ملخص
كشفت دراسة حديثة للمندوبية السامية للتخطيط (هيئة حكومية) أن 70 في المئة من الشباب المغاربة لا يثقون في جدوى العمل السياسي، و5 في المئة فقط من يؤمنون بالعمل الحزبي، و1 في المئة فقط هم من يزاولون الفعل السياسي من داخل الهيئات السياسية.
في مفارقة لافتة، ترفع العديد من الأحزاب السياسية المغربية شعارات ضرورة تشبيب الهيئات السياسية، ومنح الشباب مناصب المسؤولية والقيادة في الأحزاب، غير أن هذه الأحزاب نفسها ما زالت تقودها شخصيات مسنة ومتقدمة في العمر.
تتزعم "قيادات شائخة" أحزاباً سياسية، سواء كانت مشاركة في الحكومة أو مصطفة في المعارضة، ومنها التي عمدت إلى تعديل قوانينها الداخلية من أجل استمرار "الزعيم الحزبي" في القيادة، في الوقت الذي تفيد فيه العديد من استطلاعات الرأي والدراسات الميدانية نفور الشباب من الانخراط في الأحزاب السياسية.
قيادات مسنة
يرأس حزب الحركة الشعبية، الذي يوجد حالياً في موقع "المعارضة"، والذي شارك في الكثير من الحكومات السابقة، محند العنصر، الذي يبلغ من العمر حالياً 81 سنة، وهو المنصب الذي جاء "بالمقاس" بعد أن تم إدخال تعديلات على النظام الأساسي للحزب تم بموجبها تزكية العنصر "رئيساً أبدياً" لهذا الحزب، بينما تم انتخاب محمد أوزين أميناً عاماً للحزب بالإجماع، خلال مؤتمر الحزب الذي جرى في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
أما حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي يتموقع في خانة المعارضة البرلمانية، فيقوده حالياً إدريس لشكر، ويبلغ من العمر 69 سنة، ويلامس عقده السابع، ليواصل بذلك زعامة هذا "الحزب اليساري" للولاية الثالثة على التوالي منذ ديسمبر (كانون الأول) عام 2012.
وفي مثل سن لشكر يقود عبدالإله بن كيران، رئيس الحكومة الأسبق والأمين العام لحزب العدالة والتنمية "الإسلامي" الذي يتموقع حالياً في صف المعارضة، لولاية ثالثة هو أيضاً بتزعم الحزب خلال ولايتين، من 2008 إلى 2012، ثم من 2012 إلى 2017.
وبدوره يقود محمد نبيل بن عبدالله حزب التقدم والاشتراكية، الذي يوجد حالياً في خندق المعارضة، لولاية رابعة وهو في عمر 64 سنة، وذلك بعد أن حصل قبل أشهر مضت على غالبية ساحقة في انتخابات الأمين العام للحزب خلال المؤتمر الوطني الـ11 للحزب.
أما نزار بركة فيبلغ من العمر 60 سنة، وهو سن يمكن وصفه بالسن الصغيرة مقارنة مع عدد من زملائه زعماء الأحزاب السياسية الأخرى، وهو يقود حزب الاستقلال منذ أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2017، خلفاً لسلفه حميد شباط.
منع التداول
تقود الشخصيات نفسها العديد من الأحزاب السياسية في المغرب لولايات متكررة ومتتابعة، من بينهم من بلغ ثلاثة أو أربع ولايات، بينما الولاية قد تمتد أحياناً أربع أو خمس سنوات بحسب النظام الأساسي الداخلي لكل حزب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أستاذ العلوم السياسية بجامعة مراكش محمد نشطاوي يعلق على هذا الموضوع بقوله إن الزعامات بمعناها "الكاريزمي" لم تعد موجودة برحيل الرعيل الأول من قبيل علال الفاسي، وعلي يعتة، وعبدالرحيم بوعبيد، ومحمد بوستة وآخرين.
وقال نشطاوي إن "السلطة المركزية (الدولة) تملك دوراً في اختيار زعماء الأحزاب على رغم إجراء انتخابات داخلية لاختيار زعيم هذا الحزب أو ذاك"، مورداً أن "زعماء الأحزاب في أغلبهم يحظون لذلك برضا السلطة السياسية".
