توقع مراقبون ومحللون في أسواق النفط، أن يحافظ تحالف "أوبك" على سياسته الإنتاجية من دون تغيير، طالما بقيت ديناميكيات سوق النفط متوازنة ومستقرة على رغم الحرب الدائرة بين إسرائيل و"حماس" والمخاوف من تأثيرها في شحن الخام من منطقة الشرق الأوسط.
وأضافوا في تصريحات إلى "اندبندنت عربية"، أن "أوبك+" أخذت على عاتقها الحفاظ على استقرار الأسواق، وضخ إمدادات بما يحافظ على العرض والطلب.
في المقابل، ترى وكالة الطاقة الدولية أن اتساع نطاق الحرب بين إسرائيل و"حماس" وزيادة الأخطار الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط سيؤدي إلى اتخاذ "أوبك+" إجراءات لتخفيف القيود على الإنتاج والحفاظ على إمدادات آمنة للمستهلكين وتهدئة ارتفاعات الأسعار.
تقلبات أسعار الخام
في غضون ذلك، شهدت أسواق النفط أخيراً تقلبات بسبب الحرب في غزة ومخاوف توسعها من دول أخرى مثل إيران.
وتوفر منطقة الشرق الأوسط، ثلث إمدادات النفط الخام العالمية، وهناك مخاوف من أن يؤدي تصعيد الحرب إلى هجمات على ناقلات النفط، وتهديد نقاط التفتيش البحرية، وانخفاض الصادرات من طهران، بحسب ما ذكرته وكالة "بلومبيرغ".
وتذبذبت أسعار الخام بسبب الحرب وتباين مؤشرات الطلب، وأصبح كل من خام غرب تكساس الوسيط وبرنت في طريقهما للحد من الانخفاضات التي سجلاها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مع تلاشي علاوة الأخطار الناجمة عن الصراع، وتجدد المخاوف من شبح التباطؤ العالمي.
وارتفعت أسعار النفط في تعاملات الخميس، إذ يبقي الصراع في الشرق الأوسط المستثمرين في حال من القلق في شأن ما إذا كان يمكن أن يؤثر في إمدادات النفط بالمنطقة.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 1.04 دولار إلى 85.67 دولار للبرميل، وصعدت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 1.06 دولار إلى 81.5 دولار للبرميل.
وكانت أسعار النفط قد محت جميع المكاسب التي حققها منذ اندلعت الحرب التي أثارها هجوم غير مسبوق في تاريخ إسرائيل تسللت خلاله "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إذ هبطت أسعار النفط بنسبة 10.76 في المئة على أساس شهري في أكتوبر الماضي.
قيود مشددة
وبدوره، قال المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول، إن الدول النفطية الكبرى فرضت قيوداً مشددة على الإمدادات منذ الصيف بعد تراجع الأسعار، لكنها قد تغير مسارها إذا تم جر منتجين آخرين في الشرق الأوسط إلى الصراع.
وأضاف بيرول في مقابلة مع تلفزيون "بلومبيرغ" أن أحد الخيارات المحتملة هو أن تغير السعودية وروسيا سياسات الإنتاج الخاصة بهما لا سيما أن هناك قدراً كبيراً من الطاقة الإنتاجية الفائضة.
ديناميكيات متوازنة ومستقرة
وفي الصدد ذاته، قال المتخصص في الشؤون النفطية كامل الحرمي، إنه من السابق لأوانه التوقع بدخول تحالف "أوبك+" في اتفاق جديد في شأن الإنتاج، لطالما بقيت ديناميكيات سوق النفط متوازنة ومستقرة، والأسعار حالياً دون مستوى 90 دولاراً للبرميل وهو ما يعد مناسباً للمنتجين والمستهلكين على السواء.
وأضاف الحرمي، أنه من المتوقع أن يحافظ التحالف على سياساته الإنتاجية من دون تغيير مع التزام الدول الأعضاء بقرار خفض إمدادات النفط حتى نهاية العام المقبل، مؤكداً أن دول "أوبك+" ستواصل تقييم الأوضاع بسوق النفط العالمية مع استعدادهم للتعامل مع تطورات السوق واتخاذ إجراءات إضافية في أي وقت.
سيناريوهات محتملة
من جهته، يرى المحلل النفطي الكويتي، خالد بودي، أن الوقت الراهن يشكل فترة ترقب لاتجاهات الصراع في الشرق الأوسط عبر ثلاثة سيناريوهات محتملة أولها استمرار الصراع في نطاقه الحالي لفترة طويلة نسبياً قد تتجاوز العام، وثانيها هو أن تتسع دائرة الصراع لتدخل أطراف أخرى بالتالي يتعقد الموقف، ويمكن أن يطول أيضاً، أما الاحتمال الثالث وهو الأرجح هو أن يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار وتنتهي الحرب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أن جميع هذه الاحتمالات لا يمكن أن تؤثر في أسعار النفط كثيراً إذا لم ينتج منها تعثر لإنتاج الخام أو إغلاق بعض أو جميع خطوط الإمداد، وهذا أي تعثر عمليات الإنتاج أو عرقلة تدفق إمدادات النفط لا يبدو متوقعاً لأن الصراع حالياً بعيد من مناطق الإنتاج وطرق الإمداد ما لم تقرر "أوبك+" أو بعض دولها التوقف عن تصدير النفط إلى الدول الغربية كوسيلة للضغط على أمل تغيير مواقفهم من هذا الصراع إلى موقف أكثر حيادية، ولكن احتمال الوقف الطوعي للإنتاج لا يبدو مرجحاً في الوقت الحالي.
