مع مؤشرات الركود الاقتصادي العالمي المتوقّع تعيش الأسواق حالةً من الترقُّب في منطقة الخليج، بسبب ما ستُسفر عنه تداعيات هذا المنحنى السلبي العالمي، خصوصا أن الحرب التجاريَّة بين القطبين الأميركي والصيني بدأت تُلقي بظلالها على أداء الأسواق، ويعدُّ الاقتصاد السعودي أحد مكونات الاقتصاد العالمي، الذي يؤثر فيه ويتأثر بتقلباته.
وحسب خبراء، فإن حجم التبادل التجاري بين السعودية والاقتصادات الكبرى بارزٌ، خصوصاً في قطاع استيراد النفط، مثل أميركا والصين اللتين يشكل استهلاكهما نسبة مرتفعة من إجمالي الاستهلاك العالمي.
وفي هذا الصدد يرى المحلل المالي فهد الثنيان أن "الركود المتوقّع قد يكون أمراً طبيعياً نظراً إلى حالة العالم المتوترة في الصراعات"، لكنه أشار إلى أن "مواجهة هذا التحدي وتفاديه يمكن من خلال الاستمرار في الإنفاق الاستثماري، وذلك لاستيعابه والحد من آثاره فيما لو حدث".
وأكد أن "السعودية بما يتوفر لديها من مستوى احتياطيات ممتازة ومرونة قادرة على إعادة ترتيب سلة الإنفاق الحكومي وخفض أو تأجيل بعض النفقات، خصوصاً التشغيلية منها، لأن تكلفة تأجيل الإنفاق الاستثماري أكبر، إذ تتمثل في فرص العمل المستقبليَّة".
من جانبه يرى المحلل الاقتصادي هشام الوليعي أن "التقلبات الجارية للأسواق العالمية بسبب الأزمة التجاريَّة بين واشنطن وبكين، وبوادر ركود واضحة في منطقة اليورو، وأزمة العملات والتضخم والبطالة المرتفعة في الدول الناشئة من شأنها أن ترفع التوقعات إلى ركودٍ عالمي مقبل خلال العامين المقبلين أو أسرع من ذلك، وذلك حسب تصاعد حدة الحرب التجارية بين القطبين الاقتصاديين، إذ تسبب هذه النزاعات تأثيراً في خطط دول العالم التنموية والتوسُّع التجاري والنفاذ إلى الأسواق".
وبسؤاله عن تأثر السعودية بالأزمة الأميركية الصينية، قال "السعودية ليست بمأمن من الآثار السلبية التي ستطرأ من الحرب التجارية لو استعرت، فهي المصدر الأكبر للنفط والبتروكيماويات للصين ومعظم دول آسيا، وبالتالي فإن انخفاض الطلب من هذه الدول بسبب فرض التعريفات الجمركية الأميركية العالية والمنع من دخول الأسواق سيسبب مزيداً من ضعف الطلب على هذه المنتجات، إضافة إلى أنه سيؤدي إلى انخفاض الأسعار، وهو ما يؤثر في رصيد الإيرادات النفطيَّة".
خطوات تحصين الاقتصاد السعودي
في الوقت ذاته يرى الخبير الاقتصادي الوليعي أن "مجموعة الإصلاحات والمبادرات الجديدة في التقليل من الاعتماد على النفط، وتعزيز تنويع مصادر الدخل ضمن (برامج رؤية السعودية 2030) من شأنها أن تحصّن الاقتصاد المحلي من التقلبات، خصوصاً مع التوجّه نحو تحسين مناخ ممارسة الأعمال واستحداث قطاعات اقتصادية جديدة، إضافة إلى جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وكلها خطوات لازمة تعيد تقوية الاقتصاد مع استمرار الإصلاحات في هيكليته".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه يرى الاقتصادي الثنيان أن "تجارب التحوّل الوطنية لا يمكن أن تحدث في سنوات قصيرة، وربما تستغرق (15 - 20) عاماً"، مشيراً إلى أن "التطبيق الفوري غير التدريجي وغير المحسوب لأي إصلاحات اقتصاديَّة قد يكون له آثارٌ عكسيَّة على الاقتصاد".
وتابع، "من الطبيعي أن لا تكتمل دفة الإصلاحات، سواء فيما يتعلق بهيكلة الاقتصاد أو تطوير بيئة الأعمال، بما فيها الأنظمة الداعمة مثل أنظمة الإفلاس أو التجارة الإلكترونية أو حتى تمكين المرأة وخفض معدلات البطالة بين السعوديين خلال فترة قصيرة".
