ملخص
الارتفاع الحالي هو الأكبر منذ سبعة أشهر وسط توقعات بمواصلة الصعود قرب 2050 دولاراً للأوقية
صعدت أسعار الذهب بشكل صاروخي على وقع الحرب في غزة، وتداول المعدن قرب أعلى مستوى قياسي له منذ مارس (آذار) الماضي، عند مستوى فاق 2000 دولار للأوقية (الأونصة) في وقت توقع فيه متخصصون وتجار ومؤسسات دولية مواصلة ارتفاع المعدن النفيس الفترة المقبلة وارتباط تحركاته بالموقف من الصراع الدائر واحتمالات اتساع رقعته بانضمام أطراف آخرين على جبهات متعددة.
كان الذهب عند مستويات قريبة من 1800 دولار للأوقية قبل اشتعال فتيل الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، وقفز أكثر من تسعة في المئة، وصولاً إلى 2006.3 دولاراً، الجمعة، منذ الهجوم الذي باغتت فيه حركة "حماس" إسرائيل في مطلع الشهر الجاري، لينتعش بذلك المعدن من أدنى مستوياته في سبعة أشهر مع زيادة الطلب على أصول الملاذ الآمن، وتكثفت حركة السعر الأولية أيضاً، إذ تفاجأ عديد من المستثمرين الذين كانوا يراهنون على مزيد من الخفض بسبب اندلاع الحرب، مما أجبرهم على تغطية ممتلكاتهم المكشوفة بسرعة.
واستقرت العقود الآجلة الأكثر نشاطاً للذهب في بورصة "كومكس" في نيويورك، لشهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، في جلسة التداول الرسمية في تعاملات الأسبوع المنتهي مساء الجمعة عند 1998.50 دولار للأوقية، مرتفعة 1.10 دولار فقط، أو 0.05 في المئة بعد أعلى مستوى خلال اليوم عند 2.017.70 دولار، وارتفعت أسعار الذهب في البورصة العالمية، الجمعة، بنسبة 1.3 في المئة، وبنحو 25 دولاراً.
ويظل التحوط التقليدي من تضخم الأصول الحقيقية استثماراً مفضلاً في أوقات التقلبات الجيوسياسية، إذ يمكن أن يعمل على الحفاظ على القوة الشرائية خلال فترات التضخم، وأيضاً التحوط ضد خفض الأسهم.
مخاوف المستثمرين تتسع
يعتقد محلل الذهب فادي كامل أن استمرار الصراع دون وصول سريع إلى اتفاق يكفل دفع الأسعار إلى مستويات تاريخية على الصعيد العالمي. ويقول إن المخاوف تتسع كل يوم، ليس في شأن مواصلة الحرب فقط، لكن أيضاً اتساعها الفترة المقبلة. ويلفت إلى بعض المقومات الأخرى المحفزة لبيئة الذهب، وبخاصة البيانات الأميركية الأخيرة.
وتحدث كامل عن صدور بيانات مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، وهو مقياس مفضل لدى "الفيدرالي" الأميركي لقياس التضخم، إذ أظهرت البيانات تسجيله مستوى 3.7 في المئة من 3.9 في المئة في القراءة السابقة على أساس سنوي، في حين جاءت القراءة على أساس شهري عند مستوى 0.3 في المئة من 0.1 في المئة في القراءة السابقة، وهي أمور تدعم صعود المعدن.
من جهته يلفت عضو شعبة الذهب بغرفة القاهرة التجارية ناجي فرج إلى التوترات الجيوسياسية الحالية بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة "حماس" في مطلع الشهر الجاري، باعتبارها محركاً رئيساً للمعدن الأصفر، والذي يستمد صعوده الأخير عالمياً من تلك التوترات على غرار ما حدث في أعقاب اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية.
ويعتقد المتخصص في شؤون الذهب أن الصراع الدائر سيظل دافعاً لصعود المعدن النفيس، ما لم يتم احتواء هذا الصراع، مشيراً إلى أن الدور الذي يلعبه الذهب كملاذ آمن في أوقات الاضطرابات يغذي الارتفاعات الحالية للمعدن على نحو كبير.
حرب تستعر وتصعيد وشيك
في مذكرة حديثة لـ"آي جي بنك" فإن أسعار الذهب مرشحة لصعود أكبر، فخلال الأزمة المالية عام 2008، انخفض مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" بنسبة 37 في المئة، بينما ارتفع الذهب بنسبة 24 في المئة، ومع توقع عديد من المحللين الآن هبوطاً اقتصادياً عالمياً أكثر صعوبة، وسط مخاوف من أن تؤدي الحرب الإقليمية في الشرق الأوسط إلى إبقاء خام برنت مرتفعاً، فقد ترتفع أسعار الذهب بشكل أكبر، وفق ما تقوله مذكرة البنك الأميركي.
