤقت. ما يعزز فرضية علاقة بعض الوزراء في الحكومة لمنظومة الفساد التي تساقط العشرات منها.
وتم تعيين الحكومة يوم 31 مارس (آذار) الماضي قبل تنصيبها رسمياً في اليوم التالي. وهي مكونة من 27 وزيراً، بينهم خمسة وزراء من الحكومة التي سبقتها برئاسة أحمد أويحيى، في وقت تشمل ملفات الفساد التي فتحتها العدالة في الأسابيع الماضية قطاعات التضامن الوطني والبريد وتكنولوجيا الإعلام والاتصال وقطاع الموارد المائية.