Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تعيد حرب القطاع تشكيل سياسات أميركا والغرب؟

تحالفات مرتقبة تعكس قدراً من عدم الاستقرار على اليمين واليسار

تظاهرة داعمة للفلسطينيين وسط مدينة ديترويت في ولاية ميشيغان الأميركية (أ ف ب)

ملخص

تبدو الولايات المتحدة في طريقها إلى تحالفات تعكس قدراً من عدم الاستقرار على اليمين واليسار على حد سواء

بعد فترة طويلة من المتابعة الهامشية، عاد الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين ليحتل مكانة مركزية من الاهتمام والنقاش السياسي في الولايات المتحدة والدول الغربية بشكل عام، لكن الاصطفافات والمواقف التي كانت مألوفة إزاء هذا النزاع على مدى عقود، بدأت تشهد تحولاً نسبياً على اليمين واليسار السياسي على حد سواء، فما هي أوجه التحول بالنسبة للمؤيدين والمعارضين لإسرائيل؟ وما الذي يعنيه ذلك في المستقبل؟

مؤيدو إسرائيل في أميركا

قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حينما شنت حركة "حماس" هجوماً مفاجئاً على إسرائيل وقتلت نحو 1400 شخص، وما تبعه من انتقام إسرائيلي فاق كل المواجهات السابقة بعدد قتلى، مضى وقت طويل على الصراعات الدموية الملتهبة بين الجانبين والتي شهدت اصطفافات مألوفة استمرت على مدى عقود. ففي الجانب المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة كانت هناك ثلاث مجموعات أو فصائل فضفاضة، أولها الديمقراطيون الصهاينة الذين يؤمنون منذ زمن بعيد بضرورة إقامة وطن للشعب اليهودي في فلسطين، سواء كانوا وسطيين أو ليبراليين اندمجوا مع الصهيونية السياسية ويروجون لإسرائيل كدولة ليبرالية تعبر عن القيم الغربية والسياسة الديمقراطية.

وثانيها، صقور المحافظين الجدد، حيث تحظى إسرائيل بأهمية أساسية في رؤيتهم للسياسة الخارجية باعتبارها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ويعتقدون أن لإسرائيل المصالح نفسها التي تتمتع بها الولايات المتحدة التي يجب أن تساعد إسرائيل مالياً وتكتيكياً في صراعاتها الإقليمية ضمن تحالف استراتيجي دائم، وذلك وفقاً للإذاعة الوطنية العامة "أن بي آر".

وثالثهما، المسيحيون الإنجيليون الذين يهيمنون على الناخبين الجمهوريين، ويعتقدون أن أمن إسرائيل يتجاوز السياسة الخارجية لأنه يتعلق بإرادة الله، وهي رسالة ترددت منذ فترة طويلة في الكنائس الإنجيلية في جميع أنحاء أميركا، وأكد عليها أخيراً الزعيم الإنجيلي بوب فاندر بلاتس، حيث نقلت عنه شبكة "أن بي سي" هذا الأسبوع قوله إن أمة إسرائيل مهمة للغاية في إعادة يسوع المسيح ووضعه على العرش بمدينة القدس، في إشارة إلى نبوءة وردت في سفري حزقيال وزكريا في الإنجيل، بحسب معتقداتهم.

معارضو إسرائيل

على النقيض من ذلك، هناك مجموعتان رئيسيتان تعارضان إسرائيل، ويتزايد تعاطفهم مع الفلسطينيين، حيث تتشكل المجموعة الأولى من اليساريين التقدميين داخل الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، والذين يجدون أرضية مشتركة مع أصحاب الأفكار التقليدية اليسارية الشائعة في أوروبا، وعلى سبيل المثال سجل استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "غالوب" في أبريل (نيسان) الماضي 2023 وللمرة الأولى في تاريخ المؤسسة، أن الديمقراطيين عبروا عن تعاطفهم مع الفلسطينيين أكثر من تعاطفهم مع الإسرائيليين، حيث قال 49 في المئة إنهم يتعاطفون أكثر مع الفلسطينيين، مقارنة بـ38 في المئة ممن يتعاطفون مع الإسرائيليين، بحسب موقع "فوكس".

أما المجموعة الثانية فتنتمي إلى اليمين الذي يكن مشاعر معادية لإسرائيل، ويمثل هؤلاء الشعبويون في الولايات المتحدة من أتباع باتريك بوكانان وهو محافظ أميركي، ومؤلف ومعلق سياسي كان مساعداً ومستشاراً خاصاً لرؤساء الولايات المتحدة ريتشارد نيكسون، وجيرالد فورد، ورونالد ريغان، وهو شخصية مؤثرة في حركة المحافظين القدامى، والذي كان يعتبر أن إسرائيل تدفع الولايات المتحدة للحرب في الشرق الأوسط نيابة عنها من دون اهتمام بعلاقة أميركا بالدول العربية، كما قال في 15 يونيو (حزيران) 1990 إن الكابيتول هيل (مبنى الكونغرس) هو أرض محتلة من قبل إسرائيل، ولهذا اتهمته رابطة مكافحة التشهير اليهودية بمعاداة السامية في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز".

