Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

آن وترمب وغزة

مأساة القطاع كشفت عن فجوة هائلة بين الملايين من شعوب الغرب ومؤسساته السياسية والأكاديمية ووسائل إعلامه التقليدية

صورة اليهودية آن فرانك وهي تلبس الكوفية الفلسطينية اجتاحت مدن أوروبا (مواقع التواصل)

ملخص

تلعب الصهيونية الدعائية بورقة معاداة السامية لكل من ينتقد إسرائيل، لكن بدأ تيار يتشكل بقوة بين أوساط المجتمعات اليهودية نفسها يعادي الصهيونية ويتبرأ من جرائمها.

آن فرانك طفلة يهودية تعرضت وأسرتها للاضطهاد على يد النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، فهربت من ألمانيا إلى هولندا حيث اختبأت العائلة وآخرون في "علية" بيت ملحقة به في أعلى الغرف، وبقيت هناك عامين إلى أن علمت الاستخبارات النازية بمكان العائلة، فأخذتها إلى معسكرات الاعتقال المرعبة حيث ماتت من المرض والبرد والجوع وهي في سن الـ14.

وأثناء وجودها في المخبأ، كتبت يومياتها التي تم العثور عليها لاحقاً ونشرت وترجمت إلى أكثر من 70 لغة ومثلت فيلماً سينمائياً بعنوان "الملحق السري THE SECRET ANNEX"، الشاهد أن آن فرانك أصبحت رمزاً ضمن رموز كثر لضحايا معسكرات الاعتقال النازية الشهيرة ولـ"هولوكوست" اليهود.

تجتاح أوروبا منذ العدوان الإسرائيلي على غزة تظاهرات ومسيرات واعتصامات تضامن مع الشعب الفلسطيني الأعزل الذي يتعرض لحرب إبادة وجرائم حرب لا تتوقف، فحتى كتابة هذه المقالة، حصد القصف العشوائي الوحشي الإسرائيلي أكثر من 8 آلاف قتيل وأكثر من 20 ألف جريح معظمهم من الأطفال والنساء، وتعرضت المستشفيات والمدارس ودور العبادة وحتى مباني المنظمات الدولية للقصف المتعمد مع نزوح أكثر من مليون شخص من بيوتهم من دون ذنب اقترفوه.

هذه المشاهد المروعة التي تنقل على الهواء مباشرة، حركت ضمائر ملايين البشر حول العالم، فالمعلومة لم تعد حكراً كما في الماضي على وسائل إعلام محددة واسعة الانتشار تقوم باحتكار الخبر وصياغته كيفما تشاء، فتسمي جرائم الحرب الإسرائيلية "دفاعاً عن النفس"، وتركز على قتلى عملية "طوفان القدس" من الإسرائيليين وغيرهم، متجاهلة، إلى حد كبير، المأساة التي يعيشها المدنيون العزل في غزة وحتى بالضفة الغربية المحتلة.

حملت لافتات لتظاهرات انطلقت في البداية من مدينة ميلانو الإيطالية ثم اجتاحت بقية مدن أوروبا صورة آن فرانك وهي تلبس الكوفية الفلسطينية، فجن جنون أرباب الدعاية الصهيونية، فتصوير هذا الرمز اليهودي المحفور في أذهان الغرب ومقارنته بما يجري لأطفال غزة ضربة دعائية لم يحسب حسابها، فـ"الهولوكوست" احتكار لهم، وهو لطميتهم الدائمة وكربلائيتهم التي يجب ألا تغيب عن عيون العالم، ولا تقارن بها أية جريمة ضد البشرية، خصوصاً تلك الجرائم التي ترتكبها إسرائيل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 كانت كبريات الصحف والإذاعات والتلفزيونات الغربية مثل "سي أن أن" و"بي بي سي" و"نيويورك تايمز" و"لو فيغارو" و"دير شبيغل" و"تايمز" و"رويترز" و"أسوشيتد بريس" وغيرها، المصدر شبه الوحيد الذي ينقل أحداث العالم، لذا يحتكر الخبر والمعلومة، لكن الثورة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي قلبت الطاولة على الوسائل الإعلامية التقليدية.

