Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما رأي الفلسطينيين الفعلي في "حماس"؟

قبل الحرب كان قادة غزة لا يتمتعون بشعبية كبيرة بيد أن حملة القمع الإسرائيلية يمكن أن تغير ذلك

فلسطينيون يتظاهرون دعماً لشعب غزة، الخليل، الضفة الغربية، أكتوبر 2023   (رويترز)

ملخص

تشير استطلاعات رأي حديثة إلى أن معظم سكان غزة كانوا منفتحين قبل الحرب الأخيرة على فكرة التوصل إلى حل سلمي دائم للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني

منذ أن شنت حركة "حماس" هجمات مروعة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) أودت بحياة أكثر من 1400 إسرائيلي في يوم واحد، أدى الرد الإسرائيلي إلى إلحاق خسائر فادحة بسكان غزة. ووفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية، قتل حتى الآن أكثر من 6 آلاف من الغزاويين وأصيب أكثر من 17 ألفاً آخرين في القصف الجوي الإسرائيلي، ومن الممكن أن يرتفع عدد الضحايا بسرعة أكبر بكثير إذا مضت إسرائيل قدماً في غزوها البري المتوقع.

ودعا الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وعضو الكنيست أرييل كالنر، ومسؤولون بارزون آخرون إلى حملة عسكرية على كامل أراضي غزة. ودمرت الصواريخ الإسرائيلية بالفعل نحو خمسة في المئة من مباني القطاع، بما في ذلك الأبنية الموجودة في المناطق التي لجأ إليها الفلسطينيون بعد الاستجابة لنداءات إسرائيلية دعتهم إلى إخلاء منازلهم. وتذرع بعض كبار المسؤولين الإسرائيليين بنجاح "حماس" في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية عام 2006 ليعلنوا أن كل سكان غزة يشكلون جزءاً من البنية التحتية الإرهابية لـ"حماس" ومتواطئون في الفظائع التي ترتكبها هذه الحركة، من ثم هم يشكلون أهدافاً مشروعة للانتقام الإسرائيلي.

ولكن بمجرد النظر إلى الحقائق، فإن الحجة القائلة بأنه يمكن تحميل كل سكان غزة المسؤولية عن تصرفات "حماس" سرعان ما ستفقد صدقيتها. في الواقع، أجرت شبكة "الباروميتر العربي" البحثية التي نعمل فيها بصفتنا مشرفين مشاركين في البحوث، دراسة استقصائية في غزة والضفة الغربية قبل أيام من اندلاع الحرب بين إسرائيل و"حماس". وتكشف النتائج، التي نشرت هنا للمرة الأولى، عن أن الغالبية العظمى من سكان غزة لا يدعمون "حماس"، بل هم يشعرون بالإحباط بسبب الحكم غير الفعال للجماعة المسلحة، إذ إنهم يعانون صعوبات اقتصادية شديدة. كذلك، فإن الغزاويين بمعظمهم لا يؤيدون أيديولوجية "حماس". فالمشاركون في الاستطلاع يفضلون بغالبيتهم حل الدولتين حيث تتعايش فلسطين المستقلة وإسرائيل جنباً إلى جنب، خلافاً لحركة "حماس" التي تسعى إلى تدمير دولة إسرائيل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لن يسمح استمرار العنف بتحقيق تلك التطلعات المستقبلية التي يطمح إليها معظم سكان غزة، وعوضاً عن القضاء على التعاطف مع الإرهاب، فإن حملات القمع الإسرائيلية السابقة التي جعلت حياة الغزاويين العاديين أكثر صعوبة ستؤدي إلى زيادة الدعم لـ"حماس". وإذا كانت الحملة العسكرية الحالية في غزة ستخلف تأثيراً مماثلاً على الرأي العام الفلسطيني، فهي لن تؤدي إلا إلى عرقلة التقدم نحو تحقيق سلام طويل الأمد.

إحباط متزايد

بالشراكة مع "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية" وبدعم من "الصندوق الوطني للديمقراطية" National Endowment for Democracy، أجرت شبكة "الباروميتر العربي" استطلاعاً في الضفة الغربية وغزة يقدم لمحة سريعة عن آراء المواطنين العاديين عشية اندلاع الصراع الأخير. باعتباره أطول مشروع لاستطلاع الآراء وأكثره شمولاً في المنطقة، نظم مشروع "الباروميتر العربي" ثماني دورات من الاستطلاعات تشمل 16 دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عام 2006. وقد صممت جميع الاستطلاعات لتكون تمثيلية على المستوى الوطني، ومعظمها (بما في ذلك الاستطلاع الأخير في الضفة الغربية وقطاع غزة) قائم على مقابلات وجهاً لوجه مع المشاركين في أماكن إقامتهم. والبيانات المجمعة متاحة للجميع. في كل دولة، تهدف أسئلة الاستطلاع إلى قياس آراء المشاركين وقيمهم حول مجموعة متنوعة من القضايا الاقتصادية والسياسية والدولية.

أجريت مقابلاتنا الأخيرة في الفترة ما بين الـ28 من سبتمبر (أيلول) والثامن من أكتوبر، وشارك فيها 790 شخصاً في الضفة الغربية و399 شخصاً في غزة (جرى الانتهاء من إجراء المقابلات في غزة في السادس من أكتوبر). وتكشف نتائج الاستطلاع عن أن سكان غزة ليس لديهم ثقة كبيرة في حكومتهم التي تقودها "حماس"، وعندما طلب منهم تحديد درجة ثقتهم في سلطات "حماس"، قال عدد كبير من المشاركين (44 في المئة) إنهم لا يثقون بها على الإطلاق، وكانت عبارة "ليست ثقتي بها كبيرة" ثاني أكثر الإجابات شيوعاً، مستأثرة بنسبة 23 في المئة. واستكمالاً، أعرب 29 في المئة فقط من سكان غزة عن أنهم يثقون "بدرجة كبيرة" أو "بشدة" في حكومتهم. علاوة على ذلك، اعتبر 72 في المئة أن مقدار الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية كبير (34 في المئة) أو متوسط (38 في المئة). في المقابل، اعتقدت أقلية أن الحكومة تتخذ خطوات هادفة لمعالجة المشكلة.

وعندما سئلوا كيف سيصوتون إذا أجريت انتخابات رئاسية في غزة، وكانت لائحة المرشحين فيها تضم إسماعيل هنية، زعيم "حماس"، ومحمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، ومروان البرغوثي، القيادي الأسير الذي كان في اللجنة المركزية لحركة فتح، أجاب 24 في المئة فحسب من المشاركين في الاستطلاع أنهم سيصوتون لهنية، وحصل البرغوثي على الحصة الكبرى من التأييد بنسبة 32 في المئة، فيما نال عباس نسبة 12 في المئة. في المقابل، قال 30 في المئة من المشاركين إنهم لن يشاركوا في الانتخابات. ولم تكن آراء سكان غزة حيال السلطة الفلسطينية، التي تحكم الضفة الغربية، أفضل بكثير. في الواقع، تعتقد غالبية ضئيلة (52 في المئة) أن السلطة الفلسطينية تشكل عبئاً على الشعب الفلسطيني. ويرى 67 في المئة أن عباس ينبغي أن يستقيل. ويذكر أن سكان غزة لا يشعرون بخيبة أمل من "حماس" فحسب، بل من القيادة الفلسطينية برمتها.

واستطراداً، فإن المشكلات الاقتصادية التي تعانيها غزة ظهرت بوضوح في نتائج الاستطلاع. وفقاً للبنك الدولي، ارتفع معدل الفقر في غزة من 39 في المئة عام 2011 إلى 59 في المئة عام 2021. في الحقيقة، يجد كثير من سكان غزة صعوبة في تأمين ضرورات الحياة الأساسية بسبب ندرة الموارد وكلفتها. ومن بين المشاركين في الاستطلاع، قال 78 في المئة إن توافر الطعام يمثل مشكلة متوسطة أو حادة في غزة، في حين اعتبر خمسة في المئة فحسب أنها لا تمثل مشكلة على الإطلاق. وأفادت نسبة مماثلة (75 في المئة) بأنها تواجه صعوبة متوسطة إلى شديدة في تحمل كلف الغذاء حتى عندما يكون متوافراً، في المقابل قالت نسبة لا تتخطى الستة في المئة إن القدرة على تحمل كلف الغذاء لا تمثل أي مشكلة.

