ملخص
يرى البعض أن حكومة الحشاني مجردة من الصلاحيات فيما يؤكد آخرون أنها لا تتمتع بإرادة حقيقية لإحداث أي تغيير
أنهى رئيس الوزراء التونسي، أحمد الحشاني، 100 يوم في منصبه ما دفع بسياسيين ومراقبين لإطلاق ما يشبه عملية الجرد لما حققه المسؤول وما عجز عنه، في تقليد بات مألوفاً في البلاد التي شهدت ديمقراطية نادرة في المنطقة على رغم تعثراتها.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قد عين الحشاني خلفاً لرئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن، وذلك في خضم أزمات عدة تحاصر البلاد بدءاً من اقتصادها الذي يترنح وليس نهاية بالجفاف المستمر منذ سنوات عدة.
وعلى رغم ذلك، فإن الحشاني لا يزال متكتماً بشكل كبير إزاء ملفات حساسة مثل رفع الدعم وإصلاح المنشآت العمومية المأزومة، وهو قليل الظهور الإعلامي أو في التحركات الميدانية، فيما يترقب النواب في البرلمان التونسي الواقع في باردو وسط العاصمة، حضوره في الأيام المقبلة للدفاع عن الموازنة التي يسعى إلى إقرارها.
لا إرادة ولا سياسات واضحة
الحشاني تولى منصبه في أغسطس (آب) الماضي، لكن اللافت أنه منذ ذلك الحين لم يجر أي تعديل على الفريق الحكومي الذي وجده، وهو ثاني من يتولى رئاسة الوزراء بعد بودن منذ إقرار الرئيس سعيد التدابير الاستثنائية في 25 يوليو (تموز) 2021 واستئثاره بمعظم الصلاحيات.
والحشاني البالغ من العمر 66 سنة هو عاشر رئيس حكومة في تونس بعد احتجاجات يناير (كانون الثاني) 2011، التي أطاحت الرئيس السابق زين العابدين بن علي، ووضعت حداً لحكم استمر 23 عاماً وعبدت طريق البلد إلى ديمقراطية متعثرة.
ويقول رئيس كتلة "الخط الوطني السيادي" في البرلمان، يوسف طرشون، إن "ما نعيشه مع أحمد الحشاني هو غياب تام للوضوح تجاه مسائل مهمة عدة مثل الدعم وإصلاح المؤسسات العمومية وملف الاقتراض من الخارج وغير ذلك، حتى إننا إلى حد الآن لم نقرأ له أي تصريح أو موقف من سياسات محددة".
طرشون في حديث لـ"اندبندنت عربية" قال "لا نرى إرادة حقيقية لإحداث التغيير المنشود لأن هذا التغيير يتطلب تخطيطاً وعملاً وهذا ما لا نراه الآن على رغم أننا نعلم أن الحشاني وفريقه الحكومي وجدا تركة ثقيلة من مديونية وأزمات في قطاعات كثيرة ورثها من العشرية الماضية".
ويتعهد الرئيس قيس سعيد، الذي يملك بحسب الدستور الجديد صلاحية رسم السياسات العامة للدولة، بينما تتولى الحكومة تنفيذ تلك السياسات، بقيادة البلاد نحو إصلاح شامل يمس التعليم والاقتصاد المترنح وغير ذلك، لكن الوضع لم يتغير كثيراً منذ 25 يوليو، تاريخ نجاحه في إحداث زلزال سياسي بإطاحة البرلمان والحكومة المدعومين آنذاك من "حركة النهضة الإسلامية".
وعلى رغم رفض تونس لما أسمته بـ "إملاءات صندوق النقد الدولي" من أجل منحها تمويلاً يقدر بحوالى 1.9 مليار دولار، وتشمل تلك الإملاءات رفعاً للدعم الذي توفره للسلع الأساسية والتفويت في المؤسسات العمومية، إلا أن السلطات لم تقدم بعد بدائل حقيقية عن الصندوق، وكان الرئيس سعيد دعا التونسيين "إلى التعويل على الذات في مواجهة الأزمة"، فيما لم يعلق الحشاني عنها أصلاً.
