Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

حرب غزة تدحرج كرتي "معاداة السامية" و"الإسلاموفوبيا" حول العالم

شرطة لندن تسجل 218 حادثة في إطار كراهية اليهود بأول 18 يوماً من الشهر الماضي مقارنة بـ15 خلال الفترة نفسها عام 2022

تظاهرة ضد "معاداة السامية" في فرانكفورت الألمانية (أ ف ب)

ملخص

أحداث الشرق الأوسط تؤثر بشكل كبير في الأوضاع الأمنية بأوروبا التي يقطن فيها مهاجرون من مختلف العرقيات والإثنيات والجنسيات والانتماءات الدينية

قبل أيام وصل قائد القوات الجوية الألمانية إنغو غيرهارتس إلى إسرائيل في زيارة تضامن مع تل أبيب. وقبل وصول غيرهارتس كان المستشار الألماني أولاف شولتز قد صرح بأن بلاده تعتبر أن كل من يهاجم اليهود في ألمانيا كأنه يهاجمنا جميعاً. ودعا الألمان إلى "حماية اليهود في مواجهة الحوادث المعادية للسامية".

والحوادث التي تصنف في إطار معاداة السامية بألمانيا عددها المستشار الألماني على سبيل التعداد لا الحصر مثل "إحراق الأعلام الإسرائيلية الذي يعد جريمة جنائية في ألمانيا، والتصفيق لمقتل الأبرياء هو جريمة جنائية"، بحسب قوله، و"ترديد هتافات معادية لليهود جريمة"، وكان شولتز يرد على تظاهرات السبت والأحد الماضيين، إذ تظاهر عشرات الآلاف في العاصمة الألمانية برلين دعماً لحق الفلسطينيين في دولة مستقلة، وتنديداً بالقصف الإسرائيلي على قطاع غزة. وكما هو الحال في كل أنواع التظاهرات، فقد رفع المتظاهرون الأعلام الفلسطينية، وهتفوا مطالبين بإيقاف "الإبادة الجماعية"، و"تحيا فلسطين"، و"فلسطين حرة"، وانتقدت بعض مجموعات المتظاهرين الدعم المالي والعسكري الألماني لإسرائيل.

"معاداة السامية" في أوروبا

ربطاً بهذه المقدمة، كانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد أصدرت تقريراً عرضت فيه بلاغات من دول أوروبية عدة تؤكد الارتفاع غير المسبوق في حوادث "معاداة السامية" منذ بدء الأعمال العسكرية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وقد تكون الأرقام الواردة من ألمانيا مبرراً لخطاب شولتز حول أهمية معاقبة كل من يظهرون أي شكل من أشكال "معاداة السامية"، فقد سجلت هيئة أبحاث حكومية متخصصة في متابعة قضايا معاداة السامية في برلين وقوع 202 حادثة "معادية للسامية" بين 7 و15 أكتوبر الماضي، مقارنة بـ59 حادثة في الأسبوع نفسه من 2022.

وكان المستشار الألماني أولاف شولتز من أوائل الزعماء الأوروبيين الذين زاروا إسرائيل إعلاناً لدعمها المطلق في ما اعتبره "الدفاع عن نفسها" في مواجهة الإرهاب، بعد أحداث الأسبوع الأول من الشهر الماضي.

سجلت شرطة العاصمة البريطانية لندن 218 حادثة في إطار "معاداة السامية" في أول 18 يوماً من الشهر الماضي، مقارنة بـ15 حادثة خلال الشهر نفسه من عام 2022. وتلقى مراقبو المجتمعات المحلية في المملكة المتحدة 600 بلاغ من هذا النوع في أنحاء البلاد بين 7 و23 أكتوبر الماضي، مقارنة بـ81 في الفترة نفسها من 2022. وكان رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك قد أعلن دعم بلاده لكل ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية للدفاع عن نفسها بعد هجوم مجموعات المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة على مستوطنات الغلاف.

ومن الواضح في المقارنة مع عدد الحوادث في العام الماضي أن العوامل السياسية ومجرياتها في الشرق الأوسط تؤثر بشكل كبير في الأوضاع الأمنية في أوروبا والتي يقطن فيها مهاجرون من مختلف العرقيات والإثنيات والجنسيات والانتماءات الدينية، بحسب تقرير "هيومن رايتس ووتش" الأخير.

وفي فرنسا أيضاً أعلن وزير الداخلية في حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون الذي دعمت بلاده الأعمال العسكرية التي يقوم الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة خلال زيارته إلى إسرائيل، أنه حتى يوم 24 أكتوبر الماضي كان قد وقعت 588 حادثة تصنف في إطار "معاداة السامية"، وأجرت القوى الأمنية 336 اعتقالاً مرتبطاً بهذه الأعمال.

"الإسلاموفوبيا" الأوروبية في المقابل

يرجع العدد الكبير من الأحداث المصنفة في إطار "معاداة السامية" إلى حجم الأعمال الحربية الهائل الذي يقع في الشرق الأوسط بين فريقين، الأول يمثل السامية، والثاني يمثل المسلمين أو العرب الذين يعيشون في أوروبا كمواطنين للدول التي يقيمون فيها أو كمهاجرين. والأحداث التي تدخل في إحصاءات السلطات تشمل الاعتداءات الجسدية والتهديدات وخطاب الكراهية الموجه إلى الأشخاص والحوادث التي تستهدف المؤسسات والمنازل اليهودية، مثل إضرام النار المتعمد في دور العبادة اليهودية أو رسم "نجمة داوود" على منازل اليهود.

في المقابل أحصت السلطات الأوروبية جرائم كراهية مرتبطة بالمسلمين المصنفة في إطار "الإسلاموفوبيا" في الدول الأوروبية نفسها، وقد أوردها تقرير "هيومن رايتس ووتش" بعد ارتفاع عددها بشكل حاد أيضاً. فوفقاً لشرطة لندن وقعت 101 جريمة بالعاصمة البريطانية في أول 18 يوماً من أكتوبر الماضي، بينما تم الإبلاغ عن 42 حادثة خلال الفترة نفسها من عام 2022. وسجلت إحدى المؤسسات المعنية بالحوادث المعادية للمسلمين 291 حادثة في المملكة المتحدة في الفترة من 7 إلى 19 أكتوبر الماضي، بزيادة ستة أضعاف عما كانت عليه في الفترة نفسها عام 2022.

ويكمل تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" أنه "لسوء الحظ لم تنشر الدول الأخرى إحصاءات حول حوادث كراهية الإسلام المبلغ عنها منذ 7 أكتوبر". واعتبرت المنظمة أن نقص البيانات يعوق الاستجابة السياسية الفعالة لجرائم الكراهية هذه. إلا أن وسائل الإعلام نشرت في 13 أكتوبر، حول حادثة تعرض مدرس فرنسي للطعن حتى الموت في مدرسة فرنسية، وزعمت السلطات الفرنسية أن التلميذ القاتل أعلن الولاء لـ"داعش" قبل الهجوم. واستخدم وزير الداخلية الفرنسي حادثة الطعن لتبرير التشديد بمشروع قانون الهجرة وتسهيل طرد الرعايا الأجانب الذين يشتبه في صلاتهم بـ"الأيديولوجيات المتطرفة". أما وزير الداخلية الألماني فقد دعا بشكل علني إلى ترحيل الأشخاص، سواء كانوا مقيمين أو حاملي جنسية ألمانية من المهاجرين الذين يعبرون عن دعمهم لـ"حماس".

"معاداة السامية" و"الإسلاموفوبيا" في القوانين الدولية

تدين مجموعة من الأدوات القانونية الدولية التمييز ضد اليهود أو ما اتفق على تسميته قانونياً وحقوقياً في المعاهدات والمواثيق الدولية "معاداة السامية" الذي يشير إلى كل فعل أو قول فيه تحامل وكراهية أو تمييز ضد اليهود.

ولا تضع القوانين والمواثيق الدولية "معاداة السامية" كجزء من إطار عام لرفض العنصرية والتمييز وخطاب الكراهية بجميع أنواع في المجتمعات الإنسانية، بل إنها تشير بالتحديد إليها، ويرجع محللون سياسيون كثر هذا التأكيد والوضوح في الإشارة إلى جريمة "معاداة السامية" في المواثيق الدولية إلى الإجرام الهائل الذي تعرض له اليهود في أوروبا على يد النظام النازي الألماني والفاشي الإيطالي والكتائبي الإسباني ونظام بيتان في فرنسا، عدا عن ملاحقتهم من قبل بلاشفة الاتحاد السوفياتي في عهد ستالين استكمالاً لعملية ستالين الفولاذية في طرد القيادات اليهودية من الحزب الشيوعي الروسي المنتصر، والتي كان يمثلها غريمه تروتسكي.

من بين المواثيق الدولية تحظر المادة الثانية من "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، التمييز على أي أساس كان، سواء العرق والدين والإثنية واللون والجندر والثقافة واللغة وغيرها من مستويات التمييز المختلفة، وتم تحديد التمييز ضد اليهود من بينها، كانتهاكات للمبادئ المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

أما في الاتفاق الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (ICERD) فقد ألزمت الأطراف الموقعة عليها، وهي معظم دول المجتمع الدولي الإنساني، بمكافحة التمييز العنصري وتعزيز التسامح، وعلى رغم أن الاتفاق لا تذكر بصراحة "معاداة السامية" أو (الأنتي سيميتيزم)، إلا أن اليهود يلجأون إليها في كثير من الأحيان لتصنيف أنواع من الحوادث والأعمال والتصرفات كتمييز ضدهم حول العالم.

هناك أيضاً الحلف الدولي للتذكير بالهولوكوست (IHRA)، وهو منظمة دولية اعتمدت تعريفاً يسمى التعريف العملي لـ"معاداة السامية"، والذي يسهم في تعريف وتحديد الأعمال والأقوال التي يمكن وضعها في خانة "معاداة السامية".

أما في إطار تشريعات الاتحاد الأوروبي فهناك مؤسسة "مكافحة العنصرية والكراهية" التي اعتمدها الاتحاد كتشريع يجرم خطاب الكراهية والتحريض على العنف أو الكراهية ضد الأفراد أو الجماعات استناداً إلى سمات معينة، بما في ذلك الدين. ويستخدم هذا التشريع لمكافحة "معاداة السامية" داخل دول الاتحاد الأوروبي. ومن ناحية ثانية وضع عديد من البلدان تشريعات وأنظمة قانونية خاصة بها تتعامل مع جرائم الكراهية والتمييز، بما فيها "معاداة السامية"، وقد أضافت إليها بعض هذه الدول تشريعات تتعلق بـ"معاداة الإسلام" أو "الإسلاموفوبيا"، الآخذة بالانتشار والاتساع في أنحاء أوروبا منذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 والعمليات الإرهابية التي طاولت العواصم الأوروبية من بعدها وعلى رأسها مجزرة مجلة شارلي إيبدو في العاصمة الفرنسية باريس.

ويشير مصطلح "إسلاموفوبيا" لوصف التعرض أو التحامل أو الكراهية أو العداء اللفظي أو العنفي أو التمييز الاجتماعي ضد معتنقي الدين الإسلامي ومفاهيمهم. وعلى رغم انتشار هذه الظاهرة في العقدين الماضيين في أوروبا والولايات المتحدة وأنحاء مختلفة من العالم بسبب الأعمال التي قامت بها جماعات صنفت في إطار "الإرهاب العالمي"، وقد تم تخصيصها باسم "المجموعات الإرهابية الأصولية"، فإنه لا يوجد قانون دولي واحد يعاقب على معاداة المسلمين والإسلام، بحسب محرك البحث "غوغل". ويتم التعامل مع الأحداث التي تدخل في إطار التمييز ضد المسلمين على أساس المواثيق الدولية وشرعة حقوق الإسلام التي تدين كل أنواع التمييز، ومنها التمييز الديني.

وأصدرت دول عديدة أخيراً قوانين ولوائح داخلية لمعالجة خطاب الكراهية ضد المسلمين، من بينها الولايات المتحدة الأميركية وعدد من الدول الأوروبية على رأسها ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وهولندا والسويد، وقد أشار الرئيس الأميركي جو بايدن في أحد خطاباته الأخيرة تعليقاً على نتائج الأحداث الجارية في الشرق الأوسط منذ السابع من أكتوبر الماضي على الداخل الأميركي، أنه بات على الحكومة الأميركية وسواعدها الأمنية والقانونية العمل بجدية من أجل تطويق ظاهرة "الإسلاموفوبيا" ومعاداة المسلمين الأميركيين وهي طائفة تضم عدداً كبيراً داخل الولايات المتحدة.

الأسباب قبل وبعد 7 أكتوبر

أسهمت الهجمات الإرهابية والصراعات في الشرق الأوسط وصعود الجماعات المتطرفة في تكريس الصور النمطية السلبية للمسلمين واليهود على حد سواء. تلك الأحداث زادت من مستوى الخوف والقلق والتحامل بين أصحاب الدينين. وتشير مراكز أبحاث يهودية وأميركية وعربية إلى أسباب تتفق عليها أدت إلى تصاعد مثل هذه الظواهر، فعدا السبب الأول فقد أدت الأزمات الاقتصادية وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط إلى ارتفاع حدة الخلافات بين الأقليات الدينية التي قامت في مناسبات مختلفة بعمليات انتقامية متبادلة، سواء في فلسطين أو العراق أو سوريا أو لبنان ومصر وتونس والمغرب، وكان تنظيم "داعش" قد عجل بتصاعد هذه الوتيرة، ناهيك بالقوة المستجدة التي حصلت عليها الفصائل الشيعية في الشرق الأوسط بعد انتهاء ما سمي "الربيع العربي" الذي طاف في أنحاء العالم العربي منذ عام 2011 مغيراً الأنظمة السياسية والاجتماعية أحياناً.

ولم يتوقف معظم السياسيين والحركات السياسية في الشرق الأوسط بدعم من أطراف خارجية متصارعة عن الترويج لخطاب وآراء وصور نمطية تمييزية بين الجماعات الكثيرة القاطنة في المشرق العربي ومجمل الشرق الأوسط. وكان لوسائل التواصل الاجتماعي دورها أيضاً في نشر خطاب الكراهية والأيديولوجيات المتطرفة كما هي حال وسائل الإعلام التقليدية كالفضائيات التي بات عددها لا يحصى، وكل منها تملك خطابها الترويجي لفريق أو لجماعة أو لأيديولوجيا، ما كرس الصور النمطية والتصورات السلبية حول المسلمين واليهود معاً عبر خلط الخلاف السياسي بالعادات والتقاليد والمفاهيم التي تميز كل فئة عن الأخرى. وهذا الرأي تجتمع عليه معظم مراكز الدراسات الأوروبية والأميركية والعربية التي تبحث في مواضيع ارتفاع حدة خطاب الكراهية المتبادل بين المسلمين واليهود حول العالم قبل وبعد الحرب في قطاع غزة، والتي لم تتوقف بعد.

المزيد من تقارير