وسجل المحلل ذاته مفارقة بارزة تتمثل في كون هذه الأحزاب السياسية المغربية ما فتئت تنادي بضرورة تجديد دمائها ومنح الشباب فرصة امتلاك القرار والقيادة داخل هذه الهيئات، لكن على رغم ذلك تستمر في تزكية وانتخاب "القيادات المسنة"، الشيء الذي يمنع عدم تداول قيادة الأحزاب مع فئة الشباب.
وانتقد نشطاوي توجهات العديد من الأحزاب المغربية نحو الإحجام عن تداول المسؤولية في مناصب القيادة مع الشباب بدعوى أن ذلك نوع من "الريع السياسي"، مبرزاً أن هذه القيادات غالباً ما تبحث عن مكاسب سياسية سواء كانت متموقعة في الغالبية الحكومية أو المعارضة.
وخلص المحلل إلى أن "نتيجة هذا الوضع تكمن أساساً في وجود قيادات حزبية شائخة وطاعنة في السن تفتقد في الغالب رؤية قوية وحديثة للبحث عن أفق سياسي يسهم في حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية المتراكمة في البلاد".
دعوات إلى التشبيب الحقيقي
على رغم انحصار زعامة وقيادة أغلب الأحزاب المغربية في شخصيات مسنة و"مكررة"، فإنها لا تفتأ تطالب بالتشبيب وسط هذه الهيئات، ومنها حزب الحركة الشعبية على لسان أمينه العام الحالي محمد أوزين الذي يعتبر أن "تجديد الخطاب السياسي والتشبيب يعدان من أولى المهام الجوهرية المطروحة في المرحلة الراهنة على الحزب".
ومن جهته، سبق لإدريس لشكر، زعيم حزب الاتحاد الاشتراكي، أن شدد على كون "الحزب الذي لا يستطيع أن يتجدد بشكل كمي وكيفي واسع محكوم عليه بالفناء"، منادياً ببث دماء جديدة في أوصال هذا الحزب باعتباره "ليس بنية منغلقة، ولا أجهزة يتربع عليها زعماء احترفوا السياسة".
وبدوره يرى حزب الاستقلال ضرورة ما سماه أحد قيادييه عمر عباسي "التشبيب القسري للطبقة والنخبة السياسية في البلاد"، وبأنه "لا مستقبل للديمقراطية من دون مزيد من إشراك فعلي وحقيقي للشباب".
ويعلق محمد نبيل بن عبدالله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، على هذا الموضوع بقوله "إن تشبيب قيادات الأحزاب مطلب ملح في المشهد السياسي المغربي اليوم قبل أي وقت مضى، بالنظر إلى حزمة التحديات القائمة أمام البلاد، والتي تتطلب رأياً وحضوراً وقراراً من الشباب داخل الأحزاب".
ووفق هذا الزعيم الحزبي ذاته، تطعيم الأحزاب بكفاءات شابة على مستوى القيادات والمسؤوليات والقرارات الرئيسة من شأنه أن يتيح تداولاً حقيقياً للمسؤوليات داخل هذه الهيئات السياسية التي أوجب عليها الدستور تأطير المغاربة"، مشدداً على أنه "لا يتعين أن يكون هذا الحضور تأثيثياً أو "ديكوراً" سياسياً فقط، بل حضوراً حقيقياً قائماً على الكفاءة قبل كل شيء، بهدف حمل المشعل بعد القيادات المخضرمة والمجربة".
حري بالذكر أن طموح تشبيب القيادات الحزبية يبدو بعيد المنال في المغرب بدليل نتائج الكثير من الدراسات والاستطلاعات التي تظهر أن نسبة كبيرة من الشباب المغربي لا يثقون في جدوى السياسة ولا في الانخراط في الأحزاب السياسية.
وكشفت دراسة حديثة للمندوبية السامية للتخطيط (هيئة حكومية) أن 70 في المئة من الشباب المغاربة لا يثقون في جدوى العمل السياسي، و5 في المئة فقط من يؤمنون بالعمل الحزبي، و1 في المئة فقط هم من يزاولون الفعل السياسي من داخل الهيئات السياسية.