ملخص
عمليات ترحيل واسعة لمئات الموريتانيين الذين وصلوا الولايات المتحدة خلال السنوات القليلة الماضية عن طريق الهجرة غير النظامية
يترقب آلاف الشباب الموريتاني عمليات ترحيل واسعة بعدما حطم اتفاق موريتاني - أميركي أحلام الذين تمكنوا من الوصول إلى الولايات المتحدة خلال السنوات القليلة الماضية عن طريق الهجرة غير النظامية عبر أميركا الجنوبية، الجدار الفاصل بين المكسيك والولايات المتحدة، إذ لم يعد لهم اليوم تصاريح للبقاء في الولايات المتحدة بعد أن أصبحوا مجرد أرقام في رحلات ستنطلق قريباً من الولايات المتحدة صوب نواكشوط.
رحلة محفوفة بالأخطار
يتذكر محمدي السيد الذي ينتظر موعد رحلته إلى بلاده التي غادرها قبل سنتين "كيف عاش رحلة محفوفة بالأخطار الجمة وقطع خلالها آلاف الكيلومترات"، يقول في اتصال مع "اندبندنت عربية"، كل طموحاتي في البقاء أصبحت الآن رماداً تذروه رياح الدبلوماسية واتفاقات تنظيم الهجرة غير الشرعية بين موريتانيا والولايات المتحدة.
يوضح رئيس الجمعية الموريتانية لمكافحة الهجرة السلبية أباه أعمر أنهم "طالبوا منذ فترة الشباب الموريتاني بالتريث قبل اتخاذ قرار هجرة غير مضمونة العواقب، وهذا هو ما حصل بالفعل اليوم، إذ سيقضي هذا الاتفاق على أحلام عديد من الشباب الذين قدموا كل ما يملكون من أجل الوصول للولايات المتحدة".
وحسب مصدر تحدث إلينا من السفارة الموريتانية في واشنطن، فضل عدم الكشف عن هويته، فإنه يجب تطبيق مقتضيات الاتفاق الذي تم بين سلطات البلدين. وطالب الموريتانيين بالتقيد بنظم الإقامة وضوابطها.
سفارة الولايات المتحدة سبق وأعلنت الأسبوع الماضي بدء "تنظيم رحلة خاصة بترحيل عدد كبير من الموريتانيين من الولايات المتحدة إلى موريتانيا لافتقارهم إلى تصريح قانوني يسمح لهم بالبقاء على الأراضي الأميركية".
وبررت السفارة عملية الترحيل بأنها تأتي في إطار جهود التعاون لإنفاذ قوانين الهجرة وإحباط محاولات الهجرة غير الشرعية، مبينة أن "الولايات المتحدة تعاونت مع الحكومة الموريتانية في تنظيم هذا الترحيل الذي يدخل ضمن الشراكة الأمنية بين البلدين، ضمن أولويات الأمن القومي المتمثلة في التزام أنظمة الهجرة ودعم سيادة القانون".
جاءت عملية ترحيل المهاجرين الموريتانيين غير النظاميين بعيد لقاء جمع السفيرة الأميركية في موريتانيا سينثيا كيرشت ووزير الداخلية واللامركزية الموريتاني محمد أحمد ولد محمد الأمين الأسبوع الماضي في نواكشوط.
وأوضحت وزارة الداخلية واللامركزية الموريتانية عبر صفحتها على "فيسبوك" أن "اللقاء خصص لبحث أوجه التعاون القائم بين البلدين وسبل تعزيزه، بخاصة في المجالات الموكلة لقطاع الداخلية".
عداد الخسائر
تقدر أرقام سلطات الهجرة الأميركية أعداد الموريتانيين الذين دخلوا أراضيها منذ عام 2022 بـ16 ألف موريتاني. ويعيش أغلب هؤلاء الشباب الذين يطلق عليهم في موريتانيا اسم (جالية الحائط) في إشارة إلى مسار رحلة هجرتهم إلى أميركا في ولايات الغرب الأوسط وجنوب الولايات المتحدة.
وحسب الصحافي المهتم بقضايا الهجرة محمد الدده فإن هذه الأرقام "تعد نزفاً غير مسبوق لهجرة شباب موريتانيا نحو ما يصفه البعض بالمجهول، ويعتقد المهاجرون أنه الهرب الموفق من الواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي يعيشه شباب البلاد، في ظل ارتفاع نسبة البطالة واستشراء الفساد والمحسوبية حسب ما يعتقد أغلب هؤلاء الشباب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقدر دراسات موريتانية حول موجة الهجرة التي عرفها الموريتانيون أخيراً عبر أميركا الجنوبية وما يتخللها من أخطار كبيرة أن كلف وصول الفرد من موريتانيا إلى الولايات المتحدة تصل إلى 4 ملايين أوقية (13 ألف دولار)، وهو مبلغ كبير يصعب تحصيله كل مرة، مما يجعل خيبة الأمل كبيرة بالنسبة إلى هؤلاء بعد ما بذلوا من المال والجهد وما تعرضوا له من الخطر للوصول إلى أميركا، ثم يتم ترحيلهم إلى موريتانيا من جديد.
فيما يكشف معهد الهجرة الهندوراسي في دراسة له عن ارتفاع سنوي كبير في أعداد المهاجرين الموريتانيين غير النظاميين من مهاجر واحد عام 2016 إلى 3703 مهاجرين في النصف الأول من عام 2023.
وبحسب المصدر ذاته فإن "من بين من عبروا بشكل غير نظامي من الموريتانيين إلى الأراضي الهندوراسية 252 قاصراً، و70 امرأة، وشخصين تتراوح أعمارهم بين 60 و70 سنة، بينما تتراوح أعمار 2226 من بين المهاجرين الذين مروا بمكاتب الهجرة ما بين 21 و30 سنة، فيما كانت أعمار 1240 منهم تتراوح ما بين 31 و40 سنة".
وتحدثت الإحصائية عن عبور 320 موريتانياً خلال هذه الفترة المذكورة ممن تتراوح أعمارهم ما بين 41 و50 سنة، إضافة إلى 31 مهاجراً تتراوح أعمارهم ما بين الـ50 والـ60 سنة.
حضور سياسي
شارك أغلب المهاجرين الموريتانيين غير النظاميين في الانتخابات التشريعية الأخيرة 2023 الذين منحت لهم قوانين الانتخابات الموريتانية الحق في التصويت لانتخاب نائب عن دائرة أميركا، أدلوا بأصواتهم لاختيار ممثلين لهم في البرلمان عن الدائرة للمرة الأولى بعد أن كان نائب تلك الدائرة يُصوت عليه نواب البرلمان الموريتاني، مما يطرح مشكل هذه الجالية بقوة، خصوصاً المرحلين من دون حقوق وليس لهم نشاط تجاري بعد عودتهم إلى أرض الوطن.
النائب البرلماني عن دائرة أميركا يحيى ولد اللود، أكد في تصريح صحافي سابق "أن الشباب لا يهاجرون بحثاً عن الحلم الأميركي بقدر ما هو هرب من الجحيم الموريتاني، وهم يهاجرون نحو الولايات المتحدة وأوروبا والخليج وأفريقيا بحثاً عن فرص للعمل، تؤمن لهم حياتهم وأسرهم، حين فقدوا الأمل في سياسات الحكومات".
ويؤكد أن المئات من الشباب الموريتانيين "يوجدون في السجون الأميركية، بحاجة إلى مساعدة، وهذا حق واجب على الدولة، سواء كانوا مهاجرين نظاميين أو لا".
تحد جديد
وينتظر آلاف المهاجرين أي خطوة تميز إيجابي تجاههم من السلطات الموريتانية، خصوصاً بعدما أنفقوا أموالهم في سبيل الحصول على منافع مادية من الهجرة، ورست بهم السفينة من جديد إلى أرض وطن فروا من واقعه الاجتماعي والاقتصادي الصعب، حسب محمدي الذي ينتظر موعد رحلته فى أي وقت.
وفي آخر ظهور إعلامي له، أعلن الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني عزم الحكومة إطلاق برنامج واسع النطاق خلال الأسابيع المقبلة لتعزيز تشغيل الشباب من خلال دعم الفرص الزراعية، مؤكداً أنه من خلال تسهيل حصول الشباب على التمويل المناسب على المديين الطويل والمتوسط، وكذا تطوير أدوات الدعم لريادة الأعمال الشبابية، ستنجح الحكومة في عكس منحنى البطالة.
وتعتبر موريتانيا بلداً شاباً حيث تشير التقديرات الرسمية إلى أن ثلاثة أرباع الموريتانيين دون سن الـ30، بينما تضرب البطالة أكثر من 30 في المئة.