وأشار بودي، إلى أنه من المتوقع استمرار إنتاج النفط بالوتيرة الحالية وانتظام وصوله إلى الدول المستهلكة، بالتالي ليس من المتوقع أن يكون للصراع الحالي أي تأثير في أسعار النفط إذا لم تتأثر مراكز الإنتاج وطرق الإمداد، بالتالي ليس من المنتظر أن يتخذ تحالف "أوبك+" أي قرارات تتعلق بتعديل كميات الإنتاج إلا بصورة محدودة.
آفاق قاتمة
من جانبه، قال محلل أسواق النفط العالمية أحمد حسن كرم، إن أسواق النفط تترقب التطورات الجيوسياسية المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً ما يحدث في مدينة غزة، والتي تحمل معها آفاقاً قاتمة حال تطورها أكثر ودخول دول أخرى من ضمن هذه التوترات والتي من شأنها أن تؤثر في أسعار النفط.
وتابع كرم "على أي حال في الوقت الحالي ما زالت قرارات "أوبك+" الأخيرة في شأن خفض الإنتاج سارية المفعول وهي اللاعب الرئيس الحالي لأسعار النفط مع العامل الأساسي وهو العرض والطلب".
وأشار إلى أنه في الوقت الحالي لا نتوقع أي إجراء سيتم اتخاذه من قبل "أوبك+" في شأن الأسعار ولا يستدعي اجتماع طارئ بهذا الشأن أيضاً بسبب هذه التوترات التي ما زالت لا تؤثر بشدة في الأسواق النفطية، متوقعاً أن يتم عقد اجتماعات إذا تطورت الأوضاع ودخلت دول أخرى بالصراع فحينها ربما سنرى اجتماعات طارئة.
صدمة شديدة
وفي هذا السياق، قال نائب رئيس الخبراء الاقتصاديين ومدير مجموعة آفاق التنمية بالبنك الدولي، أيهان كوسي "إن استمرار الارتفاع في أسعار النفط يعني حتماً ارتفاع أسعار الغذاء، وإذا حدثت صدمة شديدة في أسعار النفط، فستؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم في أسعار المواد الغذائية، وهي بالفعل مرتفعة في العديد من البلدان النامية، وفي نهاية عام 2022، كان أكثر من 700 مليون شخص - أي ما يقرب من 10 في المئة من سكان العالم - يعانون نقص التغذية، وتصعيد هذا الصراع سيزيد انعدام الأمن الغذائي، ليس في المنطقة فحسب، ولكن أيضاً في جميع أنحاء العالم".
وأفاد أحدث إصدار للبنك الدولي من نشرة "آفاق أسواق السلع الأولية"، بأنه على رغم أن الاقتصاد العالمي في وضع أفضل بكثير مما كان عليه في سبعينيات القرن العشرين لمواجهة صدمة كبيرة في أسعار النفط، فإن تصعيد الصراع الأخير في الشرق الأوسط إضافة إلى الاضطرابات الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا قد يدفعان أسواق السلع الأولية العالمية لحال من عدم اليقين.
ويقدم التقرير تقييماً أولياً للتداعيات المحتملة لهذا الصراع في الأجل القريب على أسواق السلع الأولية، ويخلص إلى وجوب احتواء آثار هذا الصراع لتكون في أضيق الحدود، وعدم اتساع دائرته.
ووفقاً لتوقعات خط الأساس التي وضعها البنك الدولي، من المتوقع أن يبلغ متوسط أسعار النفط 90 دولاراً للبرميل في الربع الحالي من العام قبل أن يتراجع إلى 81 دولاراً للبرميل في المتوسط في السنة المقبلة مع تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي العالمي، ومن المتوقع أن تنخفض أسعار السلع الأولية بوجه عام بنسبة 4.1 في المئة في العام المقبل.
وبحسب التقرير، ستصبح آفاق أسعار السلع الأولية سلبية بسرعة إذا حدث تصعيد في الصراع، ويحدد التقرير ما يمكن أن يحدث في ظل ثلاثة سيناريوهات للأخطار استناداً إلى التجارب التاريخية التي شهدها العالم منذ سبعينيات القرن الماضي.
وستتوقف آثار كل سيناريو على درجة تعطل إمدادات النفط، ففي سيناريو "التعطل المحدود"، ستنخفض إمدادات النفط العالمية بمقدار 500 ألف برميل إلى مليوني برميل يومياً، وهو ما يعادل تقريباً الانخفاض الذي شهدته الحرب الأهلية الليبية عام 2011، وفي ظل هذا السيناريو، سيرتفع سعر النفط مبدئياً بين ثلاثة و13 في المئة مقارنة بمتوسط الفترة ربع سنوية الحالية بواقع 93 و102 دولار للبرميل.
وفي سيناريو "التعطل المتوسط" - وهو ما يعادل تقريباً حرب العراق في عام 2003 - ستتراجع إمدادات النفط العالمية بما يتراوح بين ثلاثة ملايين وخمسة ملايين برميل يومياً، مما يدفع أسعار النفط إلى الارتفاع بنسبة 21 في المئة إلى 35 في المئة في البداية بواقع 109 دولارات و121 دولاراً للبرميل.
أما في سيناريو "التعطل الكبير" - على غرار الحظر النفطي الذي فرضته الدول العربية في عام 1973 - ستنكمش إمدادات النفط العالمية بمقدار ستة ملايين إلى ثمانية ملايين برميل يومياً، مما يدفع الأسعار إلى الارتفاع بنسبة 56 في المئة إلى 75 في المئة في البداية بواقع 140 دولاراً و157 دولاراً للبرميل، وفق التقرير.