كان الإعلام الجديد ملجأ للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في حملته الانتخابية، فمن كان يصدق أن "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" و"سي بي سي" و"أن بي سي" وغيرها من الوسائل التقليدية الإعلامية تؤيد هيلاري كلينتون كمرشحة للرئاسة عام 2016، لكن دونالد ترمب يفوز عليها؟

كانت معارضة أي مرشح من قبل وسائل الإعلام الرئيسة هذه تعني انعدام فرصته بالنجاح حتى لو ترشح عمدة لقرية أميركية بولاية بالوسط الأميركي. أما اليوم، فانقلب السحر على الساحر، وصارت وسائل الإعلام هذه التي تسيطر عليها في الغالب القوى الصهيونية المؤيدة للعدوان والاحتلال الإسرائيلي، محط انتقاد وهجوم وسخرية وتكذيب من قبل المؤثرين في وسائل الإعلام الجديد، مما حدا بأكثر من وسيلة إعلام منها إلى تقديم الاعتذار لجمهورها ومتابعيها على ما نقلته "خطأ" حول قطع رؤوس الأطفال اليهود في عملية "طوفان الأقصى" على سبيل المثال.

تتشكل فجوة اليوم في العالم الغربي، خصوصاً بين المؤسسات السياسية والإعلامية التي تسيطر عليها الصهيونية النشطة، وتظهر هذه الفجوة بوضوح في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية العريقة والشهيرة التي غالباً ما تكون وسائطها تحت تأثير اللوبي الصهيوني في الدول الغربية.

تظاهرات واعتصامات واحتجاجات على رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو ومقاطعات لجلسة استماع في الكونغرس لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ومسيرات تجتاح عواصم عالمية مستنكرة المذبحة ومنددة بالسياسات المؤيدة لها.

ويتمرد طلبة القانون الدولي على أساتذتهم المؤيدين "لحق إسرائيل بالدفاع عن نفسها" ويتظاهرون ويعتصمون مرددين "الحرية لفلسطين FREE PALESTINE" بعدما حاولت قوى صهيونية مؤيدة لإسرائيل بانحياز أن تحرم الجامعات التي تسمح بانتقاد إسرائيل من الدعم الحكومي الفيدرالي، تخيل أنه يمكنك أن تنتقد سياسة الولايات المتحدة الأميركية داخل أراضيها، ويريدون منعك من انتقاد إسرائيل لأنك ستكون عندها معادياً للسامية!

وتلعب الصهيونية الدعائية بورقة معاداة السامية  ANTISEMITISM لكل من ينتقد إسرائيل وجرائمها ضد الإنسانية، لكن بدأ تيار يتشكل بقوة بين أوساط المجتمعات اليهودية نفسها، تعادي الصهيونية وتتبرأ من جرائمها وممارساتها باسم اليهود والدولة اليهودية.

إنه تيار "اليهود ضد الصهيونية" الذي وشمته الصهيونية "باليهود المعادين لأنفسهم" SELF-HATING JEWS  ويعد هذا التيار واحداً من أهم الأوراق الإعلامية للكشف عن حقيقة وعنصرية الحركة الصهيونية إن أحسن استخدامها، وربما يكون جسر تعايش وسلام مستقبلي بين العرب واليهود المعادين للصهيونية.

الخلاصة أن مأساة غزة والجرائم التي ترتكب ضد أطفالها ونسائها وعزلها منذ شهر تقريباً، حركت ضمائر البشر في كل مكان، وكشفت عن فجوة هائلة بين الملايين من شعوب الغرب ومؤسساته السياسية والأكاديمية ووسائل إعلامه التقليدية، وأن استثمار هذه الفجوة كسلاح قوة ناعمة يحتاج إلى متابعة وتفكير وحنكة، والخوف كل الخوف أن يرتكب بعض من بيننا باسمنا أو باسم ديننا حماقة مرعبة قد تشتت الأنظار والجهود التي تتشكل باستنكار عالمي للمذبحة وصحوة ضمير إنسانية واعية ستجبر حتماً سياسيي الغرب على بعض التغيير في سياساتهم وانحيازهم المطلق.

المزيد من آراء