ملخص
يزدهر وسط المآسي ليبعث الأمل في إيقاف الحرب.
على رغم توقف الأنشطة الفنية والفعاليات الثقافية في السودان بسبب الصراع المسلح، فإن المسرح وجد في الحرب بيئة مناسبة للتطور والازدهار، وشهدت المدن التي لم تطاولها المعارك عروضاً مسرحية وإنتاجاً كمياً ونوعياً عبر عن الدعوة إلى السلام وإيقاف القتال، فضلاً عن تنظيم ورش عمل لتعليم الشباب من الجنسين المهارات والمعارف الكافية حول صناعة العرض المسرحي.
ورصدت أعمال متنوعة التحولات التي طرأت على المجتمع السوداني خلال فترة الحرب إلى جانب تقديم أطروحات موضوعية على الخشبة تهدف إلى إنهاء الصراع المسلح وتعزيز سبل التعايش السلمي وبسط الاستقرار الاجتماعي في ولايات البلاد المختلفة.
إنتاج نوعي
وفي يونيو (حزيران) الماضي أقيم مهرجان المسرح الحر في مدينة كوستي وسط السودان، وقدمت عروضه في أحد مراكز إيواء النازحين الآتين من الخرطوم، وشهدت مدينة ود مدني بولاية الجزيرة جنوب العاصمة عروضاً مسرحية عن الصحة النفسية لدعم الفارين من ويلات الحرب، وكذلك أقام عدد من الدراميين أنشطة نوعية في مدينة بورتسودان شرق البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي المقابل نظمت منطقة صناعة العرض المسرحي السودانية فعاليات عدة تدعو إلى لسلام ونبذ الحرب إلى جانب قضايا تمكين المرأة ومشروع "مسرح البنات"، كما شهدت مسارح ولاية النيل الأزرق جنوب السودان العروض الختامية لورشة "مسرح البنات" التي تلقى فيها المتدربون جوانب نظرية وعملية شملت تمارين التمثيل والجسد والصوت وتصميم الأزياء والتدريبات التي تساعد في بناء شخصية المسرحي.
مقاومة وتنوير
واعتبرت الناقدة المسرحية السودانية ميسون عبدالحميد أن "المسرح واحد من أدوات المقاومة التي تستخدمها الجماهير في التنوير، فضلاً عن توظيف فن الحوار في الدفاع عن العنف والقبح الاجتماعي، لأن الصراع المسلح هو الأكثر عنفاً وتأثيراً في الإنسان".
ورأت عبدالحميد أن "نشاط المجموعات المسرحيات في ظل النزاعات والحروب أمر طبيعي وضروري من أجل الإسهام في حل الأزمة عبر الحوار المسرحي الخلاق والخطاب الجمالي الداعي إلى نبذ خطاب الكراهية وتعزيز ثقافة السلام والتعايش من دون صراعات قبلية بين المجموعات الثقافية متعددة الأعراق في السودان".
وأشارت إلى أن "المسرح يخاطب الجماهير ووجدانهم المشترك وحلمهم في إيقاف الحرب والعودة لديارهم من جديد وممارسة حياتهم بصورة طبيعية بعيداً من أوضاع النزوح والتشرد والمعاناة اليومية التي استمرت أكثر من نصف عام".
قضايا اجتماعية
المخرج بمنطقة صناعة العرض المسرحي السودانية وليد الألفي قال إن "برنامج مسرح الشدة يشتمل على مشاريع عدة تعمل في ظروف معقدة وصعبة، خصوصاً مع استمرار الحرب، أما مسرح البنات فهو مشروع متكامل تم تنفيذه في ولاية النيل الأزرق لمدة شهر كامتداد لبرنامج مسرح الشدة"، مضيفاً أن "العروض ناقشت قضايا زواج القاصرات وحماية الأطفال من العنف الجنسي والصراع القبلي والتمييز بين الأطفال وتمكين المرأة والعنف المنزلي، فضلاً عن استخدام الموارد الثقافية وتجارب الممثلين وحكاياتهم كمصدر للعرض".
وتابع المخرج المسرحي "استهدفت الورشة التدريبية 21 متدرباً من الجنسين في مدن الدمازين والروصيرص وباو، إلى جانب إنتاج ثلاثة عروض مسرحية قصيرة وتقديمها في تسع مناطق، وتلقى الشباب تدريبات نظرية حول كيفية صناعة العرض وتوظيف الحكايات والأدوات والإيقاعات المحلية في المسرح".
توصيف الواقع
من جانبه يعزو الممثل المسرحي السوداني علي يونس حال الازدهار المفاجئ للمسرح إلى أوضاع الحرب التي أنتجت انتباهاً اجتماعياً في مدن النزوح لقيمة المسرح وأهميته، نظراً إلى مخاطبته الجمهور مباشرة باعتباره من أدوات المقاومة الفعالة، مما عزز المشاركة الواسعة للمجتمع وحجم الحضور للعروض المسرحية".
وأوضح يونس أن "الفن مثل المرآة يعكس ما حوله في المجتمع ويسمح للفنان بالتعبير بالطريقة التي تناسبه، وبالتالي فإن الأعمال التي قدمت جسدت معاناة النازحين ومأساة الصراع المسلح وكيفية إيقاف الحرب والدعوة إلى السلام وقضايا الفقر والبطالة والفروق الطبقية والمرأة والطفل وغيرها".
وتابع، "اللافت أن الأعمال المسرحية برعت في توصيف الواقع من خلال حوارات مؤثرة تشي بمقدرة فذة في التعبير، وتقديم هموم متنوعة تتعلق بقضايا تتخذ أبعاداً إنسانية عميقة، وأظهر الممثلون إمكانات مذهلة تبشر بقامات شبابية واعدة في عالم المسرح".