وأوضح الثنيان، "يوجد أمران يجب أن نتفق عليهما في سياق الإصلاح الاقتصادي، أولهما أن القيادة الاقتصاديَّة تستمع إلى آراء المختصين والمهتمين، ولديها الشجاعة في أن تتراجع متى رأت التأني في تطبيق إصلاح ما، وأقرب الأمثلة كانت الحِزم التحفيزية التي أطلقت بدل بعض الرسوم المفروضة على قطاع الأعمال، فعملية الإصلاح عملية تشاركيَّة تتحقق وتنجح طالما كان هناك تواصل متبادل بين المُشَرِّع والمستثمرين".
واستكمل "الأمر الآخر الذي يلزم أن نعيه هو أن رؤية السعودية 2030 بحد ذاتها مستهدفٌ مرحليٌّ مهمٌ، وتأتي بداية وتأسيساً لما بعدها، ولما هو أبعد وأعمق للمجتمع السعودي، الذي سيتمثل في مرحلة تنفيذ خطط الاستدامة الاقتصاديَّة والمحافظة على مكتسبات الرؤية والبناء عليها".
تعثر أسعار النفط عالمياً
وبالنظر إلى التحديات المتعلقة بتقلبات أسعار النفط حالياً، قال الثنيان "السعودية تُبلي بلاءً حسناً في قيادة (أوبك) للاستفادة من قوتها كمجموعة في خلق تحالفات مع المنتجين من خارج المنظمة لتُسهم في حماية الأسعار من الانحدار نتيجة تهديد النفط الصخري أو انخفاض الطلب العالمي أو الارتفاع غير المدروس والمبالغ فيه، الذي ربما ينتج عنه رفع تكلفة الوقود عالمياً، وبالتالي الحد من تعافي الاقتصاد العالمي".
وأضاف "هذا بالتأكيد ليس إلا استمراراً لدور السعودية في إدارة إمدادات الطاقة العالمية، وهو ما يعكس وعياً مرتفعاً بتحديات المرحلة، ويلقى تقدير المتعاملين في السوق رغم عمليات التخريب والاعتداءات التي أصابت بعض منشآتها النفطيَّة".
أمَّا الاقتصادي الوليعي فيرى أن السعودية "نجحت في تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط فترة قصيرة، لكن مع ذلك تظل هذه النسبة متواضعة، وتحتاج إلى سنوات لمزيد من العمل على برامج الرؤية المعلنة للوصول إلى الاكتفاء من النفط دخلاً رئيسياً للدولة".
تأثر السوق السعودية بما يطرأ في أسواق الأسهم العالمية
وعلى صعيد سوق الأسهم السعودية ومدى تأثرها بالتقلبات الحادة التي مرَّت بها خلال الفترات السابقة، خصوصاً ما حدث عام 2006، وما سوف ينتظر السوق من تداعيات مقبلة فيرى الخبير الثنيان "أن أصعب ما يواجه السوق هو فقدان ثقة المتعاملين، وأن الهيئة نجحت بشكل ما في إعادة الحيوية والنشاط إلى السوق من خلال تطبيق تشريعات جاذبة للمستثمر الأجنبي، وانعكس ذلك على النجاح التدريجي في دخول السوق لمؤشرات الأسواق الناشئة".
وأكد "أن سوق الأسهم ستظل كما هي، والاقتصاد السعودي عرضة للتأثر بتقلبات الاقتصاد العالمي وبأسعار النفط، لكن تبقى السوق وأساسياتها قاعدة تضمن الاستقرار وتحسين الأداء".
ويرى الثنيان أن "الإدراج الجزئي لأرامكو إذا تم طرحها في العام المقبل سيكون بمثابة تحوّل جديد، خصوصاً أن السوق سوف ينضم إليها عملاقٌ اقتصاديٌّ يعزز من نشاط التداول لمدى طويل".
أمَّا الاقتصادي الوليعي فيوضح أنه "من المتوقع أن تتأثر السوق السعودية بما يطرأ في الأسهم العالمية وأسواق النفط من شق مالي واستثماري، كما أن علينا أن نأخذ بالاعتبار تخوّف المستثمرين من السوق في حالة الركود أو التراجع الحاد".
وأوضح، "لو حدث التغيير في الاقتصاد العالمي فإن التأثير سيكون مباشراً وغير مباشر على بعض القطاعات والشركات في السوق، من ناحية انخفاض الطلب على المنتجات وتدني الأسعار، خصوصاً تلك التي تعتمد على الأسواق الخارجية، وبالتالي ربما تتأثر إيراداتها بالتراجع، نظراً إلى حالة الأسواق".