ملخص
تحشيد متبادل لطرفي الحرب في اليمن هل ينذر بعودة اشتعال آلة القتال مجدداً ؟
عادت مؤشرات العودة للحرب تطل بقرونها في اليمن مجدداً مترجمة حال الانسداد السياسي في قنوات التفاهم التي شهدت خلال الأشهر الماضية جهوداً إقليمية ودولية مكثفة بغية التوصل لتهدئة دائمة تكتب المقدمة لنهاية الصراع.
وعقب يومين من حديث رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، الذي حمل خيبة أمل من عدم التوصل لسلام مستدام وبقاء البلد تستنزفها حال اللا حرب واللا سلم، باشرت قوات الجيش التابعة لحكومته استعداداتها العسكرية التي تقابلها حشود حوثية على خطوط التماس ما ينذر بعودة اشتعال ألسنة نار الحرب وتلاشي آمال التهدئة التي شهدتها على مدى العام الجاري.
وأطلع العليمي خلال رئاسته لاجتماع مجلس الوزراء في العاصمة المؤقتة عدن، الثلاثاء الماضي، رئيس وأعضاء الحكومة على "المستجدات المتعلقة بجهود الأشقاء في السعودية وسلطنة عمان من أجل تجديد الهدنة وإطلاق عملية سياسية شاملة تضمن إنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية، واستعادة مؤسسات الدولة، بموجب المرجعيات المتفق عليها وطنياً وإقليمياً ودولياً".
واستبعد حتى اللحظة التوصل لصيغة سلام وذلك نظراً لـ "استمرار ميليشيات الحوثي بانتهاكاتها العسكرية والحقوقية والتنصل من كافة التزامات التهدئة، وتغليب مصالح قادتها وداعميها (في إشارة لإيران) على مصالح الشعب اليمني".
إيران مستمرة
وترجمة لحال الانسداد هذه، جاءت تحركات قادة الجيش اليمني في عدد من جبهات القتال، قابلته الجماعة الحوثية بإرسال مزيد من عناصرها وعتادها إلى الضالع وتعز (جنوب غرب) وحجة والحديدة (شمال غرب) ومأرب (شرق)، وفقاً لاتهامات حكومية، مترافقة مع قيامهم بعدد من المناورات العسكرية في محافظات ذمار والبيضاء وصنعاء (شمال)، يوم الأحد الماضي بالتزامن مع ما تضيفه الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة من توتر في المنطقة.
وفي وقت يحشد فيه وزير الدفاع في الحكومة الشرعية، محسن الداعري، معنويات مقاتليه في المنطقة العسكرية السابعة التي يختص مسرح عملياتها القتالي بمناطق صنعاء وذمار (شمال)، نفذت قوات أخرى للجيش يوم أمس عملية انتشار عسكري جديد تضمن الدفع بمزيد من المقاتلين على تخوم محافظة مأرب الاستراتيجية.
وبالحديث إلى جنوده، قال الداعري، إن مقاتلي المنطقة السابعة هم "رأس حربة القوات المسلحة"، متطرقاً إلى "ما تقوم به مليشيات الحوثي الإيرانية من تحشيد لمقاتليها وتنفيذ عمليات عدائية في مختلف الجبهات"، وحذرهم من الجماعة المدعومة من إيران كونها "دأبت على نقض الاتفاقيات والعهود لتثبت في كل مرة أن عدوها الوحيد هو الشعب اليمني".
وخلال لقاء جمعه الخميس الماضي بالسفيرة الفرنسية لدى اليمن، كشف الوزير الداعري عن "استمرار النظام الإيراني بتهريب الأسلحة إلى المليشيات الحوثية لاستخدامها في زيادة التوتر وإقلاق سكينة المنطقة وتهديد الملاحة الدولية".
ونتيجة لبقاء هذا الدعم لفت إلى "رفض المليشيات الانصياع للسلام العادل الذي يحقق تطلعات الشعب اليمني، زاعمة حقها الإلهي بالسلطة والثروة، وهذا ما لم ولن يقبل به اليمنيون الأحرار على امتداد الوطن".
وخلال زيارة قام بها الأسبوع الماضي للوحدات العسكرية في جبهات مران ورازح بمحافظة صعدة، معقل الجماعة الحوثية ومركز انتشارها التاريخي (شمال)، توعد رئيس هيئة أركان الجيش، صغير بن عزيز، بـ "التصدي لتنظيم جماعة الحوثي الارهابية ومشروعها الإيراني الذي يسعى خائباً إلى زعزعة أمن واستقرار اليمن وتهديد أمن دول الجوار والعبث بالأمن القومي الاقليمي والعالمي في المنطقة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأمس نفذت قوات الجيش بمحافظة مأرب، مسيرة عسكرية لمسافة 70 كم، شاركت فيها سرايا من خريجي الدورة الأولى لقوات الصاعقة.
