Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أنا أولا... سلوك المستهلك غريزي في الأزمات والحروب

يعطي الإنسان الأولوية لنفسه من دون التفكير بالمستقبل أو بتداعيات سلوكه على الآخرين

بوجود احتمال اندلاع حرب يتوجه المواطن سريعاً إلى تخزين السلع (رويترز)

ملخص

كيف يمكن تفسير سلوك المستهلك بتخزين السلع عند خطر الأزمات والحروب؟

خلال الحروب والأزمات، يحصل تغيير جذري في سلوك المستهلك، ويظهر ذلك بشكل خاص في السلع الغذائية والمنتجات التي تزيد الحاجة إليها. يسارع المواطن عادةً لشراء ما أمكن منها وتخزينها تحسباً لما قد يحصل في الفترة المقبلة. ما حصل في السنوات الأخيرة في لبنان يشهد على ذلك، سواء في ظل جائحة كورونا أو خلال الأزمة، وأخيراً خلال حرب غزة بوجود فرضية توسّع رقعة الحرب. يبدو هنا الخوف محركاً رئيسياً لسلوك المستهلك. لذلك، منذ أن طُرح احتمال دخول لبنان الحرب حتى هرع المواطنون إلى السوبرماركت لتخزين السلع من مواد أولية وسلع رئيسية يمكن أن يحتاجونها، كما يحصل عادةً في ظل الأحداث المفاجئة. لهذا التغيير في السلوك الاستهلاكي دوافع عدة، لكن له أيضاً تداعيات اقتصادية مع ارتفاع الطلب واستغلال التجار لظاهرة تتكرر مع كل أزمة.

تغيير تفرضه الظروف

من بداية الجائحة التي تزامنت مع بداية الأزمة في لبنان، سُجّلت زيادة ملحوظة وغير معتادة في الطلب على السلع الغذائية، والأدوية ومنتجات أخرى بهدف التخزين. ما حصل آنذاك ولّد أزمات في مجالات عدة، فحصل شحّ في الطحين، وفي المحروقات، والأدوية، وفي سلع عديدة أخرى. هذا السلوك بعيد كل البعد عن مبدأ الإستدامة المطلوب، وفق ما يوضحه الباحث في التنمية المستدامة كميل حاماتي، معتبراً أن هذا السلوك الاستهلاكي يفتقر إلى الوعي بما أن المواطن يتبضع بمعدلات تتخطى حاجته ويسهم في انقطاع المواد، فلا تعود متوافرة للآخرين وحتى له في فترات لاحقة. مما لا شك فيه أنه في فترات النزاعات، لا يعتبر هذا السلوك غريباً في المجتمعات. إذ يشعر المواطن بخطر انقطاع السلع التي يحتاجها في حياته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في دراسات عديدة، ارتبط هذا السلوك لدى الفرد بغريزة البقاء. إذ يعطي الإنسان الأولوية لنفسه، ويسعى إلى ضمان وجوده وحماية نفسه من أي خطر، من دون التفكير بالمستقبل أو بتداعيات سلوكه على الآخرين. ينتج هذا من حالة عدم اليقين والغموض المسيطر في شأن الأيام المقبلة في ظروف تزيد فيها معدلات الخطر ويغلب عليها القلق. "يتسم سلوك المستهلك هنا بالفوضوية والأنانية، وينعكس حكماً على الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع ويهمشها أكثر بعد. هذا، من دون أن ننسى ما يحصل من خلل على مستوى سلاسل التوريد بسبب العشوائية في التبضع في الأزمات. لا يستند الطلب عندها إلى معايير معروفة مسبقاً، ويصعب تقدير الكميات المطلوبة في الأسواق. عند حصول أزمة مفاجئة أو حرب، ينعكس السلوك الاستهلاكي المتغير والفوضوي على هذه التقديرات التي لا تعود ملائمة لحجم الطلب، ما يظهر من خلال شح في البضائع أو انقطاع فيها، في مقابل زيادة في سلع أخرى انخفض الطلب عليها".

