Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

كيف انهارت قصة نجاح سياسي في البرتغال؟

قاد أنطونيو كوستا بلاده خلال مرحلة من النمو الاقتصادي القوي لكن تحقيقاً في الفساد أجبره على التخلي عن منصبه على رغم إصراره على البراءة والانتخابات المقبلة ستكون الثانية التي تجريها البلاد في غضون عامين

رئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا يخاطب الأمة هذا الأسبوع (أ ف ب/ غيتي)

ملخص

أدت رزم نقود عُثر عليها في أحد مكاتب المقر الرسمي لرئيس الوزراء البرتغالي إلى سقوط إحدى قصص نجاح اليسار الأوروبي مع استقالة الزعيم الاشتراكي للبلاد بسبب تحقيق في فساد مزعوم.

أدت رزم نقود عُثر عليها في أحد مكاتب المقر الرسمي لرئيس الوزراء البرتغالي إلى سقوط إحدى قصص نجاح اليسار الأوروبي مع استقالة الزعيم الاشتراكي للبلاد بسبب تحقيق في فساد مزعوم.

والآن تتجه البرتغال نحو انتخابات مبكرة العام المقبل بعد أن صدم أنطونيو كوستا البلاد باستقالته بسبب التحقيق.

وقد عثرت الشرطة على أكثر من 75 ألف يورو (81 ألف دولار أميركي) نقداً في مكتب رئيس كبير موظفي كوستا فيتور إسكاريا الذي قال محاميه إنه لم يتم الحصول على الأموال بطرق غير قانونية.

في سلسلة من المداهمات، ألقت الشرطة القبض على خمسة أعضاء من الحلقة الضيقة لرئيس الوزراء في تحقيق بشأن مخالفات محتملة في عقود مناجم الليثيوم ومشاريع الهيدروجين الأخضر المرتبطة بالحكومة.

وفاجأ كوستا البلاد باستقالته في غضون ساعات من المداهمات الأسبوع الفائت، في الوقت الذي أعلن أنه غير مذنب بارتكاب أي مخالفات.

وقال في مؤتمر صحافي: "أعتقد أن مسؤوليات رئيس الوزراء يجب ألا يشوبها أي شك في ما يتعلق بالنزاهة... ونظراً لهذه الظروف، قدمتُ استقالتي إلى رئيس الجمهورية".

وأضاف في خطاب متلفز يوم السبت الفائت: "إن ضبط مظاريف الأموال في مكتب شخص اخترتُه لهو أمرٌ يؤلمني ويضعني في موقف حرج أمام البرتغاليين وأنا مدينٌ لهم بالاعتذار".

ويبدو هذا التطور وكأنه يمثل ختام مسيرة رجل كان يُنظر إليه على أنه قصة نجاح نادرة لليسار في أوروبا خلال السنوات الأخيرة بفضل قيادته لإحدى أفضل الاقتصادات أداءً في القارة، مع نمو متوقع بنسبة 2 في المئة هذا العام.

 

كوستا الذي اُشتهر بقدرته على إبرام اتفاقات غير متوقعة، كان قد توصل إلى اتفاق ائتلافي مفاجئ مع الحزب الشيوعي، العدو التقليدي للاشتراكيين، وفاز بفترة ولايته الثالثة في منصبه بغالبية مطلقة في انتخابات مبكرة العام الماضي.

بعد استقالته، ستتوجه البرتغال إلى صناديق الاقتراع في 10 مارس (آذار) المقبل، للمرة الثانية خلال سنتين. وقال الرئيس مارسيلو ريبيلو دي سوزا إنه سيحل البرلمان بعد التصويت على مشروع قانون ميزانية عام 2024 المقرر في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري.

برأي محللين فإن التحقيق في الفساد الذي أسقط الزعيم البرتغالي لم يكن سوى القضية الأحدث في فساد أثار انتقادات متزايدة للحزب الاشتراكي.

ويخضع مستشارو كوستا، بمن فيهم صديق دراسته في كلية الحقوق ديوغو لاسيردا، للتحقيق في الكسب غير المشروع. واعتقلت الشرطة كبير موظفي كوستا ومستشاراً مقرباً، إلى جانب المستشار الاشتراكي لمدينة سينيس الساحلية جنوب لشبونة. كما اعتُقِل اثنان من المديرين التنفيذيين من شركة بيانات.

وقال ممثلو الادعاء إن وزير البنية التحتية، جواو غالامبا، ورئيس وكالة البيئة من بين المشتبه فيهم، وإن رئيس الوزراء يخضع أيضاً للتحقيق.

أندريه فريري، الخبير السياسي في معهد جامعة لشبونة، ذكر لـ "اندبندنت" أنه "[مختلف الوزراء] واجهوا مشكلات في الماضي. لكن كوستا لم يفرض عليهم نفس قواعد السلوك الصارمة التي طبقها على نفسه... ما يجعل الوضع الراهن أمراً غير عادي هو أن بعض الأشخاص المتورطين هم من الدائرة المقربة لرئيس الوزراء. هذا هو جوهر القضية. اكتُشِف أن لدى كبير موظفي كوستا 75 ألف يورو نقداً مخبأة في الكتب وزجاجات النبيذ في مكتبه. إنه أمر غير عادي حقاً! لهذا السبب كان على كوستا الاستقالة".

 

ويبحث التحقيق في الفساد أيضاً في منح الحكومة عقوداً لمشروعين كبيرين لتعدين الليثيوم. يأتي ذلك في الوقت الذي تنافس فيه البرتغال للفوز بمكانة لنفسها في سلسلة إنتاج تصنيع البطاريات المزدهرة في أوروبا. وتدعي البرتغال أن لديها أكبر رواسب من خام الليثيوم، وهو معدن يأتي في معظم الأحيان من أستراليا وتشيلي والصين.