وبحسب موقع وزارة الدفاع يهدف المسير العسكري، إلى منح الجنود "مهارات التحمل على المشاق وتحدي الصعاب والتغلب عليها".
غزة للتكسب الداخلي
ومع تزايد الضغوط الدولية لدفع عملية السلام الذي عززت من آماله الجهود السعودية والعمانية وعودة العلاقات السعودية الإيرانية بوساطة الصين في 10 مارس (آذار) الماضي، تواصل الجماعة الحوثية في المقابل تصعيد تحركاتها ولغتها الرافضة لدعوات السلام المستدام.
وهدد زعيم الميليشيات عبد الملك الحوثي الشهر الماضي بعودة القتال، زاعماً أن السلطة الشرعية والتحالف الداعم لها يسعيان إلى كسب الوقت، بعد أن أعطت ميليشياته مساحة لجهود سلطنة عمان.
وإزاء حالة التحشيد العسكري المتبادل حذر المبعوث الأممي في أغسطس (آب) من التحشيد العسكري الأخير لميليشيات الحوثي، وقال إنه "على رغم الانخفاض الملموس في القتال منذ بداية الهدنة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، إلا أن الجبهات لم تصمت بعد إذ وقعت اشتباكات مسلحة في الضالع وتعز والحديدة ومأرب وشبوة".
ودعا الأطراف إلى وقف الاستفزازات العسكرية والانخراط في اتفاق شامل لوقف إطلاق النار على الصعيد الوطني ومفاوضات سلام تقودها الأمم المتحدة لإنهاء الصراع في اليمن.
يأتي هذا على وقع الأحداث الفلسطينية الدامية وحديث الحوثيين عن إطلاق صواريخ إلى إسرائيل "نصرة للقدس" انتهى المطاف بجميعها في عرض البحر.
ووفقاً لمراقبين فإن استمرار مليشيات الحوثي في استغلال الأحداث الفلسطينية هدفه التحشيد الداخلي للمعركة المقبلة، ما يعني أن الملف اليمني ما زال مرشحاً لمزيد من التصعيد خلال الفترة المقبلة.
إذ يحاول الحوثيون في الوقت الحالي "صنع تأثير" في إسرائيل، على رغم المسافة الطويلة التي تفصل اليمن عن فلسطين، حسبما يقول نصر الدين عامر رئيس مجلس إدارة وكالة الأنباء اليمنية "سبأ"، ونائب رئيس "الهيئة الإعلامية لأنصار الله".
وعقب نفي طهران المتكرر عن دعمها للحوثيين، ذكر الناطق باسم قواتها، أبو الفضل شكارجي، في سبتمبر (أيلول) 2020 أنهم "وضعوا تقنيات إنتاج الصواريخ والطائرات المسيرة تحت تصرف اليمن"، في إشارة إلى جماعة الحوثي.
وقال شكارجي حينها "نحن لا نرسل الصواريخ إلى اليمن، لكنهم باتوا يصنعونها بأنفسهم ليطلقوها على أعدائهم"، مضيفاً أن اليمنيين يمتلكون خبراء تمكنوا من صناعة طائرات مسيرة "متطورة" في زمن قياسي.
ورفعت الميليشيات الحوثية شروطها ومطالبها للقبول بالانخراط في مفاوضات السلام إلى سقف غير مسبوق، حيث حددت القبول بها وبالنفوذ الذي حققته محدداً للموافقة على بدء مفاوضات السلام.
غليان شعبي
ومع بوادر عودة اشتعال آلة الحرب على امتداد نحو 50 جبهة قتال، تتزايد مخاوف الشارع اليمني مصحوبة بحالة من الغليان الشعبي جراء الانهيار المتلاحق للعملة المحلية وموجة الغلاء المتزايدة، التي تقابل برفض حوثي مستمر لصرف رواتب الموظفين العموميين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وهي مؤشرات قد تدفع لموجات عنف مقبلة ضد المليشيات.
وسبق أن طالبت الحكومة الشرعية بإلزام ميليشيات الحوثي بنود الهدنة وفتح الحصار عن تعز التي تضم أكبر تجمع سكاني في اليمن وتسليم رواتب الموظفين في مناطق سيطرتها من عائدات النفط، كما دعت المجتمع الدولي إلى الضغط على الميليشيات وداعميها لوقف إطالة أمد الحرب وما نتج بسببها من زيادة معاناة المواطنين وتهديد استقرار دول الجوار والمنطقة وممرات الملاحة البحرية.