قد تكون سياسة ترشيد الاستهلاك في فترات الأزمات والحروب، من الحلول التي تساعد على الحد من الفوضى. عندها تُحدد حصص من السلع الأساسية التي تختفي عادةً في الأزمات أولاً من منتجات غذائية يميل الفرد إلى تخزينها في مثل هذه الأوقات. وتُحتسب هذه الحصص على أساس حجم العائلات أو على أساس الأفراد بحسب الحاجة المتوقعة يومياً لكل فرد. إنما بموازاة هذه الخطوة، من الضروري أن تحرص الحكومات على حملات التوعية للتنبيه حول تداعيات هذا السلوك الاستهلاكي. يحصل العكس تماماً في لبنان، حيث تؤدي التحذيرات إلى انقطاع سلع معينة وفوضى. يشدد حاماتي على ضرورة عدم الإعلان عن أزمة متوقعة حتى لا يشعر الناس بالهلع ويسارعون إلى التخزين بطريقة عشوائية. فالترشيد ضروري إلى جانب التوعية كخطوة أولى، حتى لا يستفيد البعض على حساب آخرين مثل من يتقاضون أجوراً يومية أو من يعجزون عن التموين. قد يكون من الصعب تطبيق مثل هذه الخطوات في لبنان لأن الشعب اللبناني منهك من كثرة الأزمات والكوارث التي عاشها ولم تسنح له الفرصة ليستعيد عافيته بين الأزمة والأخرى، ما يجعله أكثر ميلاً للقلق. لذلك، قد لا تكون حملات التوعية فاعلة في توجيهه نحو السلوكيات السليمة، ما يزيد من التحديات في لبنان في مثل هذه الظروف.

غريزة البقاء دافع

من جهتها، تقول اختصاصية العلاج النفسي سيسيليا ضومط "في لبنان، أمام كل مؤشر خطر، ثمة رد فعل سريع وتلقائي مبني على تجارب وخبرات سابقة من الحرب والأزمات. فبوجود احتمال اندلاع حرب، يكون التوجه سريعاً لتخزين السلع الغذائية وغيرها من السلع الأساسية حفاظاً على الاستمرارية في الحياة وسعياً إلى حماية الذات من أي خطر محتمل. مدفوعاً بإرادة البقاء. ويتأثر المواطن اللبناني في مواجهة مثل هذه الإشارات، سواء كان الخطر فعلياً أو لا. فأي مؤشر يعيده سريعاً إلى الماضي والحروب، ويعيش حالة من القلق والخوف مع عودة مشاعر سابقة".

يسعى المواطن هنا إلى تأمين الحاجات اللازمة دفاعاً عن وجوده هنا، ولكن يتجه أيضاً عشاق سلع معينة إلى تخزينها أولاً، ولو كانت من الكماليات. فقد يتجه عشاق القهوة إلى تخزين البن مثلاً استعداداً للمرحلة المقبلة. ومن اللبنانيين من يخزن مستلزمات النرجيلة.

استغلال التجار

في حديثه مع "اندبندنت عربية" يوضح الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة أن علم الاقتصاد صنّف السلوك الاستهلاكي في الحروب والأزمات بأنه يرتبط بحاجة الإنسان إلى تلبية حاجاته الأساسية أولاً من غذاء ومسكن وماء وكهرباء. وفي الأوضاع التي يكون فيها الفرد مرتاحاً، يسمح لنفسه بتأمين الكماليات كالسياحة والأنشطة الترفيهية التي تعكس الرفاهية. وفي مستوى أعلى أيضاً من الرفاهية، يمكن أن يتجه إلى السلع الفاخرة التي قد لا تسمح له ظروفه باقتنائها لو كانت إمكاناته المادية أقل. في ظل الأزمة في لبنان، يؤمن المواطن الحاجات الأساسية حصراً، وقد يسمح قسم من المواطنين لأنفسهم باستهلاك الكماليات أحياناً. أما السلع الفاخرة فمحدودة بفئة صغيرة من اللبنانيين.

في الأزمات والحروب، الأزمة موجودة، وآليات التوزيع في السوق سبب رئيسي للأزمات. وفي لبنان تحديداً، بسبب جشع التجار يحصل الاحتكار وتعمّ الفوضى بغياب مؤسسات الدولة. في حال حصول حرب، تحصل حكماً أزمة في تأمين الغذاء والمحروقات والسلع الأساسية. لكن في لبنان حتى الآن، لا يزال لبنان قادراً على تأمين حاجته من المحروقات والأدوية والسلع الغذائية، على رغم التغيير في السلوك الاستهلاكي. لكن في ظروف الحرب، قد لا يعود من الممكن تأمين هذه السلع. أما هجمة اللبنانيين على تخزين السلع الأساسية من معلبات وسكر وطحين وحبوب فلا ترتبط بالأفراد حصراً، بل بالتجار أيضاً كونهم باتوا يعرفون قواعد اللعبة ومبدأ العرض والطلب في الاقتصاد. فمن المتوقع أن يؤدي ارتفاع الطلب على السلع والشح فيها في الأسواق إلى ارتفاع سعرها. فيستفيد التجار من هذا التغيير في سلوك المستهلك لتحقيق المزيد من الأرباح طالما أن مؤسسات الدولة غائبة ولا رقابة تقف عائقاً في وجوههم.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير