تحتل ليبيا المرتبة الرابعة عربياً في احتياطي الذهب، بينما تُقدر ثروتها الاحتياطية من النفط بـ48 مليار برميل، إضافة إلى ثروات معدنية ومنجمية أثارت مطامع العديد من القوى الإقليمية التي تتسابق لتقديم الدعم العسكري للأطراف المتصارعة كي تضمن موطئ قدم لها في البلد الذي يُعد نقطة وصل اقتصادي بين القارة السمراء والقارة العجوز.
ولم تخف تركيا دعمها قوات الغرب الليبي في معركتها ضد قوات المشير خليفة حفتر، التي تتلقى الدعم العسكري والدبلوماسي من روسيا. والهدف هو ألاّ تهتز صورة حليفها الاستراتيجي حفتر، على أمل أن يُطبق حلم بناء القاعدة البحرية في الشرق الليبي التي كانت محل اتفاق بينها وبين معمر القذافي عام 2010.
السلاح الروسي
يسعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إظهار روسيا في صورة الدولة القوية القادرة على تحريك الجمود السياسي في أي بلد. ويبدو أنه يعي أهمية الإمساك بزمام الملف الليبي وتأثيره في قرارات الولايات المتحدة الأميركية في ملفات أخرى على غرار الملف الإيراني والملف السوري. فالسيطرة على مفاصل الدولة الليبية لا تكتمل، إلا إذا تم التغلغل في ثرواتها الاقتصادية وخصوصاً الهلال النفطي الذي يُعد المورد الرئيس لقوة الشعب الليبي، وفق قراءة الرائد المنشق عن قوات حفتر محمد الحجازي، الذي قال "يبدو أن بوتين عازم على استرجاع مجد روسيا الذي ضاع عندما سمح لقوات حلف شمال الأطلسي بالعبث بليبيا والإطاحة بنظام القذافي عام 2011".
وأضاف أن روسيا رسمت خريطة اقتصادية للتمكن من ثروات البلد ووظفت وسائل عدة لتنفيذها، من بينها تقديم الغطاء العسكري لقوات الشرق كي تستمر في انشغالها بالحرب غرب ليبيا، مقابل سهر القوات الروسية التي يقدر عددها بنحو 300 عنصر (يتوزعون بين بنينيا والمرج) على جمع معلومات استخبارية عن المنشآت النفطية والقوة الإنتاجية التي تتمتع بها والمناطق التي تتركز فيها.
ونبّه الحجازي إلى خطورة وجود هذه القوة الروسية في شرق ليبيا بحجة حماية المنشآت النفطية والتستر خلف غطاء تقديم تدريبات أمنية وعسكرية، مؤكداً أن دورها الرئيس هو تقديم دراسات حول المنافذ البحرية والبرية التي ربما تصبح قواعد روسية لنقل الأسلحة والمبادلات التجارية في وقت لاحق.
واعتبر أن الخطر الأعظم الذي يتربص بليبيا هو إقامة قاعدة جوية روسية في منطقة الجفرة، حيث توجد قاعدة جوية كاملة تُصنَّف ثاني أهم قاعدة جوية في البلد، بعد سرة ليبيا التي تُعتبر البوابة التجارية لليبيا بحكم قربها من الحقول النفطية.
وخلص الحجازي إلى أن هذه الأطماع الاقتصادية تُمرّر تحت غطاء التعاون العسكري، إذ يحاول بوتين توسيع رقعة مطامعه في الشرق الليبي تحت مظلة تسهيل نقل العتاد، في حين أنه يعي جيداً أن سقوط ليبيا يكمن في السيطرة على منشآتها النفطية لتصبح رهينة الديون الخارجية ويسهّل حينها بلورة القرارات السياسية وفق ميول الرئيس الروسي الذي يحلم في أن تكون سواحل الشرق الليبي، القاعدة البحرية الثانية لروسيا في المتوسط بعد قاعدة حميميم في سوريا وهو السيناريو الأخطر الذي يتربص بليبيا ودول الجوار، وفق تعبيره.