ويتوافق في العداء لإسرائيل أيضاً في أوروبا، ما يصفهم البعض بالرجعيين الأوروبيين، أي أنصار البيئة الشعبوية المتصاعدة الحالية في أوروبا الذين يناهضون الاتحاد الأوروبي والهجرة، ولديهم نظرة متشككة للمؤسسية ولآراء الخبراء، كما يعارض إسرائيل أيضاً بعض الأوروبيين الذين درسوا الحضارة واللغة العربية.

تحالفات تتشكل

لكن على رغم أن هذه التجمعات الواسعة ما زالت موجودة منذ بدء الحرب الدائرة قبل أكثر من ثلاثة أسابيع، حيث ظل الإنجيليون مؤيدين بشدة لإسرائيل، والرئيس الديمقراطي جو بايدن ليبرالي صهيوني كما صرح بذلك علناً قبل توليه الرئاسة، والحركة التقدمية مؤيدة للفلسطينيين، إلا أن الأزمة الحالية تشهد تحالفات أكثر تعقيداً تتشكل.

وقد تكون لهذه التحالفات الجديدة آثار تمتد إلى ما هو أبعد من المسألة الإسرائيلية- الفلسطينية وحدها، لأنها تتعلق بتغير في الاتجاهات الأيديولوجية التالية:

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تشدد التقدميين

يتخذ اليسار التقدمي في الغرب موقفاً أكثر تطرفاً وتشدداً في التعامل مع إسرائيل مما كانت عليه الحال قبل 10 أو 15 عاماً، وبخاصة في ضوء تحول إسرائيل نحو اليمين السياسي، إذ استخدم خطاب إنهاء الاستعمار بشكل طبيعي مقتبساً من المشاريع الثقافية التقدمية، وتنامى الدعم للكفاح المسلح وعدم تحميل المسؤولية لما يصفه الغرب بـ"الإرهاب" أو معاداة السامية المعادي للسامية، الأمر الذي يعتبره روس دوثانت، في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، نذيراً بمستقبل أكثر انقساماً.

شارع عربي في الغرب

في حقبة ما بعد الـ11 من سبتمبر (أيلول)، كان الغرب ينظر إلى السخط الشعبي داخل الدول العربية والإسلامية باعتباره قوة جيوسياسية مهمة في حد ذاتها، لكن السخط العربي والمسلم عقب بدء القصف الإسرائيلي لغزة بدأ يؤثر داخل الدول الغربية أيضاً، ولم تكن الاحتجاجات الأخيرة في العواصم الأوروبية، امتداداً للتقدميين المتطرفين بقدر ما هي تعبير مباشر عن التضامن العرقي والديني مع الفلسطينيين من جانب المهاجرين القادمين من الشرق الأوسط وأحفادهم.

غير أن هذا التحالف الضمني بين المهاجرين العرب والمسلمين مع التقدميين الغربيين والعلمانيين والحركات النسوية، يثير أسئلة لكل من التقدميين والمسلمين المحافظين حول من يستخدم من؟ وكيف يمكن لهذا التجمع أن يستمر متحالفاً؟

علاقة أوروبا مع إسرائيل

 من المرجح أن الحركات الجماهيرية الداعمة للفلسطينيين في الشوارع الأوروبية سوف تصدق على التوجه المناهض لإسرائيل الذي يتبناه بعض الزعماء الأوروبيين، لكن إذا كانت أوروبا تتحرك نحو اليمين بشكل عام، وقد تصبح أكثر تشككاً بشأن الهجرة الجماعية، وأكثر خوفاً من الإسلام السياسي وما تصفه بـ"الإرهاب"، وتريد حماية ثقافتها الأصلية بينما ينزلق سكانها نحو الشيخوخة.

وهذا يفسر جزئياً تزايد التعاطف الأوروبي مع الموقف الإسرائيلي، وهو ما يبدو واضحاً في أن الخطاب السياسي والإعلامي البريطاني يبدو الآن أكثر تعاطفاً مع إسرائيل من الخطاب السياسي والإعلامي الأميركي، بحسب ما لاحظ الكاتب البريطاني أريس روسينوس، في حين أن محاولات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حشد تحالف كبير مناهض لـ"حماس" والحظر الذي فرضته حكومته على التظاهرات المناصرة للفلسطينيين، يختلف تماماً عن مواقف فرنسا التقليدية السابقة.

وإذا كانت الضغوط التي تتعرض لها النخب الأوروبية تأتي من اتجاهات متعددة، فإن الضغوط التي يتعرض لها اليهود والصهاينة الأميركيون داخل التحالف الديمقراطي تنذر بتحول البعض نحو اليمين. فاليهود التقدميون الذين يعتبرون أنفسهم مؤيدين للسلام، ومؤيدين للفلسطينيين ومناهضين لحزب الليكود، قد يواجهون شعوراً بالاغتراب داخل الحركة التقدمية التي تبدو متضاربة أو مشلولة عندما يطلبون منها إدانة "حماس" على قتل 1400 معظمهم مدنيون.

