Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مرضى السجون في لبنان ممنوعون من الموت بكرامة

الرعاية التلطيفية حق لكل إنسان وإجراءات إخلاء السبيل تأتي دائماً متأخرة

 في سجن رومية الأكبر في لبنان مركز طبي واحد لنحو 3500 سجين (اندبندنت عربية)

ملخص

المطالبة بالرعاية التلطيفية للمرضى والمسنين في سجون لبنان حلم بعيد المنال. في الأقل يمكن تسريع إجراءات إخلاء السبيل وفق القانون ليموت المريض بكرامة.

تهدف الرعاية التلطيفية إلى تقديم عناية متخصصة للتخفيف من الألم ومن حدة الأعراض لدى المصابين بأمراض خطرة أو مستعصية. صحيح أن المفهوم موجود في مجال الصحة على مستوى العالم من ستينيات القرن الماضي، إنما في السنوات الأخيرة زاد الوعي حول أهمية الرعاية التلطيفية لمن يعاني مرضاً مستعصياً ليتابع حياته بكرامة ويغادرها بسلام بحد أدنى من الألم والمعاناة. يبدو هذا المفهوم في طور النشوء في لبنان، وزاد الوعي في هذا المجال أخيراً. فكيف لسجين لا يتلقى الرعاية الطبية التي يحتاج إليها أن يحلم بتوفير الرعاية التلطيفية له ليموت بكرامة؟ للمسنين والمصابين بأمراض مستعصية قصص مؤلمة وراء القضبان في لبنان.

مرضى سرطان من دون علاج

يشهد يوسف الذي أمضى 30 عاماً في سجن رومية (السجن المركزي في لبنان) قبل إخلاء سبيله بسبب حسن السلوك، أنه صادف حالات عدة غلب عليها الظلم لمرضى كانوا مصابين بالسرطان وفارقوا الحياة داخل جدران السجن. أحدهم كان في حال موت بطيء، ونظراً إلى طول المدة التي تتطلبها إجراءات خروجه كما ينص القانون، توفي في اليوم نفسه الذي وقع رئيس الجمهورية آنذاك، قرار إخلاء سبيله. القانون ينص، بعد إدخال التعديلات عليه عام 2002، أن من يعانون أمراضاً ميؤوساً منها يمكن أن يعفوا من العقاب إذا تثبتت اللجنة من إصابة السجين بالعمى أو الفالج أو بأي مرض ميؤوس من شفائه، كما يعفى من العقاب من يعانون مرضاً خطراً يهدد حياتهم أو حياة الآخرين من السجناء أو أصبحوا مقعدين غير قادرين على خدمة أنفسهم أو القيام بعمل ما. ويشترط أيضاً التثبت أن إطلاق سراح المحكومين من هذه الفئة لا يشكل خطراً على غيرهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يذكر قاضي التحقيق في بعلبك الذي ترأس لجنة تخفيض العقوبات سابقاً حمزة شرف الدين في حديثه مع "اندبندنت عربية" حالات سرطان كبد لمرضى لم تكن حالاتهم الصحية تسمح بإبقائهم في السجن، إلا أن طول عملية الموافقة على إخلاء السبيل التي قد تمتد لأشهر تحول غالباً من إنجازها بنجاح. لذلك، يوضح شرف الدين أنه غالباً ما يكون هناك كسل في متابعة المسألة حتى النهاية. "في معظم الأحيان كانت الأمور تنتهي بوفاة السجين المريض خلف القضبان قبل صدور قرار إخلاء السبيل، خصوصاً أنها عملية دقيقة وتتطلب الإجراءات وقتاً طويلاً. وفي حالات قليلة من الممكن الحصول على قرار بخفض العقوبة لسجناء تخطوا الـ80 لأن حالاتهم لم تكن تسمح بإبقائهم داخل السجن. أتذكر مريض سرطان بلغ عمر 86 سنة، واستطعنا خفض حكم السجن المؤبد، ليمضي آخر أيامه خارج القضبان. أما اليوم، فثمة حالات سرطان عديدة لسجناء لا يتلقون حتى الرعاية الطبية التي يحتاجون إليها".