علاوة على ذلك، كان تأثير نقص الغذاء شديداً على الأسر في غزة. ذكر 75 في المئة من المشاركين في الاستطلاع أن الغذاء قد نفد منهم وما عادوا يمتلكون المال لشراء المزيد في مرحلة ما خلال الـ30 يوماً الماضية. وبالمقارنة مع استطلاع للباروميتر العربي أجري عام 2021، بلغت نسبة الذين قالوا الشيء نفسه 51 في المئة فحسب، وهذا التغيير الذي طرأ خلال فترة لا تتجاوز العامين مثير للقلق. لقد اضطر سكان غزة إلى تكييف عاداتهم في محاولة لتأمين معيشتهم وسد حاجاتهم. وأشار 75 في المئة منهم إلى أنهم بدأوا في شراء أغذية أقل تفضيلاً أو أقل كلفة، فيما صرح 69 في المئة أنهم قلصوا حجم وجباتهم.

وعزا معظم سكان غزة نقص الغذاء إلى مشكلات داخلية وليس إلى العقوبات الخارجية. منذ عام 2005، تفرض إسرائيل ومصر حصاراً على غزة، مما يحد من تدفق الأشخاص والبضائع من وإلى القطاع. وكانت شدة الحصار تختلف من فترة إلى أخرى، لكنه ازداد صرامة بشكل ملحوظ بعد سيطرة "حماس" على غزة عام 2007. ومع ذلك، فإن عدداً كبيراً من المشاركين في الاستطلاع (31 في المئة) اعتبر أن السبب الرئيس لانعدام الأمن الغذائي في غزة هو سوء الإدارة الحكومية، بينما ألقى 26 في المئة اللوم على التضخم، في حين بلغت نسبة الذين قالوا إن العقوبات الاقتصادية المفروضة من الخارج هي السبب 16 في المئة. باختصار، كان سكان غزة أكثر ميلاً إلى إلقاء المسؤولية في مأزقهم المادي على قيادة "حماس" لا على الحصار الاقتصادي الذي تفرضه إسرائيل، ولكن منذ تاريخ إجراء الاستطلاع، من الممكن أن تكون وجهة النظر هذه قد تغيرت. في أعقاب هجمات السابع من أكتوبر، قطعت إسرائيل إمدادات المياه والغذاء والوقود والكهرباء عن غزة مما أدى إلى إغراق القطاع في أزمة إنسانية حادة. وقد دخلت بعض المساعدات الدولية إلى القطاع منذ ذلك الحين، ولكن من المرجح أن المعاناة التي مر بها الفلسطينيون أدت إلى تشدد مواقفهم بطرق يمكن أن تقوض السلام والاستقرار على المدى الطويل.

تغيير السياسة المعتادة

بشكل عام، تشير الإجابات في استطلاع الرأي إلى أن سكان غزة يرغبون في التغيير السياسي. وفي انخفاض بمقدار ثماني نقاط منذ عام 2021، قال 26 في المئة فقط إن الحكومة متجاوبة جداً (ثلاثة في المئة) أو متجاوبة إلى حد ما (23 في المئة) مع حاجات الشعب. وعندما سئلوا عن الطريقة الأكثر فاعلية التي قد يؤثر فيها الناس العاديون على الحكومة، كانت الإجابة التي أعطتها الغالبية أنه "لا وجود لأي طريقة فعالة". أما الإجابة التالية الأكثر شيوعاً فكانت استخدام المعارف والاتصالات الشخصية للوصول إلى مسؤول حكومي. إذاً، لم يجد معظم سكان غزة سبيلاً للتعبير علناً عن شكاواهم من الحكومة التي تقودها "حماس". وقال 40 في المئة فحسب إنهم يتمتعون بحرية التعبير إلى حد كبير أو متوسط، وأعرب 68 في المئة عن اعتقادهم أن الحق في المشاركة في احتجاج سلمي غير مصون، أو مصون إلى درجة محدودة فحسب في ظل حكم "حماس".

