ترك الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطابه الأخير هامشاً بسيطاً للتحرك للدولة اللبنانية حصره في الجانب الدبلوماسي. أما على الأرض، فلم تتسلم الدولة اللبنانية وأجهزتها المعنية بقايا الطائرة الإسرائيلية المسيرة المضبوطة لتتمكن من إجراء التحقيقات اللازمة تمهيداً للشكوى التي تستعد مندوبة لبنان لدى الأمم المتحدة السفيرة أمل مدللي لرفعها ضد إسرائيل في مجلس الأمن لخرقها القرار الدولي رقم 1701.
ولجأت الدولة اللبنانية إلى الطرق الدبلوماسية فيما بدا أن قرار التهدئة أو عدمه ليس في يدها بل بيد نصر الله، الذي بدأ يستعد للرد العسكري، وفق ما هدد في خطابه معلناً للمرة الأولى أن الرد لن يكون في مزارع شبعا بل في لبنان، فما المقصد من هذا الكلام ولماذا في لبنان وليس من لبنان؟
قول مقصود
بحسب العميد المتقاعد خليل حلو، "تقصّد نصر الله القول إن الرد لن يكون في مزارع شبعا لأن المزارع غير مشمولة بالقرار 1701، وهي تُعتبَر في مجلس الأمن أراضٍ سورية. وسبق لحزب الله أن نفّذ عملية ضد إسرائيل في مزارع شبعا رداً على اغتيال جهاد مغنية في الجنوب السوري، ولم تستجلب رداً إسرائيلياً حينها. نصر الله تعمّد عدم الوضوح في تهديداته، وتعمد ترك الأمور مبهمة، لارتباط التوقيت والمكان بإيران لا بلبنان".
وتابع حلو "أن (نصر الله قال إن الرد سيكون في لبنان) وفي ذلك تفسيرين: إما أن يكون الرد على الإسرائيلي إذا دخل إلى لبنان ويكون ذلك دفاعاً عن النفس ولا علاقة للقرار 1701 به، وإما أن يكون الرد في لبنان بأسلحة لبنانية إلى الداخل الإسرائيلي ويكون في ذلك ردا على خرق إسرائيل لـ 1701 بخرق مماثل. وفي الحالتين هو خرق لقرار الدولة اللبنانية التي يجب أن يكون في يدها وحدها، قرار الحرب والسلم".
وشدد العميد حلو على "مبدأ تسلم الدولة اللبنانية قرار الحرب والسلم استناداً إلى القوانين والقرارات الدولية واستناداً إلى كل الأعراف الدولية، لكن سخرية القدر شاءت أن تكون الدولة اللبنانية اليوم خاضعة لسيطرة حزب الله".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خرق القرار 1701
من جهة أخرى، لا يشجع العميد حلو السكوت على العدوان الإسرائيلي الأخير، "لا سيما أنه شكّل للمرة الأولى خرقاً فاضحاً للقرار 1701 بمضمونه الذي نصّ على وقف الاشتباك"، لكن الرد وفق رأيه، "يجب أن يكون بالطرق الدبلوماسية ومن خلال تجنيد الرأي العام الدولي لمنع حصول تصعيد شبيه بحرب يوليو (تموز) 2006. فموازين القوى مع إسرائيل غير متكافئة، فلا الجيش اللبناني قادر ولا حتى حزب الله"، معتبراً أن "العنتريات لا تفيد، بل المطلوب تحكيم العقل والهدوء للخروج بأقل أضرار ممكنة من العاصفة الآتية، هذا فضلاً عن أن علاقاتنا الدبلوماسية تراجعت عما كانت عليه عام 2006، ووضعنا الدبلوماسي مع الدول الكبرى ليس جيداً".
الوساطة الأميركية
وكشفت مصادر دبلوماسية لـ"اندبندنت عربية" أن الوسيط الأميركي دايفيد ساترفيلد حمل إلى لبنان خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت قبل توليه سفارة بلاده في تركيا وثائق وخرائط من تل أبيب إلى المسؤولين في لبنان لـ 7 مراكز ينشر فيها حزب الله صواريخه طالباً إزالتها، مقابل تسهيل مهمة الوسيط الأميركي في ترسيم الحدود البحرية مع لبنان. وتولى وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، وفق معلومات، رفع طلب إزالة مركز واحد من السبعة، وعرض الأمر على نصر الله فرفض. وحرّك رئيس الحكومة سعد الحريري خلال زيارته إلى واشنطن الملف مجدداً متعهداً الالتزام جدياً بالقرار 1701 والانتقال إلى البند المتعلق بوقف النار، تحضيراً لزيارة الوسيط الأميركي الجديد الذي سيزور لبنان مطلع سبتمبر (أيلول) المقبل لتحريك ملف ترسيم الحدود مع اسرائيل مجدداً.
ما حصل في الضاحية قد يغلق الطريق على المفاوضات، وعلى التنقيب عن النفط حاليا،ً أو قد يصب في خانة تحسين شروط التفاوض. في الحالتين الحرب الشاملة مستبعدة، وسقوط الطائرتين المسيرة في الضاحية الجنوبية من بيروت وقرب مركز إعلام حزب الله ليس صدفة، وقد يتطور إلى ضربات محدودة يتخوف كثيرون أن تتحول إلى حرب شاملة لا يريدها أحد.