ويستند البنك في تقديره لمواصلة المعدن الأصفر الصعود إلى أن الحرب الحالية لا تظهر أي علامات على التراجع، بخاصة مع انطلاق الغزو البري لشمال غزة من قبل إسرائيل، في حين يرى الرئيس الأميركي جو بايدن أنه لن تكون هناك عودة إلى الوضع السابق بين الإسرائيليين والفلسطينيين كما كان في 6 أكتوبر الجاري، أي قبل يوم واحد من الحرب، فيما يعتقد عديد المحللين أن التصعيد الحقيقي التالي سيبدأ بالغزو البري لغزة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير محللو البنك إلى أنه على المدى الطويل ومع التحذير القوي من أن جميع الاستثمارات تأتي مع الأخطار، يعتبر عديد من المستثمرين أن بيئة الاقتصاد الكلي الأوسع مواتية للمعدن الثمين، وبعيداً من الشرق الأوسط، كانت هناك بالفعل توترات جيوسياسية ضخمة فيما يتعلق بكل من روسيا وأوكرانيا، والصين وتايوان، وعلى الصعيد العالمي، لم تنته المعركة ضد التضخم، إذ لا تزال عديد من البنوك المركزية تعالج ارتفاع الأسعار بشكل كبير فوق الهدف المعتاد بنسبة اثنين في المئة، وهناك أيضاً مخاوف واسعة النطاق في شأن كيفية إدارة أكوام الديون العامة والخاصة المرتفعة تاريخياً من خلال هذه البيئة ذات المعدلات المرتفعة.
دورة أسعار الفائدة قرب النهاية
من جانبهم، يرى محللو بنك "أي أن زد" الأسترالي أن مزيداً من المكاسب في أسعار الذهب يتوقف أيضاً على اقتراب دورة أسعار الفائدة من بنك الاحتياط الفيدرالي (المركزي الأميركي) من نهايتها، علاوة على أن الحرب ستواصل دفع تدفقات الأموال إلى الملاذ الآمن، تزامناً مع نمو الطلب من السوق المادية أيضاً، وبخاصة من جانب البنوك المركزية والمستهلكين الباحثين عن التحوط من آثار التضخم وتآكل القدرة الشرائية.
من منظور رئيس استراتيجية السلع في "ساكسو بنك" أولي هانسن يواصل الذهب أداءه المثير للإعجاب هذا الشهر وسط طلب من المستثمرين الباحثين عن ملاذ آمن ضد ضعف الأسهم والسندات، إضافة إلى الاضطرابات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، متعافياً بذلك من عمليات البيع الأخيرة، ومتحدياً نطاق 2000 دولار، والذي يراه أولي هانسن "مستوى نفسياً كبيراً" بعدما أدى الارتفاع بمقدار 180 دولاراً منذ 6 أكتوبر الجاري إلى استجابة كبيرة من المضاربين.
ويرى هانسن أن على المدى القصير ستراقب السوق التطورات في الشرق الأوسط، وأن الأسبوع المقبل قد يكون متوتراً بالنسبة لمتداولي السندات، وأن الإغلاق فوق مستوى 2000 دولار يشير إلى تحرك نحو أعلى مستويات الإغلاق القياسية حول 2050 دولاراً.
لا يخفي العضو المنتدب ورئيس استراتيجية السلع في "تي دي بنك" بارت ميليك مخاوفه في شأن الخطر من المتزايد من اتساع نطاق الحرب وتمدد رقعتها، فيقول في مذكرة لعملائه، إن هذا الوضع المتخيل والمحتمل قد يدفع بالنفط إلى الارتفاع بسبب التوترات الجيوسياسية، وهو ما قد لا يكون "الاحتياط الفيدرالي" مستعداً لمجابهته، وهو ما يتعين معه مزيد من التحوط بالذهب.
وأدى مزيج من طلب البنوك المركزية وشراء الملاذات الآمنة إلى إبقاء أسعار الذهب مرتفعة لأشهر عدة، حتى مع ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية، ومع ذلك، فإن التهديد بامتداد الصراع إلى نطاق أوسع بالمنطقة التي تعتبر حيوية لإمدادات الطاقة العالمية يهز الأسواق، إذ قد يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى توليد تضخم يصعب على البنوك المركزية كبحه دون الإضرار باقتصاداتها، وهو الوضع الذي يميل إلى أن يكون جيداً بالنسبة إلى الذهب، وفق ما يضيفه ميليك.