واستطراداً، عبر نحو نصف سكان غزة عن دعمهم الديمقراطية، فأكد 48 في المئة أن "الديمقراطية هي المفضلة دائماً على أي نوع آخر من الحكم"، فيما أشارت نسبة أقل من المشاركين (23 في المئة) إلى انعدام الثقة في أي نوع من الأنظمة، موافقين على عبارة "بالنسبة إلى أشخاص مثلي، لا يهم نوع الحكومة التي نحظى بها". ولم تبلغ نسبة الذين اعتبروا أنه "في بعض الظروف، قد يكون من الأفضل وجود حكومة غير ديمقراطية" إلا 26 في المئة (هذه النتيجة الأخيرة مشابهة لنتائج استطلاعات للرأي أجريت عام 2022 في الولايات المتحدة، وأعرب فيها واحد من كل خمسة راشدين يبلغون من العمر 41 عاماً أو أقل عن تأييدهم الرأي القائل إن "الديكتاتورية يمكن أن تكون جيدة في ظروف معينة").

ونظراً إلى الرأي السلبي الذي كونه معظم سكان غزة تجاه حكومتهم، فليس من المستغرب أن يشمل رفضهم "حماس" أيضاً كطرف في السياسة. اختار 27 في المئة فقط من المشاركين حركة "حماس" باعتبارها الجهة السياسية المفضلة لديهم، وهي نسبة أقل بقليل من نسبة الذين فضلوا حركة "فتح" (30 في المئة)، الخاضعة لقيادة عباس الذي يحكم الضفة الغربية. كذلك، شهدت شعبية "حماس" تراجعاً في غزة، فسجلت خفضاً من 34 في المئة في استطلاع عام 2021. وفي الواقع، هناك تباين ديموغرافي ملحوظ في الإجابات الأخيرة. أعرب 33 في المئة من البالغين تحت سن الـ30 عن دعمهم "حماس"، مقابل 23 في المئة ممن هم في سن الـ30 وما فوق. وكان سكان غزة الأكثر فقراً أقل ميلاً إلى دعم "حماس" من نظرائهم الأكثر ثراءً. ومن بين أولئك الذين لا يستطيعون تغطية نفقاتهم الأساسية، أيد 25 في المئة فقط الطرف الموجود في السلطة، أما بين أولئك القادرين على تغطية تلك النفقات، ارتفعت النسبة إلى 33 في المئة. في الحقيقة، إن هذا الميل الأكبر إلى رفض "حماس" بين الأشخاص الأكثر تضرراً من الظروف الاقتصادية الصعبة والأشخاص الذين يتذكرون الحياة قبل حكمها القطاع، يؤكد محدودية دعم سكان غزة لحركة "حماس".

رؤى للمستقبل

لا يعتبر أسلوب القيادة هو الشيء الوحيد الذي يجده الغزاويون غير مقبول لدى "حماس". وعلى العموم، فإن سكان غزة لا يشاركون "حماس" هدفها المتمثل في القضاء على دولة إسرائيل. وعندما عرضت عليهم ثلاثة حلول محتملة للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني (إضافة إلى منحهم إمكانية انتقاء "خيار آخر")، فضل معظم المشاركين في الاستطلاع (54 في المئة) حل الدولتين المنصوص عليه في اتفاقات أوسلو عام 1993. في هذا السيناريو، تقع دولة فلسطين بجوار دولة إسرائيل، وحدودهما مستندة إلى الحدود الفعلية التي كانت موجودة قبل حرب الأيام الستة عام 1967. لم يتغير مستوى الدعم لهذا القرار كثيراً منذ عام 2021، وقد أظهر الاستطلاع الذي أجري خلال ذاك العام أن 58 في المئة من المشاركين في غزة اختاروا حل الدولتين.

ومن المثير للدهشة إلى حد ما أن الترتيبات السياسية البديلة لم تلق رواجاً بين سكان غزة قبل اندلاع الأعمال العدائية الأخيرة، نظراً إلى أن احتمال التوصل إلى حل الدولتين يبدو شبه مستحيل الآن. كذلك، قدم الاستطلاع خيارين آخرين: اتحاد كونفيدرالي إسرائيلي - فلسطيني تكون فيه الدولتان مستقلتين لكنهما مرتبطتان ارتباطاً وثيقاً وتسمحان بحرية تنقل المواطنين، ودولة واحدة لليهود والعرب معاً. بلغت نسبة تأييد الخيار الأول 10 في المئة، مقابل تسعة في المئة للثاني.

