نصّب وزير الداخلية الجزائري مراقب الشرطة أونيسي خليفة، مديراً عاماً جديداً للشرطة الجزائرية، خلفاً لعبد القادر بوهدبة. وخليفة هو المدير الرابع للأمن الجزائري في ظرف سنة واحدة، بعد مسلسل تغييرات انطلقت من إقالة الجنرال عبد الغني هامل، مروراً بالعقيد مصطفى لهبيري ثم بوهدبة وأخيراً أونيسي خليفة.
ومباشرة بعد صدور مرسوم تعيين مدير جديد على رأس الشرطة الجزائرية، سارع وزير الداخلية للإشراف على المراسم الرسمية لانتقال المهام، وقال الوزير صلاح الدين دحمون بالمناسبة إنه يطلب من إطارات المؤسسة "تنسيق العمل كرجل واحد خلف هذه القيادة الجديدة، خصوصاً أن البلاد تشهد ظروفاً استثنائية ما يتطلب يقظة وحرصاً شديدين والكثير من المهنية والاحترافية في العمل الشرطي، مثلما هي الحال في مؤسسة الجيش الوطني الشعبي التي تتفانى في خدمة الوطن والمواطن".
وأعرب المدير العام الجديد للأمن الوطني أونيسي خليفة عن "عرفانه للسلطات العليا للبلاد التي وضعت في شخصيته كل الثقة في تسيير شؤون المؤسسة الأمنية العتيقة، لا سيما في هذه الظروف بالذات التي تمر بها الجزائر"، ودعا إلى "تضافر جهود الجميع لخدمة الوطن ومواجهة مختلف التحديات وحماية البلاد والحفاظ على أمنها واستقرارها".
جهاز خارج الطاعة؟
مراقب الشرطة أونيسي خليفة هو المدير العام الرابع في ظرف سنة واحدة للشرطة الجزائرية التي تضم حوالى 200 ألف عنصر في صفوفها، ما يعكس إلى حد كبير عدم عثور السلطات العليا على الشخص المطلوب لتولي هذه المهمة.
وكان اللواء عبد الغني هامل أحد أكثر الشخصيات الأمنية التي استمرت طويلاً في منصبها على رأس الجهاز (من عام 2010 إلى عام 2018) في سياق تحالف وثيق مع رئاسة الجمهورية.
وكانت علاقة هامل بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، جيدة جداً، لذلك وضع الثقة فيه مباشرة بعد حادثة مقتل العقيد علي تونسي، بمكتبه في فبراير (شباط) 2009، وهو المدير العام للشرطة الذي يشهد له كثيرون بالفضل في توسيع صفوف الشرطة وخلق المئات من المراكز الأمنية (الجوارية) في فترة انتشار الإرهاب والجريمة في الأحياء المهمشة. بيد أن توطيد علاقة الجنرال هامل بالعائلة الرئاسية، كان يسير بالتوازي مع جفاف تام في العلاقة برئاسة الأركان في الجيش الجزائري، فقد ظل رئيس الأركان الحالي الفريق أحمد قايد صالح، ينظر بعين الريبة لمشاريع هامل داخل الشرطة. وباتت علاقة قيادة الشرطة والمؤسسة العسكرية، على قدر من التوتر لمّا قرر هامل خلق فرق أمنية خاصة تتبع الشرطة، إذ وضع لها إمكانات تدريب غير مسبوقة، وهو المشروع الذي ألغاه الجيش بمجرد إقالة الأخير، وكشف علاقته بعشرات ملفات الفساد (موجود في الحبس المؤقت).
من لهبيري وصولاً إلى خليفة
لأنها كانت في احتكاك مباشر مع المسيرات الشعبية بحكم الاختصاص، فقد ظلت الشرطة الجزائرية في خضم الحراك الشعبي في مرمى الأنظار، وبدأت المسيرات والعقيد مصطفى لهبيري مديراً عليها، لكنه سرعان ما أقيل في فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، على الرغم من الأداء "المشرّف" للشرطة في بدايات الحراك. لكن استقالة بوتفليقة، وضعت جهاز الشرطة تحت إمرة المجلس الأعلى للأمن مباشرة، أي تحت رقابة وزارة الدفاع الوطني، لذلك وجدت مصالح بوهدبة نفسها مضطرة للتعاطي مع الملف الأمني بشكل يتناسق وبقية المؤسسات الأمنية الرسمية. وتختص الشرطة بالأمن الحضري ومكافحة الشغب داخل المدن، بينما تختص قوات الدرك، ذراع المؤسسة العسكرية في المناطق المحيطة بالمجمعات السكنية، بالرقابة في محيط أوسع، فمثلاً تتولى قوات الدرك مراقبة مداخل العاصمة عشية المسيرات الشعبية، في حين يكون دور الشرطة مراقبة المسيرات من الداخل.
ويمكن اعتبار إقالة بوهدبة مطلع الأسبوع، تحميلاً للشرطة جزءاً من مسؤولية وقوع ضحايا في حفل المغني الجزائري "سولكينغ"، لكن الأمر لا يتوقف عند هذه النقطة، بوجود شكوك أن جهات ما حاولت تحريك الشارع مجدداً انطلاقاً من المأساة المسجلة في ذلك الحفل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أين فشل بوتفليقة؟
في العام 2013 بلغت رغبة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بالسيطرة الكاملة على جهاز الشرطة أوجها، وهو المتأثر منذ البدايات بتجارب أميركية وبتجربة تونس بالخصوص قبل سقوط نظام بن علي، حينها أنشأ لجنة أمنية جديدة أطلق عليها اسم "اللجنة المشتركة للأمن القومي" تشكلت من قطاعات عسكرية ومدنية، وعملت تحت الوصاية المباشرة للمجلس الأعلى للأمن على أن يرأسها الوزير الأول.
وراعى تشكيل تلك الهيئة إشكالية عدم اجتماع الرئيس بشكل دوري مع المجلس لأسباب صحية، لذلك شارك في اجتماعاتها مسؤولو قطاعات ذكرها مرسوم وهم نائب وزير الدفاع رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، ووزراء كل من الخارجية والداخلية والمالية.
مجلس أعلى للأمن
ولم تعمّر تلك الهيئة طويلاً، بما أنها حاولت وضع قيادة الأركان تحت سلطة الوزير الأول وليس رئيس الجمهورية، مع العلم أن دستور البلاد ينص في المادة 173 على "تأسيس مجلس أعلى للأمن يرأسه رئيس الجمهورية، مهمته تقديم الآراء إلى رئيس الجمهورية في كل القضايا المتعلقة بالأمن الوطني".
كما يوجد مرسوم رئاسي يحمل رقم 196 المؤرخ عام 1989 يتضمن تنظيم المجلس الأعلى للأمن وعمله، ويتكون من 13 مادة. الأولى تحدد أعضاءه والرابعة تفيد بأنه يعطي الرأي للرئيس في كل مسألة تتعلق بالأمن وتشمل ميادين النشاط الوطني أو الدولي، وتمنح مادة أخرى للرئيس وحده صلاحية استدعاء المجلس في أي وقت، كما ينص المرسوم على تعيين كاتب للهيئة بمرسوم رئاسي، وفي الغالب يكون ضابطاً سامياً من المؤسسة العسكرية، ملزماً بموجب المادة 11 من المرسوم بمتابعة تطور الأزمة وتقييم تداعياتها على الأمن.