خبرة تركيا
وتُعد ليبيا واحدة من المستعمرات العثمانية، إذ يعود تاريخ احتلالها إلى عام 1551، فاختيار تركيا تقديم الدعم العسكري لقوات الوفاق التي تنحدر غالبية عناصرها من مدينة مصراتة (شرق طرابلس) ويمسكون بزمام المؤسسات السيادية (وزارة الخارجية والداخلية والاقتصاد)، لم يكن اعتباطاً، بل تحكمه أهداف اقتصادية وسياسية مدروسة بحكم خبرة تركيا بالجغرافية الليبية.
واعتبر المحلل السياسي ابراهيم الأصيفر أن أهداف روسيا في ليبيا تختلف عن أطماع تركيا التي تُعد امتداداً لسياسة المصالح الأميركية، بينما تحاول روسيا بسط هيمنتها على الشرق الليبي ليكون وسيلة ضغط على الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وأضاف "لا نستطيع أن نصف العلاقة بين روسيا وتركيا على أنها صراع، بل هي تنافس تحكمه مصالح تخدم السياسية الخارجية لكل بلد، لا سيما أن هناك ملفات مشتركة على المستوى الدبلوماسي (أزمة الخليج ومضيق هرمز والملف الإيراني) تجمع البلدين.
رضا قوات مصراتة
وأشار الخبير الاقتصادي منتصر شعبان إلى أن تركيا كانت أكثر حنكة حين توجهت إلى الجهة الغربية (باعتبار أن جميع الدراسات تفيد بأن كمية النفط القابل للاستخراج تتركز غرب البلد وليس شرقه)، على الرغم من أن حلمها في إنشاء قاعدة عسكرية في مدينة مصراتة أُجهض من جانب قوات حفتر، إلا أن نيل رضا قوات مصراتة قد يفتح لها أبواب الاستثمار الاقتصادي على مصراعيه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدّد على أن مصراتة هي جزء من ليبيا والمقومات المتوفّرة فيها جعلتها تلقب بالعاصمة الاقتصادية، نظراً إلى همية موقعها على المتوسط، إضافةً إلى أنها تحتضن أحد أهم البدائل الاقتصادية للنفط (مصنع الحديد والصلب) وفيها ميناء تجاري تنشط فيه الحركة التجارية منذ عام 1978 .
وأوضح شعبان أن "كل السبل الاقتصادية موجودة لتستفيد تركيا من هذه المزايا الطبيعية والصناعية وتفتح أبواب منطقة حرة مع أوروبا وشمال أفريقيا، لا سيما أن مصراتة محاذية لسرت (مسقط رأس القذافي)، واحدة من المدن التي من المتوقع أن تكون أبرز مدينة تجارية في القارة الأفريقية.
ونوّه إلى أهمية قاعدة القرضابية (أهم قاعدة جوية في ليبيا) التي يمكن أن تستغلها تركيا مستقبلاً في عمليات الشحن الجوي والمحطة البخارية لتوليد الكهرباء وميناء سرت الذي طالما رست فيه السفن البحرية الأجنبية.
ولفت إلى حوض سرت النفطي الذي يُعد من أهم الأحواض على مستوي أفريقيا، حيث يضم 16 حقلاً نفطياً.
ويؤكد مراقبون أن الصراع الأخطر على ليبيا هو الصراع الروسي الأميركي، على اعتبار أن تركيا في حالة إعادة تموضع في ميزان القوى، إذ يعود حلم إنشاء قاعدة عسكرية روسية في ليبيا إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، حين سارعت الولايات المتحدة الأميركية إلى إرسال قواتها إلى قاعدة معيتيقة العسكرية التي كانت تُعد أهم قاعدة أميركية في شمال أفريقيا.