ملخص
يرى مراقبون تونسيون أن اختيار الوريمي للأمانة العامة يعكس محاولة من "النهضة" لتقديم صورة جديدة عن نفسها
عين مجلس شورى "حركة النهضة" الإسلامية، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في تونس، العجمي الوريمي، القيادي في صفوف الحركة الذي سجن في السابق وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، أميناً عاماً في خطوة مثيرة في توقيتها ودلالاتها، لاسيما أنها تأتي في ذروة توقيفات تطاول قيادات الحزب البارزة.
ومنصب الأمين العام داخل "حركة النهضة" شاغر منذ عام 2019 عندما استقال القيادي السابق زياد العذاري، بسبب ما وصفه بالخيارات الخاطئة التي أقرتها الحركة في التعامل مع الأزمة السياسية التي عرفتها البلاد، متهماً قيادتها بـ"السير بتونس في سكة محفوفة بالأخطار لا ترتقي إلى تطلعات التونسيين".
واللافت أن "النهضة" أشارت إلى أن تزكية الوريمي لتولي منصب الأمانة العامة جاءت خلال الدورة 72 لمجلس الشورى الذي خصص للمصادقة على لائحة في شأن صلاحيات الأمين العام، لكنها لم تفصح عن الصلاحيات التي سيتمتع بها.
محاولة لترميم البيت الداخلي
الوريمي، الذي يبلغ من العمر 61 سنة، عرف بمسار طويل من النشاط السياسي، إذ انخرط باكراً في الفصيل الطلابي التابع للإسلاميين في عام 1981، قبل أن ينضم في عام 1991 إلى حركة "النهضة" التي كانت تخوض معركة آنذاك "كسر عظم" مع الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
واعتقل الوريمي في مارس (آذار) 1991 قبل أن يحكم عليه في يوليو (تموز) 1992 من القضاء العسكري بالسجن مدى الحياة، وعاد الرجل بعد احتجاجات عام 2011 التي وضعت حداً لحكم الرئيس بن علي، ليشغل منصب نائب رئيس "النهضة" ومقعداً في البرلمان حتى عام 2019.
ويرى مراقبون تونسيون أن اختيار الوريمي للأمانة العامة يعكس محاولة من "النهضة" لتقديم صورة جديدة عن نفسها، خصوصاً أنه سوق له في السابق على أنه رجل هادئ ضمن الحركة الزاخرة بالقياديين المثيرين للجدل بمواقفهم في شأن ملفات حساسة في الشارع التونسي.
واعتبر الباحث السياسي الجمعي القاسمي أن "ما أعلنته حركة النهضة الخميس لا يعدو كونه رسائل إلى الساحة السياسية التونسية وأيضاً إلى التنظيم العالمي للإخوان المسلمين مفادها بأن الحركة لا تزال بخير ولديها مؤسسات تعمل، وبالتالي في ظل الشغور الحاصل في القيادة مع سجن الرئيس والرئيس بالوكالة أخذوا قراراً نحو نقطة تنظيمية أخرى وهي الأمين العام".
وأردف القاسمي أن "تزكية العجمي الوريمي تبعث رسالة سياسية إلى داخل النهضة مفادها بأن الوريمي فيلسوف ورجل هادئ، لكن هذه خدعة لا تنطلي على أي كان، سواء داخل النهضة أم خارجها، فهي محاولة لترميم البيت الداخلي للنهضة في سياق حال الانهيار التراكمي على المستوى التنظيمي لهذه الحركة التي فقدت السيطرة على ما كانت تتغنى به بالأمس القريب".
وشدد على أن "النهضة اقتربت من نهايتها ومن غير المستبعد أن نرى مزيداً من الانشقاقات في المرحلة المقبلة بدل توحيد الصف الداخلي لاسيما أن الحديث عن المؤتمر انتهى، وهي الآن تحاول أن تحافظ على هيكل عظمي خارجي لا أكثر ولا أقل".
وشهدت "النهضة" في الأشهر الماضية مزيداً من الاستقالات في تطورات تعكس وفق مراقبين عجزاً عن احتواء الأزمة الناجمة عن التأجيل المتكرر للمؤتمر الـ11 الذي كان سينتخب قيادة جديدة تخلف الغنوشي الذي أوقف منذ السابع من أبريل (نيسان) الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هدف صعب المنال
وتواجه "النهضة" معادلة صعبة، إذ على رغم ما حققته من نجاحات في استحقاقات سياسية شهدتها البلاد بعد احتجاجات عام 2011 مكنتها من السيطرة على خيوط اللعبة السياسية طوال هذه الفترة، إلا أن نفوذها انهار بشكل كامل مع إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد عن حل البرلمان والحكومة المدعومين منها في عام 2021، لكن الضربات الموجعة تلقتها الحركة من بيتها الداخلي عندما هزتها انقسامات كبيرة بعد استقالة 113 عضواً، هم قياديين بارزين شغلوا مناصب وزارية ونواب سابقين، في سبتمبر (أيلول) 2021 احتجاجاً على سياسات زعيمها راشد الغنوشي.
وحاولت "النهضة" إثر ذلك احتواء الموقف، لكن الأمر ازداد صعوبة مع تأسيس أحزاب انبثقت عنها مثل حزب "العمل والإنجاز" لرئيسه عبداللطيف المكي، الذي سبق وتولى مناصب وزارية وكان يقود الشق الغاضب من سياسات الغنوشي داخل الحركة.
لذلك يختبر تعيين الوريمي مدى قدرة الرجل ذي الملامح الهادئة الذي نادراً ما يطلق تصريحات أو مواقف جدلية على توحيد "البيت النهضوي" لاسيما أن الحزب يمر بواحدة من أسوأ أزماته منذ تأسيسه.
وقال الباحث السياسي التونسي نزار الجليدي إن "شقوق النهضة وانقساماتها لا يمكن ترميمها بهذه السهولة، لأن العجمي الوريمي مغضوب عليه من طرف قيادات نهضوية على اعتبار أنه كان دائماً يحاول تلميع الحركة على رغم أخطائها لذلك لا يمكنه ترميم كل الشقوق داخل إخوان تونس".
وأوضح الجليدي أنه "لطالما لعب الوريمي زمن النهضة في السر والعلن دور تلميع وتبييض صورة الحركة، لكنه لا يزال يستعمل أدبيات قديمة، لذلك اختياره هذه المرة هو اختيار للمحرقة لكن بدور جديد، وهو إظهار الحركة بوجه جديد، لكن لم يعد لها أي خزان شعبي يمكن أن تستعيده لأنها جربت ولم تنفع التونسيين الذين لا يبالون اليوم بالسياسة، لذلك لا يمكن أن يكون الوريمي المحرك الحقيقي والأمثل لإنقاذ الحركة من الخسائر التي تواجهها".
وفي ظل الجمود المخيم على المشهد السياسي في تونس، فإن التحديات التي سيواجهها الوريمي لن تقتصر بالفعل على توحيد صفوف النهضويين المشتتين، بل أيضاً محاولة استعادة الحركة لتوازنها وحلفائها على غرار جبهة "الخلاص الوطني" التي خفتت تحركاتها في الشارع في الآونة الأخيرة شأنها شأن بقية أطياف المعارضة.