بشكل عام، فضل 73 في المئة من سكان غزة التوصل إلى تسوية سلمية للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. عشية هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر، كان 20 في المئة فحسب من سكان غزة يفضلون الحل العسكري الذي يمكن أن يؤدي إلى تدمير دولة إسرائيل، وكانت غالبية واضحة (77 في المئة) ممن حبذوا هذا الحل تؤيد "حماس" أيضاً، أي ما يعادل 15 في المئة تقريباً من السكان البالغين. ومن بين المشاركين المتبقين الذين فضلوا العمل العسكري [الرامي إلى تدمير إسرائيل]، ذكر 13 في المئة بأنهم لا ينتمون إلى أي جهة سياسية.

على العموم، لا يشارك سكان غزة "حماس" هدفها المتمثل في القضاء على دولة إسرائيل

وفي الوقت نفسه كانت آراء سكان غزة في شأن تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل سلبية باستمرار. في أحدث استطلاع، أعرب 10 في المئة فقط عن موافقتهم على هذه المبادرة، وهي نفس النسبة التي سجلت عام 2021. ومن المرجح أن كثراً من سكان غزة يدركون أن التضامن العربي هو العنصر الأساس لضمان ترتيب سياسي يشمل دولة فلسطينية مستقلة. إذا تمكنت الدول العربية من تسوية خلافاتها مع إسرائيل من دون جعل حل الصراع الإسرائيلي -  الفلسطيني شرطاً مسبقاً للتطبيع، فإن أي آمال باقية في حل الدولتين ستتبدد.

قبل هجوم "حماس" على إسرائيل، تضمنت وجهات نظر سكان غزة في مجال السياسة الخارجية مزيجاً من التوافق مع بعض أولويات السياسة الأميركية، وعدم الثقة في الولايات المتحدة. عارض 71 في المئة منهم الغزو الروسي لأوكرانيا. وأعرب 37 في المئة عن رغبتهم في أن تقوم غزة ببناء علاقات اقتصادية أقوى مع الولايات المتحدة، وهي نسبة أعلى من نسبة أولئك الذين أرادوا تعزيز العلاقات الاقتصادية مع إيران أو روسيا (32 في المئة في كلتا الحالتين). مع ذلك، يعتقد 15 في المئة فحسب من سكان غزة أن سياسات الرئيس الأميركي جو بايدن كانت جيدة أو جيدة جداً للعالم العربي. وفي الأسابيع القليلة الماضية، تراجعت بالتأكيد شعبية كل من بايدن والولايات المتحدة، ويعزى ذلك إلى التصور السائد في غزة والضفة الغربية والدول العربية في المنطقة بأن واشنطن هبت لمساعدة إسرائيل على حساب غزة.

ومن بين النتائج النهائية، المدعومة الآن بتقارير صحافية لا تعد ولا تحصى حول معاناة سكان غزة في وقت يتصاعد فيه العنف لدرجة إجبارهم على الفرار من منازلهم، هي قوة تعلق الناس بالأرض التي يعيشون عليها. في الواقع، إن الغالبية العظمى من سكان غزة الذين شملهم الاستطلاع، أي نسبة 69 في المئة، قالوا إنهم لم يفكروا قط في مغادرة وطنهم. وهذه نسبة أعلى من تلك المسجلة بين سكان العراق والأردن ولبنان والمغرب والسودان وتونس الذين سئلوا نفس السؤال (بالنسبة إلى جميع هذه البلدان، فإن أحدث البيانات المتاحة مستمدة من دورة استطلاعات "الباروميتر العربي" لعام 2021-2022). على رغم أن سكان غزة يواجهون سلسلة من التحديات، بدءاً من الأزمة الاقتصادية المتفاقمة إلى الحكومة غير المتجاوبة والطريق المستحيل على ما يبدو إلى إقامة دولة مستقلة، إلا أن عزمهم على البقاء في القطاع ثابت.

الخروج من الدوامة

رسمت نتائج استطلاع "الباروميتر العربي" صورة قاتمة لغزة في الأيام التي سبقت هجمات السابع من أكتوبر. لقد أسهم عجز حكومة "حماس" عن معالجة مصادر القلق الكبرى لدى المواطنين، في فقدان الشعب ثقتهم بها. وكان عدد قليل من سكان غزة يؤيدون هدف "حماس" المتمثل في تدمير دولة إسرائيل، مما ترك قادة غزة وسكانها منقسمين في شأن الاتجاه المستقبلي الذي سيسلكه الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. والغالبية العظمى من سكان غزة فضلوا بشدة التوصل إلى حل سلمي، وكانوا يتوقون إلى وجود قادة قادرين على تقديم مثل هذا الحل وتحسين نوعية حياة سكان غزة بشكل عام، ولكن حتى الآن، أدت سياسات حكومتهم والحكومة الإسرائيلية إلى منع التقدم على الجبهتين.

في الواقع، تعتبر الظروف المعيشية للفلسطينيين في الضفة الغربية أفضل مما هي عليه في غزة، لكن الوضع الاقتصادي والسياسي لا يزال قاتماً. في الشهر الماضي، أفاد ما يقارب نصف المشاركين في الاستطلاع في الضفة الغربية (47 في المئة) أنهم في حالة جوع. وبطريقة موازية، أعرب 19 في المئة فحسب من سكان الضفة الغربية عن ثقتهم بحكومتهم بقيادة "فتح"، وهي نسبة أقل حتى من نسبة الغزاويين الذين يثقون بحكومة "حماس". وعلى رغم ذلك، فإن تلك الإخفاقات في طريقة الحكم لم تدفع الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى دعم "حماس". وعندما سئلوا عن الطرف السياسي الذي يشعرون بأنهم الأقرب إليه، أفاد 17 في المئة فقط من المشاركين في الضفة الغربية أنهم يدعمون "حماس". في منحى مقابل، كانت نسبة التأييد لـ"فتح" مماثلة لتلك المسجلة في غزة (30 في المئة)، ولكن في ما يتعلق بالقادة الأفراد، أظهرت ردود سكان الضفة الغربية استياءً واسع النطاق، وبشكل خاص من عباس. وفي انتخابات رئاسية افتراضية، كان الخيار الأول بالنسبة إلى سكان الضفة الغربية وإلى الغزاويين هو البرغوثي، الذي بلغت نسبة تأييده 35 في المئة، فيما لم تتخط نسبة الذين اختاروا هنية، زعيم "حماس"، 11 في المئة. في المقابل، اختار ستة في المئة عباس، الزعيم الحالي في الضفة الغربية، فيما قال ما يقارب نصف المشاركين (47 في المئة) إنهم لن يشاركوا في الانتخابات.

بالنسبة إلى المواقف تجاه عملية السلام الإسرائيلية - الفلسطينية، استأثر تأييد حل الدولتين في الضفة الغربية بنسبة أقل بقليل من تلك المسجلة في غزة (49 في المئة مقابل 54 في المئة)، بينما كانت نسبة معارضة التطبيع العربي الإسرائيلي أعلى بقليل. واستطراداً، وافق خمسة في المئة فقط من المشاركين في الضفة الغربية على تعزيز التقارب الإقليمي، مقابل 10 في المئة من سكان غزة. وعلى رغم أن الفوارق كانت طفيفة، فإن هذه المواقف المتشددة نسبياً في الضفة الغربية كانت على الأرجح نتيجة للتوترات بين الفلسطينيين والمستوطنين والجنود الإسرائيليين في الأشهر الأخيرة. وفي الواقع، إن النتيجة التي توصل إليها الاستطلاع بأن ما يقارب نصف الفلسطينيين ما زالوا يؤيدون حل الدولتين قد توفر بعض الأمل في السلام على المدى الطويل، بيد أن النتائج لا توحي بثقة كبيرة في الاستقرار على المدى القصير. ويذكر أن انعدام شعبية القيادة الفلسطينية، في الضفة الغربية بشكل خاص، يدعو إلى التشكيك في جدوى إعادة فرض سيطرة السلطة الفلسطينية على غزة، وهو ما اقترحته بعض وسائل الإعلام كخطوة تالية في عملية إعادة الإعمار بعد انتهاء الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد "حماس".

