يترقب المصريون اجتماع لجنة السياسة النقدية التابعة للبنك المركزي المصري، الخميس المقبل، لبحث موقف أسعار الفائدة.
وعلى رغم أهمية مناقشة موقف مستويات الفائدة في هذا الاجتماع، فإن الترقب يتخطى هذا الأمر تجاه احتمال خفض جديد في سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي (التعويم).
وحملت الأيام الماضية إشاعات وتكهنات على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تتحول شيئاً فشيئاً إلى درجة التوقعات التي تتنبأ بإقدام الحكومة المصرية على قرار جديد يخص "التعويم" بخفض جديد في قيمة عملتها المحلية.
الصعود المفاجئ للدولار الأميركي
ما دعم الإشاعات لدرجة التوقعات هو الصعود المفاجئ لسعر الدولار الأميركي مقابل العملة المصرية في السوق الموازية (السوداء) على مدار الأيام القليلة الماضية، حتى إن سعر صرف الدولار الواحد في السوق السوداء كاد يقترب من حاجز الـ50 جنيهاً، قبل أن يتراجع بصورة تدرجية إلى أن سجل سعر الصرف في الوقت الحالي نحو 48 جنيهاً في السوق الموازية، وفقاً لما يتداوله بعض المتعاملين على مواقع التواصل الاجتماعي وأصحاب محلات صرافة، الذين تواصلت معهم "اندبندنت عربية".
إلى ذلك يواجه الاقتصاد المصري أزمة طاحنة تتعلق بشح في الحصيلة الدولارية منذ اندلاع الحرب الروسية بأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، التي دفعت المستثمرين الأجانب في أدوات الدين السيادية المصرية (الأموال الساخنة) إلى الخروج باستثماراتهم صوب الغرب مع تشديد بنك الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) سياسته النقدية لترتفع معدلات الفائدة إلى مستويات مرتفعة لم تصل إليها منذ عام 2008 مما جعلها أكثر جاذبية لها مقارنة مع أسواق الدول الناشئة ومن بينها مصر.
تأتي مستويات الفائدة الأميركية على رأس قائمة أسباب تسببت في شح العملة في القاهرة، فمع التوترات الجيوسياسة في منطقة الشرق الأوسط وتراجع العائدات السياحية، هناك بطء في وتيرة تنفيذ برنامج الطروحات (طرح الشركات العامة في البورصة)، هذا إلى جانب تراجع قيمة الصادرات المصرية.
تلك الأسباب فاقمت من فاتورة الديون المصرية مما دفع مؤسسات التصنيف الائتماني إلى تغيير نظرتها إلى الاقتصاد المصري، ففي مطلع الشهر الجاري تبنى بنك "مورغان ستانلي" نظرة مستقبلية سلبية للديون المصرية وسط مخاوف في شأن الفجوة التمويلية في البلاد، وحالة عدم اليقين في شأن الإصلاحات التي يتطلبها اتفاق قرض الثلاثة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي.
وخفض بنك الاستثمار الأميركي تصنيفه الديون السيادية المصرية إلى "عدم التحبيذ" من "محايد" بسبب ما قال إنها "أخطار متزايدة" في الأشهر المقبلة.
الدين الخارجي إلى 165.361 مليار دولار
وفق البيانات المتاحة ارتفع الدين الخارجي المصري إلى 165.361 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام الحالي، بزيادة قدرها 1.5 في المئة أو ما يعادل 2.43 مليار دولار مقارنة بالربع الأخير من عام 2022 عندما سجل 162.928 مليار دولار، وفقاً لإحصاءات البنك المركزي المصري.
وأشار البنك الأميركي في تقرير حديث إلى أن متوسط متطلبات التمويل الخارجي لمصر نحو 20 مليار دولار في السنة على مدى السنوات الخمس المقبلة، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، بينما تقديرات "غولدمان ساكس" لمتوسط تدفقات التمويل الوافدة خلال الفترة نفسها تصل إلى 18 مليار دولار في السنة، مما يؤدي إلى هذه الفجوة التمويلية.
ومنذ الربع الأول من العام الماضي وحتى الآن فقدت العملة المصرية نحو نصف قيمتها مقابل الدولار، وتعثر قرض صندوق النقد الدولي بسبب بطء الوتيرة التي تتحرك بها مصر في بيع أصول الدولة واعتماد سعر صرف مرن، إذ لم يعلن حتى الآن عن موعد المراجعات التي كان من المقرر أن يجريها الصندوق للإصلاحات التي اتفق عليها مع الحكومة المصرية.
بنك التنمية الصيني يدعم القاهرة بـ957 مليون دولار
وتكثف القاهرة من تحركاتها شرقاً وغرباً لتدبير العملة الأجنبية، واتجهت هذه المرة إلى شرق آسيا تارة بطرح سندات في الأسواق اليابانية والصينية، والاقتراض من بنك التنمية الصيني تارة أخرى.
في تلك الأثناء أعلن بنك التنمية الصيني، ومقره بكين، في بيان، اليوم الثلاثاء، أنه صرف، أمس الإثنين، سبعة مليارات يوان (956.61 مليون دولار) وفقاً لاتفاق قرض مع البنك المركزي المصري، موضحاً في بيان أنه وقع اتفاقاً مع البنك المركزي المصري خلال المنتدى الثالث لمبادرة "الحزام والطريق" الذي عقد في بكين في وقت سابق من هذا الشهر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يشار إلى أن مصر نجحت، كأول دولة في الشرق الأوسط وأفريقيا، في إصدار سندات دولية "باندا" مستدامة بسوق المال الصينية، التي تخصص لتمويل مشروعات بنحو 3.5 مليار يوان صيني بما يعادل 500 مليون دولار، قالت عنه وزارة المالية المصرية، إنها تمكنت من الحصول على تسعير منخفض للسندات بعائد 3.5 في المئة سنوياً لأجل ثلاث سنوات، مما يجعله أكثر تميزاً مقارنة بأسعار الفائدة الخاصة بإصدارات السندات الدولارية الدولية، في ظل التحديات الاقتصادية العالمية.
على مستوى أسعار الفائدة تشير التوقعات إلى أن يبقي البنك المركزي المصري أسعار الفائدة لليلة واحدة من دون تغيير في اجتماع السياسة النقدية، ليلة الجمعة المقبل، وذلك في وقت تسعى فيه الحكومة إلى حالة من الاستقرار قبل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في ديسمبر (كانون الأول) وسط الحرب الدائرة في غزة.
تثبيت أسعار الفائدة والعملة
في غضون ذلك أظهر متوسط توقعات 16 محللاً استطلعت "رويترز" آراءهم أن البنك المركزي سيبقي سعر الفائدة على الودائع ثابتاً عند 19.25 في المئة وسعرها على الإقراض عند 20.25 في المئة خلال الاجتماع الدوري للجنة السياسات النقدية، بينما توقع ثلاثة محللين أن يرفع البنك أسعار الفائدة 100 نقطة أساس.
رسمياً يحافظ البنك المركزي المصري على سعر العملة منذ مارس (آذار) 2022 ثابتاً عند 30.95 للدولار، بينما اكتفى برفع سعر الفائدة لليلة واحدة 100 نقطة أساس فقط رغم ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 38 في المئة في سبتمبر (أيلول).
من جهتها توقعت كارلا سليم من بنك "ستاندرد تشارترد" أن يستمر البنك المركزي المصري في عدم تعديل سعر صرف العملات الأجنبية وأسعار الفائدة موقتاً لحين الانتهاء من برنامج صندوق النقد الدولي".
يشار إلى أنه بموجب حزمة دعم مالي قيمتها ثلاثة مليارات دولار أبرمتها القاهرة مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر 2022، وافقت مصر على السماح بتعويم عملتها المحلية وتسريع بيع أصول الدولة لتقليص عجز موازنتها وميزان المعاملات الجارية، ولا يزال التقدم بطيئاً في كلا الأمرين.
وكان من المقرر أن يصرف صندوق النقد الدولي شريحتين سنوياً على مدار 46 شهراً لكنه تأخر في شريحة يونيو (حزيران) وسط تقارير تفيد بعدم رضاه عن التقدم الذي تحرزه مصر.
ويرى كثير من المحللين أن مصر تنتظر إلى ما بعد الانتخابات قبل خفض قيمة عملتها التي يجري تداولها في السوق السوداء عند نحو 48 جنيهاً مقابل الدولار في الوقت الحالي، ومن المرجح أن تسعى إلى زيادة حجم حزمة صندوق النقد الدولي.
من جانبها قالت المحللة الاقتصادية في بنك "أبوظبي التجاري"، مونيكا مالك "نتوقع أن نشهد زيادة كبيرة في أسعار الفائدة في وقت التخفيض التالي لقيمة العملة بعد الانتخابات الرئاسية"، مستدركة "في هذه المرحلة نتوقع التركيز على تخفيف الضغوط على الأسر".