وفي التفاصيل، قامت الهيئة التنظيمية البيئية في البلاد في مايو (أيار) الفائت، بمنح الموافقة على منجم مفتوح ضخم في منطقة باروسو في شمال البرتغال. وصدرت الموافقة على منجم آخر في منطقة مونتاليغري، بالقرب من الحدود الإسبانية، في سبتمبر (أيلول). وقد واجه كلا المشروعين احتجاجات من السكان المحليين، الذين زعموا أنهما سيتسببان في أضرار بيئية للمنطقة.

يعود تحقيق المدعي العام البرتغالي إلى عام 2019 عندما زعم أحد المبلغين عن المخالفات أنه كانت هناك محاباة تجاه الشركات البرتغالية في منح عقد لمحطة طاقة هيدروجين خضراء ومركز بيانات في سينيس.

ويجري التحقيق مع جميع المتورطين في التحقيق بتهمة "الفساد المباشر وغير المباشر لشاغلي المناصب" و "استغلال النفوذ السياسي".

الجدير بالذكر أنه وعلى رغم إصراره على براءته، قال كوستا إنه لن يترشح لمنصب رئاسة الوزراء مرةً أخرى مهما كانت نتائج التحقيق.

وفي السياق نفسه، حذر ريبيلو دي سوزا الحكومة في أبريل (نيسان) الفائت بضرورة تصحيح مسارها بعد تحقيق منفصل في الفساد المزعوم في شركة طيران "تاب" Transportes Aéreos Portugueses المملوكة للدولة.

وأدت الفضيحة، التي أُطلِق عليها اسم "تاب غيت"، إلى استقالة أكثر من عشرة وزراء ووزراء دولة من مناصبهم.

وبدأ الجدل بعد عام تقريباً من الكشف عن حصول مديرة الشركة على حزمة مكافأة نهاية الخدمة بقيمة 435 ألف جنيه استرليني (542 ألف دولار أميركي). وبعد مغادرتها لمنصبها، عُينت ألكسندرا ريس رئيسة لشركة مراقبة الحركة الجوية "ناف" NAV التي تديرها الدولة. بعد ذلك، في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي عُينت وزيرة خزانة مبتدئة. وأثارت هذه الخطوة دعوات لإجراء تحقيق في الأمر وحتى لاستقالة كوستا.

 

وتخلى ما مجموعه 10 من كبار المسؤولين الحكوميين عن وظائفهم منذ فوز كوستا بالسلطة العام الماضي.

وقال الدكتور فريري إنه كان يُنظر إلى كوستا على المستوى الدولي على أنه قصة نجاح، لكن على المستوى المحلي يمكن أن يخضع المشهد السياسي في البرتغال لتغييرات. وقال: "قد ينتهي بنا المطاف بعد انتخابات العام المقبل بحكومة ائتلافية يجب أن تضم حزب تشيغا اليميني المتطرف".

وتُلقي الفضيحة التي أسقطت كوستا بظلالها على إرث سياسي أخرج البلاد من أزمة الديون وأطلق خطة إنقاذ بقيمة 78 مليار يورو (70 مليار جنيه استرليني) من صندوق النقد الدولي في عام 2011 لتغدو البرتغال نقطة جذب للمستثمرين والسياح على حد سواء.

قاد كوستا البلاد خلال فترة مزدهرة من النمو الاقتصادي القوي الذي خفضت خلاله حكومته عجز الميزانية وعبء الديون، ولاقت قيادته الاستحسان في جميع أنحاء أوروبا لسياساتها المالية.

وفي يوم السبت الفائت، وبينما أعرب عن احترامه للتحقيق في الفساد، دافع كوستا عن حق حكومته في القيام باستثمارات استراتيجية في مشاريع تهدف إلى تحفيز التنمية. وقال إن إدارته تصرفت دائماً "بامتثال صارم للقانون" مع "تعزيز التنمية الإقليمية وإزالة البيروقراطية وتعزيز الشفافية".

وأضاف: "يجب ضمان حرية العمل السياسي للحكومات البرتغالية المستقبلية في اتباع استراتيجيات مشروعة".

كما نال رئيس الوزراء الاشتراكي الثناء على سياسات حكومته التقدمية في مجال الرعاية الاجتماعية والصحية. لكنه تعرض لانتقادات لفشله في القيام بما يكفي لمعالجة أزمة تكلفة المعيشة. على سبيل المثال، ارتفعت أسعار المساكن نتيجة تقديم حوافز حكومية لجذب الأجانب الأثرياء، مثل التأشيرة الذهبية، منذ عام 2015، بينما كان أكثر من 50 في المئة من العمال يكسبون أقل من 1000 يورو شهرياً في العام الماضي، وفقاً للبيانات الحكومية.

وقال ميغيل مورغادو، أستاذ السياسة في الجامعة الكاثوليكية في لشبونة، وهو ناقد تلفزيوني ومنتقد شرس لكوستا: "كان لدى كوستا جوانب قوية للغاية حتى قدوم الجائحة. تركت الحكومة السابقة البلاد في حالة سيئة. وتمكن كوستا من الاستفادة من السياسة المتساهلة للبنك المركزي الأوروبي، وانخفاض أسعار النفط والسلع التي يتعين على البرتغال استيرادها. لقد استعاد مصداقية البرتغال في الأسواق المالية".

وافق كوستا على البقاء في منصبه رئيساً موقتاً للوزراء إلى حين إجراء الانتخابات المقبلة، لكنه أوضح قائلاً: "هذه نهاية مرحلة من حياتي".

© The Independent

المزيد من متابعات