ويمكن لليبراليين الصهاينة الأقرب إلى الوسط السياسي أن يشعروا بالارتياح لأن رؤيتهم للعالم لا تزال مشتركة بين معظم سياسيي الحزب الديمقراطي، بما في ذلك الرئيس نفسه، لكن الاتجاه اليساري في السياسة الديمقراطية كان بمثابة قوة عاتية وهو آخذ في النمو، وهذا يعني مع دوران الأجيال أن الناشطين التقدميين قد يحصلون على الفرصة لإعادة تشكيل الحزب الديمقراطي على صورتهم الخاصة في وقت قريب، وعند هذه النقطة، يمكن أن يتجه الديمقراطيون الصهاينة نحو المحافظين المعتدلين.

حركة محافظة جديدة

الشيء الوحيد الذي سيجده الليبراليون المؤيدون لإسرائيل إذا تحركوا نحو اليمين، هو شكل جديد من المحافظين الجدد يختلف عن نسخة عصر الرئيس جورج دبليو بوش، التي ركزت على ثقة العالم في القوة الأميركية واستراتيجيتها الكبرى المتشددة، بل هو بالأحرى تحالف غير مكتمل ضد أي حركة تقدمية صاعدة.

وإذا كان العديد من الأعضاء الليبراليين يشعرون بعدم الارتياح في الارتباط بالحزب الجمهوري الذي يقوده ويسيطر عليه الرئيس السابق دونالد ترمب، لكنهم أيضاً معزولون بشدة عن التقدميين بحيث لا يمكنهم الانتماء إلى ائتلاف يسار الوسط مرة أخرى، فإن هذا قد يدفعهم إلى تشكيل حركة أشبه بحركة المحافظين الجدد في حقبة السبعينيات، والتي كانت عبارة عن ملاذ وسط للمثقفين غير الراضين عن خياراتهم، ولكنهم يتجهون بشكل واضح نحو اليمين.

والشيء الآخر الذي سيجده الصهاينة الذين يتجهون نحو اليمين هو الدعم الإنجيلي المرن لإسرائيل، والذي استمر خلال العقدين الماضيين، وهو تقارب تجسد في التصريحات المؤيدة لإسرائيل من رئيس مجلس النواب الجديد مايك جونسون، الأمر الذي لا يعكس فقط التوقعات التي يتصورونها لنهاية العالم، بل يشير أيضاً إلى إحساس أميركي بروتستانتي واسع النطاق بالروابط بين الجمهورية الأميركية والعالم الجديد والتوراة.

عوائق اليمين

ومع ذلك، فإن الشيء الوحيد الذي منع غالبية اليهود من التحرك نحو اليمين حتى الآن، هو الخوف من معاداة السامية اليمينية، والتي تشمل كراهية الأجانب، وهو ما يبدو أن حملة دونالد ترمب أثارته بقوة عام 2016 عن عمد، وعلى رغم أن ترمب كان في كثير من الأحيان أكثر تأييداً لإسرائيل من أسلافه الجمهوريين، إلا أن عقلية "أميركا أولاً"، مع الأشكال الأخرى من السياسات اليمينية التي تختلف تماماً عن كل من المحافظين الجدد والإنجيليين المناصرين لإسرائيل، تشكل أهمية أكبر بالنسبة للتيار المحافظ الأميركي اليوم مقارنة بما كان عليه قبل 15 عاماً.

وعلى سبيل المثال، كان هناك غضب بين الكاثوليك المحافظين تجاه جورج دبليو بوش بسبب غزوه العراق والسماح بتدمير المسيحية في الشرق الأوسط بسبب الحروب التي تلت ذلك، كما ظل هناك شعور بأن إسرائيل كانت شريكة في ذلك المشروع المتهور.

وعلاوة على ذلك، يشتمل الحزب الجمهوري على العديد من أنصار الفيلسوف الألماني نيتشه، وبعض المؤثرين اليمينيين المتطرفين الآخرين، وهناك الكثير من نظريات المؤامرة ومعاداة اليهود، ولهذا يبدو أن الائتلاف الجمهوري في عهد ترمب يضم بشكل عام الكثير من الأميركيين غير المتدينين، والساخطين من الطبقة العاملة، الذين قد تبدو لهم المشاعر المؤيدة لإسرائيل وكأنها معتقدات تتعلق بالنخب التي يزدرونها.

ولكن في كل الأحوال فإن الولايات المتحدة تبدو في طريقها إلى تحالفات تعكس قدراً من عدم الاستقرار، على اليمين واليسار على حد سواء، والتي سوف تتبلور على الأرجح مع ما تكشفه المناقشات الجديدة بشأن إسرائيل والفلسطينيين حول حجم التغيير الذي ينتظر الجميع.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير