Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محافظ "المركزي التونسي" يحذر من التعثر ما لم تشرع بلاده في الإصلاحات

العباسي اشترط الإسراع في هذه العملية لدفع الاستثمار وسط مخاوف من خفض التصنيف السيادي

دعا إلى وجوب إجراء تغيير جذري في المنظومة الإدارية التونسية "المقيتة" والمعيقة للاستثمار في تونس (رويترز)

ملخص

بيانات البنك المركزي تتوقع بلوغ التضخم 9.4 في المئة بنهاية 2023 

حذر محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي من أن يواصل اقتصاد البلاد التعثر والسقوط في عديد من الإشكالات التي قد تزيد من تعقيد أوضاعه منبهاً من إمكانية مراجعة تصنيف تونس من طرف وكالات التصنيف الائتماني إلى مستويات خطيرة جداً.

واعتبر في لقاء جمعه منذ أيام قليلة وعدداً من نواب البرلمان، أن خلاص تونس وخروجها من كم الإشكالات والصعوبات الاقتصادية، يمر حتماً عبر اتخاذ إصلاحات جريئة وقوية بخاصة عاجلة، ولم تعد تتأخر أكثر من اللزوم.

ولخص مروان العباسي الذي يشرف على "بنك البنوك" لمدة تقارب الست سنوات، الإصلاحات العاجلة في ضرورة إسراع أعضاء البرلمان بالمصادقة على مشاريع القوانين التي ستتم إحالتها من طرف الحكومة وتخص أساساً قوانين الصرف والاندماج المالي والاستثمار، التي شدد على أنها ستغير بشكل جذري واقع الاستثمار.

وأكد أن مشروع قانون الصرف الجديد الذي تم الانتهاء منه يعد قانوناً جذرياً في حصول تغيير جوهري في المعاملات المالية في البلاد بخاصة بالنسبة إلى الشركات الناشئة.

ولفت إلى أن مشروع قانون الاندماج المالي بدوره سيعطي دفعاً جديداً للاستثمار في تونس مقراً في الآن نفسه بأنه قانون صعب وجريء، الأمر الذي تطلب فترة لا بأس بها لصياغته.

أما بالنسبة إلى مشروع قانون الاستثمار الجديد، فاعتبره المحافظ في غاية الأهمية، آخذاً في الاعتبار التطورات الاقتصادية والمالية العالمية، ما فرض على تونس إجراء تحوير جديد في ترسانتها القانونية الخاصة بالاستثمار وإقرار حوافز وتشجيعات جديدة لجذب المستثمرين الأجانب.

ورجح المتحدث أمام عدد كبير من نواب البرلمان التونسي أنه في حال الإسراع في تفعيل هذه الإصلاحات فإن بيئة الأعمال في البلاد ستعرف نقلة نوعية وتدخل منعطفاً جديداً في مؤشر سهولة أداء الأعمال، بالتالي دخول تونس مجدداً على "رادار" وأجندات كبرى الشركات العالمية.

القضاء على البيروقراطية

ودعا محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي إلى وجوب إجراء تغيير جذري في المنظومة الإدارية التونسية "المقيتة" والمعيقة للاستثمار في تونس.

وأقر أن الإدارة التونسية بخاصة في الملف الاقتصادي لا تزال تعاني كثيراً من الإشكالات بسبب ثقل رد فعلها من جهة، وتخوف المسؤولين في التعاطي مع الملفات الاقتصادية من جهة أخرى.

وتأتي دعوة محافظ البنك المركزي التونسي إلى البرلمان في ظرف يحتدم فيه الجدل والنقاش حول استقلالية البنك المركزي التونسي وتصاعد الطلبات بتنقيح القانون الأساس لمؤسسة الإصدار عدد 35 لعام 2016، بخاصة على مستوى التمويل المباشر من البنك المركزي للحكومة من دون اللجوء إلى المصارف المحلية.

وتأسس البنك المركزي التونسي في 1958 وهو مؤسسة عمومية ويعد المستشار المالي للحكومة ويعمل على استقرار الأسعار والإسهام في الحفاظ على الاستقرار المالي.

تواتر الصدمات

وفي تحليله للوضع الاقتصادي والمالي لتونس كشف مروان العباسي، أن تواتر الصدمات الداخلية والخارجية أثر سلباً في البلاد منذ 2011، بسبب الاغتيالات السياسية والعمليات الإرهابية مروراً بتداعيات جائحة كورونا ووصولاً إلى الحرب الروسية الأوكرانية ثم الجفاف وشح الموارد المائية، الأمر الذي جعل قيمة السندات التونسية في الأسواق العالمية تتراجع من 130 في المئة عام 2010 إلى 60 في المئة في يوليو (تموز) 2023، ويعكس هذا المؤشر وفق المحافظ مخاوف المستثمرين بخاصة الممولين الأجانب للاقتصاد التونسي وعدم وضوح الرؤية السياسية والاقتصادية.

وعرفت تونس تواتر تخفيض تصنيفها السيادي 10 مرات في السنوات الأخيرة إلى مستويات وصفها بـ"المقلقة"، وأنه في حال عدم التدارك فإن البلاد قد تعرف مراجعة أخرى إلى مستوى الدول العاجزة عن سداد ديونها.

وعرج على نسب النمو المحققة في العشرية الأخيرة التي اعتبرها هشة ولم تكن مدمجة بخاصة للشباب، داعياً في هذا الصدد إلى إقرار منوال نمو دامج ومستدام وقادر على استيعاب جل الشرائح.

وفي معرض حديثه عن عجز الميزان التجاري وعجز الميزانية اللذين بلغا في العقد الأخير معدل ثمانية وسبعة في المئة على الترتيب، قال إن هذا العجز من شأنه أن يخلق هشاشة للاقتصاد التونسي ويؤثر سلباً في نسب التضخم بخاصة سعر صرف الدينار.

ولفت أيضاً إلى الهبوط الحاد والمحير لنسبة الاستثمار من 24 إلى 16 في المئة، والادخار من 21.3 إلى 8.7 في المئة بين 2010 و2023 واصفاً الوضعية بـ"الكارثية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع تحليله للوضعية الاقتصادية والمالية للبلاد بالتطرق إلى التراجع غير المبرر لتدفق الاستثمار الخارجي المباشر، وانهيار إنتاج وتصدير الفوسفات، على رغم الامكانات الهائلة لقطاع المناجم في البلاد.

وانتقد مروان العباسي بشدة التأخر اللافت في برامج مشاريع الطاقات المتجددة، لا سيما إنتاج الكهرباء من الطاقات البديلة مستبعداً بلوغ هدف 30 في المئة لإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة في 2030.

واستغرب من أنه بالإمكان إنتاج الكهرباء بسعر منخفض لا يتجاوز 70 مليماً للكيلوواط في حين أن تونس تستورده بمعدل 400 مليم.

ضغوط مالية

وقال مروان العباسي، الذي ستنتهي مدة تكليفه على رأس البنك المركزي في فبراير (شباط) 2024، أن تونس تواجه ضغوطاً مالية كانت لها تداعيات سلبية على المالية العامة بخاصة عجز الموازنة ببلوغها 7.7 في المئة من الناتج الحلي الإجمالي في قانون المالية التعديلي لهذا العام، مقابل 5.2 في المئة مستهدفة، وأرجع ذلك إلى هبوط مداخيل الدولة وارتفاع النفقات بخاصة نفقات الدعم علاوة على وجود احتياجات تمويلية ناهزت 26 مليار دينار (8.3 مليار دولار).

ولم تتوقف الوضعية الصعبة عند هذا الحد ليضيف محافظ البنك المركزي في تحليله أن ضعف الحيز المالي مع وجود صعوبات في تعبئة الموارد الخارجية وتواصل نسق ارتفاع التمويل الداخلي (الاقتراض من المصارف المحلية) سيؤدي إلى ضغوط تضخمية كبرى.