أدوية مفقودة والرعاية الطبية حلم

لم تكن الرعاية الطبية مؤمنة للسجناء بالمستويات المطلوبة قبل الأزمة، وأصبح الوضع مأسوياً بعدها. فعلى السجين الذي يحتاج إلى العلاج تأمين كلفته بنفسه للدخول إلى المستشفى. وغالباً ما يعجز الأهل عن تأمين المبالغ الكبرى المطلوبة بالدولار النقدي. وبشكل عام، الرعاية الصحية في السجون اللبنانية شبه معدومة، كما لا تتوافر الأدوية ولا الجسم الطبي. ويصعب على السجناء المصابين بأمراض مستعصية توفير كلف علاجاتهم، ومنهم من يموت جراء ذلك. وبحسب شرف الدين "هذا ما يبرر حالات التمرد في سجن رومية أخيراً لعدم توافر الأدوية ولا المحروقات ولا أبسط حقوق السجناء التي تضمنها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. ففي داخل السجن إذا احتاج المريض إلى رعاية طبية وهو في حالة حرجة قد يهمل ويترك لقدره".

في سجن رومية مثلاً مركز طبي واحد لأكثر من 3500 سجين. وما من جهاز متخصص في وزارة العدل أو وزارة الداخلية لمتابعة الأشخاص المصابين بأمراض مستعصية أو للأوضاع الصحية الخاصة. يفترض متابعتهم وإصدار تقارير دورية عنهم، قبل الحديث عن الرعاية التلطيفية. النص القانوني يؤكد أن يزور القاضي الجزائي السجون مرة في الشهر لتتبع الحالات الصعبة والإنسانية، لكن ذلك لا يطبق أبداً، ولا يعرف القضاة ما يحصل داخل السجون.

الرعاية التلطيفية حق لكل إنسان

توضح طبيبة الألم والعناية التلطيفية، المديرة الطبية لفريق العناية التلطيفية في جمعية "بلسم" وفي المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت رنا يموت أن الهدف من العناية التلطيفية توفير خدمة تساعد على تحسين نوعية حياة المريض من خلال فريق متكامل يحرص على العلاج النفسي والروحي والجسدي، وذلك عبر الحد من أعراض المرض والأوجاع، إذ يحق للمصاب بأحد الأمراض المستعصية مثل مرض ألزهايمر أو السرطان أو الضعف في عضلة القلب، أو المسن أن يموت بكرامة. وتشدد يموت على أن الرعاية التلطيفية لا تدعو إلى وقف العلاج. وأظهرت دراسة في جامعة "هارفرد" أن مرضى سرطان الرئة الذين تلقوا علاجاً مع رعاية تلطيفية تجاوبوا بنسبة أكبر مع العلاج.

"بالنسبة إلى الرعاية التلطيفية في السجون لا يمكن إلا أن نطالب بتوفيرها للكل. هي حق من حقوق كل إنسان ليعيش ويموت بكرامة، أياً كانت الظروف. لذلك تقدمنا باقتراح لتدريب من يقدمون الرعاية في السجون والأطباء. حتى السجناء أنفسهم يمكن أن يتعاونوا ويشاركوا في تقديم خدمة الرعاية التلطيفية للسجناء الذين لا يسمح القضاء بإخلاء سبيلهم. علماً أن للمحيط دوراً في غاية الأهمية حتى يموت المريض بكرامة في السجن، ولو كان بعيداً من أهله".

مما لا شك فيه أن توفير الرعاية التلطيفية في السجون خطوة تواجه عوائق وتحديات، ولا يزال الطريق طويلاً قبل أن تتوافر بطريقة عادلة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير