ملخص
بعد الزج برئيسها راشد الغنوشي في السجن والصراعات الداخلية وموجة الاستقالات والصعوبات المالية التي تواجهها، هل بقي في حركة "النهضة" ما يضمن لها الوجود الفعلي في المشهد السياسي التونسي؟
لطالما كانت حركة "النهضة" ذات المرجعية الإسلامية في تونس تفاخر بكونها الحزب الأكثر تماسكاً والأوسع قاعدة شعبية في المشهد السياسي في البلاد، ولئِن ارتبط اسم الحزب بمنظومة الحكم طيلة عقد من الزمن السياسي في البلاد بين 2011 و2021، فإن إجراءات 25 يوليو (تموز) 2021 التي بدأها رئيس التونسي قيس سعيد شكلت منعرجاً في الحياة السياسية للحركة التي تمكنت من مفاصل الحكم والدولة، إلا أنها لم تصمد أمام تلك الإجراءات الاستثنائية والتي تم بمقتضاها تجميد أعمال البرلمان المنتخب برئاسة رئيس الحركة راشد الغنوشي، ورفع الحصانة عن نوابه، وإقالة حكومة هشام المشيشي.
ولم يكن رد فعل الحركة بحجم إجراءات 25 يوليو، وبقيت صورة الغنوشي وعدد قليل من النواب أمام البرلمان في ساحة باردو راسخة في الأذهان، وأظهر ذلك مؤشرات على بداية تراجع حركة "النهضة" وتقلص حضورها في المشهد السياسي بتونس.
اليوم وبعد أكثر من عامين على إجراءات 25 يوليو 2021، هل ما زالت حركة "النهضة" تملك حضوراً سياسياً، وأي مستقبل لهذه الحركة في المشهد السياسي مستقبلاً؟
لم تنجح "النهضة" في وضع سياسات عمومية ناجعة تمكنها من تأصيل حكمها من خلال خلق الثروة وتلبية حاجيات التونسيين في العيش الكريم، وتفطن أغلب المواطنين إلى أن الحركة تستثمر وجودها في الحكم وتستفيد من السلطة من دون أن تسعى لتغيير نمط الحكم ووضع سياسات عمومية تخلق الثروة وتحدث فرص العمل التي طالب بها التونسيون منذ 2011.
وكانت جميع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية تنذر بالانهيار خصوصاً مع تفشي فيروس "كورونا" وعجز حكومة هشام المشيشي حينها عن توفير اللقاحات علاوة على أن تنامي البطالة وإغراق البلاد في الدين الخارجي يدل على تهاوي الحركة التي استمرت في المكابرة ولم تقم بالمراجعات الضرورية لتضمن ديمومتها في الحكم والمشهد السياسي.
الحركة لن تعود كما كانت
ويرى المتابعون للمشهد السياسي في تونس أن حركة "النهضة"، بعد عامين من حكم قيس سعيد تحت غطاء دستوري جديد ومؤسسات مختلفة من برلمان وحكومة، فقدت بريقها السياسي خصوصاً بعد أن تم الزج برئيسها راشد الغنوشي في السجن وإغلاق مقراتها المركزية والجهوية.
ويؤكد الكاتب الصحافي المتخصص في الشأن السياسي نزار مقني أن "حركة النهضة لن تعود إلى المشهد السياسي كما كانت من قبل، لعدة اعتبارات خارجية وداخلية، من بينها أن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين يعاني انقساماً، وهو ما ألقى بظلاله على حركة النهضة، بينما تراجع منسوب الدعم الدولي والإقليمي في السنوات الأخيرة".
ويضيف مقني أن "حركة النهضة بدأت تتفكك، خصوصاً بعد أن شهدت عديد الاستقالات في قيادات الصف الأول والصف الثاني، وإثر تعنت رئيس الحركة ورفضه الاستجابة لمطالب الإصلاح الداخلية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويلفت إلى أن "ولادة أحزاب تشتغل في حقل الإسلام السياسي مثل حزب (العمل والإنجاز) لوزير الصحة السابق، عبداللطيف المكي، ووجود رئيس الحركة في السجن وتتبع قياداتها قضائياً، أضعف الحركة سياسياً وأربك قواعدها".
وفي الأثناء، "تواجه قيادات الحركة صراع أجنحة بداخلها بين من يرى ضرورة فتح قنوات الحوار مع السلطة الراهنة وعدم مقاطعتها، وبين من يرفض ذلك رفضاً قطعياً".
كما يعرج مقني على الحياة السياسية في تونس واصفاً إياها بـ"المشهد المنقسم بين سلطة مسيطرة على تفاصيل الحياة السياسية والفضاء العام ومعارضة مشتتة ومتناقضة وأغلب قياداتها في السجون".
ويضيف أن "المعارضة في تونس بدأت تفقد بريقها حتى قبل 25 يوليو 2021، من خلال تنامي الصراعات بداخلها وغياب الإدارة الديمقراطية لشؤونها الداخلية".
من جهة أخرى، لا يستبعد مقني أن "تعود حركة النهضة للعمل السري إلى أن تمر العاصفة لتستعيد تموقعها في المشهد السياسي" مستبعداً عودة قوية للحركة لأن "سرديتها القائمة على المظلومية والإقصاء فقدت وجاهتها وفعاليتها لدى عموم التونسيين".
العودة ممكنة برؤية جديدة
في المقابل، تأمل قيادات "النهضة" أن "تعود الحركة إلى المشهد السياسي بعد سلسلة نقاشات داخل مجلس شورى الحركة واختيار أمانة عامة جديدة من أجل دمقرطة الحزب ونضج خطه السياسي والذهاب إلى عقد مؤتمر الحركة من أجل عودتها إلى المشهد السياسي برؤية سياسية جديدة".
وترى القيادية في حركة النهضة والنائبة السابقة يمينة الزغلامي في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "الخيارات التي انتهجتها عديد الأحزاب وانخرطت فيها حركة النهضة قامت على ترذيل الحياة السياسية في تونس، والأحزاب اليوم تجني ثمار أخطاء السياسيين".
وتعتقد النائبة السابقة عن الحركة أن "تونس كانت في فضاء مفتوح من الحرية والديمقراطية، بينما تواجه قيادات الحركة اليوم التضييق والتنكيل"، معتبرة أن "حركة النهضة كانت من الأحزاب الكبرى في البلاد، إلا أنها لم تكن في الموعد مع الإصلاحات التي كان من الضروري اتخاذها من جهة الممارسة الديمقراطية داخل الحزب وتنظيم مؤتمر الحزب".
وتلفت الزغلامي إلى أن الذين "غادروا حركة النهضة، لم يحققوا مكسباً سياسياً جديداً"، مشيرة إلى أن "من بقي في الحزب متشبث بخياراته ومتمسك بضرورة إنجاز مؤتمر الحركة"، ملقية باللوم على منظومة الحكم الراهنة التي أغلقت مقرات الحركة التي "باتت عاجزة على الفعل السياسي".
مقرات الحركة مغلقة
يُذكر أن قوات الأمن التونسية أغلقت كافة مقرات الحزب بما فيها المقر المركزي في العاصمة، ومنعت العاملين من الدخول إليها، منذ أبريل (نيسان) 2023.
وقالت عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة زينب البراهمي، في تصريحات صحافية إن "المالك الأصلي للمقر الرئيس للحركة بالعاصمة طالبهم بتسديد مستحقات الإيجار وهي مبالغ مالية كبيرة، بينما المقر ما زال مغلقاً، وتحت تصرف الجهات الأمنية والقضائية، منذ ثمانية أشهر، وتعجز الحركة اليوم على تسديد تلك الديون".