وتابع تحليله للوضعية الاقتصادية والمالية للبلاد بالتطرق إلى التراجع غير المبرر لتدفق الاستثمار الخارجي المباشر وانهيار إنتاج وتصدير الفوسفات، على رغم الإمكانات الهائلة لقطاع المناجم في البلاد.

دفاع عن السياسة النقدية

وعلى صعيد آخر، دافع المحافظ عن السياسة النقدية لا سيما في مجال التحكم في التضخم الذي أقر أنه في مستويات مرتفعة في حدود تسعة في المئة.

واعتبر أن الترفيع في نسب الفائدة الرئيسة وما ينجر عنه من زيادة في نسبة الفائدة في السوق النقدية، يرمي بالأساس إلى السيطرة على نسب التضخم التي وصلت في السنوات الأخيرة إلى مستوى 11 في المئة.

وذكر بأنه في حال عدم اتخاذ الترفيع في الفائدة المديرية لزادت نسبة التضخم بنسب لا يمكن تحملها على غرار بعض الدول التي وصلت فيها نسب التضخم مستوى 40 في المئة و60 في المئة في تركيا.

وفسر في هذا الصدد أن الترفيع في نسب الفائدة لم ينفر المستثمرين، بل إن وضعية الركود الاقتصادي وعدم وضوح الرؤية جعلت المستثمرين لا يقبلون على القروض البنكية، وفق اعتقاده.

وتشير آخر تقديرات البنك المركزي التونسي إلى تواصل المسار التنازلي للتضخم في البلاد ولو بصفة تدريجية، ولكنه سوف يظل عند مستويات عالية نسبياً على المدى المتوسط بسبب الأخطار المحيطة بالمسار المرتفع المتوقع للتضخم.

وكشفت البيانات المتحصل عليها من البنك المركزي، أن تونس ستنهي 2023 بمستوى تضخم بنسبة 9.4 في المئة على أن تنخفض هذه النسبة إلى مستوى 7.7 في المئة لكامل عام 2024، ليتواصل المنحى التنازلي في عام 2025 ليبلغ 5.5 في المئة.

وبالمقابل سيظل تضخم المواد الطازجة في 2023 عالياً ليبلغ مستوى 17.2 في المئة، على أن يتراجع في العام المقبل إلى مستوى 12.2 في المئة ويزيد في الانخفاض في 2025 في حدود 7.5 في المئة.

 نعم للإقراض المباشر ولكن

وفي حديثه عن موضوع استقلالية البنك المركزي، شدد مروان العباسي على أن المسالة تعد واهية، موضحاً أن البنك يعمل بالتنسيق اليومي والتعاون اللصيق مع وزارة المالية في المسائل المالية التي تهم البلاد.

وكشف أن قرار عدم تمويل البنك المركزي مباشرة لا يعد بالجديد ولا ينحصر في قانون 2016، بل يعود إلى عام 2006، عندما تم اتخاذ هذا القرار، مضيفاً أنه حتى قبل عام 2006 كان اللجوء إلى التمويل المباشر ظرفياً ومحدوداً في الزمن وفي الحجم.

وأوضح أن القانون الأساس للبنك المركزي عدد 35 لسنة 2016، بخاصة الفصل 25 أقر عدم التمويل المباشر، مواصلة لروح قانون عدد 26 لسنة 2006 (الفصل 47).

وعبر عن انفتاحه لتمويل البنك المركزي للحكومة مباشرة من دون حصول الحكومة على القروض من المصارف المحلية، مشترطاً على أعضاء البرلمان إدخال تعديل على القانون الأساس للبنك في هذا الغرض.

وفي غضون ذلك حذر من أن عملية التمويل المباشر للحكومة سينجر عنها ارتفاع نسب التضخم إلى مستويات لا يمكن التحكم فيها، والدخول في حلقة مفرغة في محاربة التضخم الذي سيأخذ أبعاداً مالية وخيمة على اقتصاد تونس.

اقرأ المزيد