وقال طرشون إن "المشكل ليس في الحشاني لوحده، لكن الوزارات نفسها لا نرى فيها أي نفس إصلاحي، نريد أن نرى خططاً لإصلاح التعليم، لإنقاذ المؤسسات العمومية والعمل على استعادة النسق العادي للإنتاج في البلاد، إنتاج الفوسفات وغيره من المواد، لذلك نحن نطالب بتعديل حكومي أو حكومة على الأقل لها توجهات واضحة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حكومة مجردة من الصلاحيات
وخارجياً اكتفى الحشاني إلى حد الآن بزيارة وحيدة قادته إلى الجزائر أخيراً، فيما لم يعلق على الحرب التي تدور رحاها في قطاع غزة بين حركة "حماس" وإسرائيل بعكس وزير خارجيته نبيل عمار الذي دان باستمرار الهجوم الإسرائيلي.
ويرى مراقبون أن الحشاني مكبل في منصب رئيس الوزراء، حيث يعد هامش التحرك لديه محدوداً بالنظر إلى أن صلاحيات رسم سياسات الدولة يعود حصراً إلى الرئيس قيس سعيد، بحسب الدستور الجديد.
وفي هذا السياق ركز رئيس الجمهورية في الآونة الفائتة خطابه على ضرورة "تطهير الإدارة" في إشارة إلى مراجعة التعيينات والتوظيف الذي تم لعشرات الآلاف من الموظفين، وهي تعيينات يرى الرئيس سعيد أنها تمت على أساس "المحاباة والولاء" وليس الكفاءة.
وقال المحلل السياسي التونسي، الجمعي القاسمي، إن "حكومة الحشاني في الواقع هي حكومة ظل لا حركة ولا صوت ولا فعل لها، الحشاني لم نسمع له صوتاً منذ أكثر من ثلاثة أشهر ولم نر له أي نشاط فعلي أو حقيقي يعكس توليه منصب رئيس حكومة".
وأكد القاسمي أنها "حكومة مجردة من الصلاحيات ولا تقوم بأي شيء لذلك أبقى على أغلبية وزراء الحكومة التي سبقته، لأن حكومته تأتمر بحسب نص الدستور بتوجيهات الرئيس قيس سعيد الذي هو معني بتوجيه الحكومة، حتى خارجياً لم نر للحشاني أي موقف بخلاف وزير الخارجية والرئيس قيس سعيد اللذين علقا على أحداث غزة بينما هو لازم الصمت".
ومن غير الواضح ما إذا سيقنع الحشاني سعيد بأدائه خصوصاً أن الرئيس التونسي لم يتردد في المراهنة على استراتيجية إقالة الوزراء كل على حدة وتعويضهم بآخرين، والأهم هو أنه قد يسعى إلى ولاية ثانية عشية الانتخابات الرئاسية، وهو ما يجعله يبحث عن منجزات يدخل بها السباق.
ولم تحقق تونس تقدماً قوياً في ملف استرداد الأموال المنهوبة الذي تعمل عليه لجنة شكلها الرئيس سعيد منذ فترة، فيما شهدت البلاد في الساعات الماضية إيقافات جديدة شملت رجلي الأعمال، عبدالرحيم الزواري (وزير سابق في عهد الرئيس بن علي أيضاً) ومروان مبروك (صهر بن علي وأحد من أثرى رجال الأعمال في تونس).
ويرى القاسمي أن "تحقيق منجز في هذه الفترة أمر صعب في الواقع، إذ هناك مؤسسات عمومية تواجه شبح الإفلاس ويصعب إصلاحها في غضون أشهر قليلة، أيضاً هناك ملف الدعم وهو ملف حساس جداً يصعب حسمه، والأملاك المصادرة وغيرها، في اعتقادي أن الأزمات المتراكمة تستوجب سرعة استجابة لها، ورئيس وزراء له نظرة ثاقبة واستراتيجيات مسبقة لمباشرة الإصلاحات فور توليه المنصب".