يتعين على الحكومة الإسرائيلية الآن أن تمارس ضبط النفس

في ظل تصعيد العمليات الإسرائيلية في غزة، فإن الحرب ستلحق خسائر لا يمكن تصورها في صفوف المدنيين، ولكن حتى لو قامت إسرائيل بـ"محق قطاع غزة"، وفق ما دعا إليه بعض الساسة المتشددين والمتطرفين في الولايات المتحدة، فإنها ستفشل في مهمتها المتمثلة في القضاء على "حماس". وقد أظهر بحثنا أن حملات القمع الإسرائيلية في غزة تؤدي في معظم الأحيان إلى زيادة الدعم والتعاطف مع "حماس" بين سكان غزة العاديين. بالاسترجاع، فازت "حماس" بنسبة 44.5 في المئة من الأصوات الفلسطينية في الانتخابات البرلمانية عام 2006، لكن التأييد للحركة تراجع بعد صراع عسكري بين "حماس" و"فتح" في يونيو (حزيران) 2007 انتهى بسيطرة الأولى على غزة. وفي استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في ديسمبر (كانون الأول) 2007، لم يعرب سوى 24 في المئة فحسب من سكان غزة عن مواقف مؤيدة تجاه "حماس". على مدى السنوات القليلة التالية، مع تشديد إسرائيل حصارها على غزة وشعور سكان القطاع العاديين بآثار ذلك، زادت نسبة تأييد "حماس"، فوصلت إلى 40 في المئة تقريباً عام 2010. وفي العام نفسه، حين خففت إسرائيل الحصار جزئياً، بقيت نسبة دعم "حماس" في غزة ثابتة عند المستوى نفسه [أي أنها لم تسجل أي ارتفاع] قبل أن تتراجع إلى 35 في المئة عام 2014. إذاً، في الفترات التي تتخذ فيها إسرائيل إجراءات صارمة وقمعية في غزة، يبدو أن أيديولوجية "حماس" المتشددة تحظى بدعم أكبر بين سكان غزة. من ثم عوضاً عن دفع الإسرائيليين والفلسطينيين نحو التوصل إلى حل سلمي، فإن السياسات الإسرائيلية التي تتسبب في الأذى والمعاناة لغزة تحت راية القضاء على "حماس" قد تؤدي على الأرجح إلى إدامة دوامة العنف.

وفي سبيل الخروج من هذه الدوامة، حري بالحكومة الإسرائيلية الآن أن تمارس ضبط النفس. قد تكون الحكومة التي تقودها "حماس" غير مهتمة بالسلام، ولكن من الخطأ عملياً أن يتهم الزعماء السياسيون الإسرائيليون كل سكان غزة بذلك أيضاً. في الحقيقة، يبدي معظم سكان القطاع انفتاحاً على فكرة التوصل إلى حل سلمي دائم للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، بيد أن الخطابات العامة كثيراً ما تشوه وتحرف آراء الناس الذين يعيشون في غزة، على رغم أن استطلاعات الرأي، على غرار تلك التي تجريها شبكة "الباروميتر العربي"، تظهر باستمرار مدى اختلاف هذه الروايات عن الواقع.

وعلى المدى القريب، على القادة الإسرائيليين، والمسؤولين الأميركيين، تأمين سلامة المدنيين في غزة، الذين تعرض 1.4 مليون منهم للتهجير والتشريد بالفعل. ينبغي على الولايات المتحدة أن تتعاون مع الأمم المتحدة لإنشاء ممرات إنسانية واضحة ومناطق محمية، كذلك، يجب على واشنطن أن تسهم في توفير مبلغ 300 مليون دولار الذي طالبت الأمم المتحدة بتأمينه كمساعدات لحماية المدنيين الفلسطينيين، وهي خطوة قال العشرات من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي إنهم سيدعمونها. وأخيراً، يتعين على إسرائيل والولايات المتحدة أن تدركا أن الشعب الفلسطيني شريك أساس في إيجاد تسوية سياسية دائمة، وليس عقبة في طريق تحقيق هذا الهدف النبيل. وإذا كان البلدان يسعيان إلى إيجاد حلول عسكرية فحسب، فالأرجح أنهما سيدفعان سكان غزة إلى أحضان "حماس"، مما يضمن تجدد العنف في السنوات المقبلة.

 

*أماني أ. جمال، ، مؤسسة مشاركة ومحقِّقة رئيسة مشاركة في شبكة "الباروميتر العربي"، وعميدة "كلية برينستون للشؤون العامة والدولية"، وأستاذة في مقعد إدوارد س. ستانفورد للسياسة والشؤون الدولية" في "جامعة برينستون".

**مايكل روبنز، مدير ومحقق رئيس مشارك في بحوث شبكة "الباروميتر العربي".

مترجم عن "فورين أفيرز"، 25 أكتوبر 2023

المزيد من آراء