ملخص
بمجرد دخول القرار حيز التنفيذ في الأول يناير 2024، لن يسمح للشركات متعددة الجنسيات والشركات المرتبطة بها التي ليس لديها مقار رئيسة في السعودية بالتعاقد مع الجهات الحكومية أو الهيئات والمؤسسات والصناديق التابعة للحكومة.
مع اقتراب الموعد النهائي لتطبيق القرار السعودي بعدم إبرام أي عقود حكومية مع شركات عالمية ما لم يكن لها مقر في السعودية بدءاً من العام المقبل، تدور تساؤلات حول مدى استعداد الرياض لاستقبال فروع تلك الشركات وجاهزية البنية التحتية للعاصمة لمثل هذا القرار في ظل تنامي المنافسة الإقليمية، بخاصة مع تأكيدات الحكومة على لسان وزرائها تمسك بلادهم بالموعد النهائي الذي أعلنته في فبراير (شباط) 2021.
وفي "مبادرة مستقبل الاستثمار" التي انطلقت أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في الرياض، أجاب وزير المالية محمد الجدعان لـ"رويترز" عند سؤاله عما إذا كان موعد يناير (كانون الثاني) المقبل قائماً بأن "الموعد ليس جديداً وسيتم تطبيقه"، مؤكداً أن "السعودية ستطبق الموعد النهائي المحدد للشركات الأجنبية لنقل مقارها الإقليمية إلى العاصمة الرياض قبل يناير وإلا ستخسر تعاقداتها مع الحكومة".
من جهته أكد وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي فيصل الإبراهيم في مقابلته مع قناة "سي إن بي سي" العربية أن بلاده ملتزمة بالمهلة الأخيرة التي حددتها للشركات الأجنبية لنقل مقارها الإقليمية.
ما أهمية هذا القرار؟
تأتي هذه الخطوة لقناعة المسؤولين بأن السوق المحلية لا تزال تزخر بالفرص غير المستغلة، وتأمل من قرارها في أن يضيف لاقتصادها نحو 67 مليار ريال (18 مليار دولار)، وخلق ما يقارب 30 ألف فرصة عمل بحلول عام 2030. ولتحقيق ذلك وضعت الدولة نصب عينيها استقطاب 7 آلاف شركة على مستوى العالم لإقناعهم بافتتاح أو نقل مقارهم الرئيسة إلى العاصمة الرياض، مستهدفة جذب 480 مقراً إقليمياً لشركات عالمية خلال 10 أعوام مقبلة.
ويعرف المقر الإقليمي بأنه كيان تابع لشركة عالمية يؤسس بموجب الأنظمة المطبقة في البلد المضيف لأغراض الدعم والإدارة والتوجيه الاستراتيجي لفروعها وشركاتها التابعة بالمنطقة الجغرافية التي يقع بها هذا البلد مثل "الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" في حال السعودية.
وبمجرد دخول القرار حيز التنفيذ في الأول من يناير 2024 لن يسمح للشركات متعددة الجنسيات والشركات المرتبطة بها التي ليس لديها مقار رئيسة في السعودية بالتعاقد مع الجهات الحكومية أو الهيئات والمؤسسات والصناديق التابعة للحكومة، لكن الحكومة السعودية أصدرت في يناير الماضي بعض الاستثناءات التي تتيح للقطاعات التعاقد مع شركات لا تملك مقار إقليمية، وكانت للعقود التي لا تتجاوز كلفتها التقديرية مبلغ مليون ريال (266 ألف دولار) أو التي تنفذ خارج البلاد، أو عدم وجود أكثر من متنافس مؤهل من غير الشركات التي ليس لها مقر إقليمي في البلاد لتنفيذ الأعمال أو تأمين المشتريات المطلوبة أو وجود حال طارئة.
ويظهر هذا القرار الحازم إصرار السعودية بالسير في تنفيذ خططها الكبرى وتحقيق أهدافها والتي من ضمنها تنويع اقتصادها بعيداً من النفط، ويدرك المسؤولون السعوديون حجم التحدي مع تشكيك كثيرين في قدرة الرياض على تطبيق القرار، لذلك اتخذوا سلسلة من التدابير الشاملة خلال الأعوام القليلة الماضية لخلق مناخ جاذب للشركات العالمية، وتوفير البنية التحتية التي ترافق تحولها لتكون مركزاً إقليمياً.
الضرائب مصدر قلق
أنشأت الحكومة السعودية مدناً ومناطق اقتصادية تحكمها قوانين وتشريعات خاصة، وقدمت إعفاءات جمركية كبيرة للمستثمرين وتسهيلات في البنى التحتية والتملك وإصدار التراخيص، ومكنت لهم الطاقة بما يخدم مناخ التصنيع وقدمت إعفاءات ضريبية، كما دخلت في بعض المشاريع لتعزيز البنية التحتية لبعض القطاعات.
لكن على رغم ثورة الإصلاحات التي حدثت في التشريعات والقوانين وإصلاح كثير من الأنظمة خلال الأعوام الماضية، إلا أن قلق الضريبة لا يزال مسيطراً على المستثمرين بحسب تقرير صحيفة "فايننشال تايمز" في الرابع من مارس (آذار) 2023، موضحة أن عدداً من المديرين التنفيذيين قالوا إنهم "لا يزالون غير متأكدين في شأن تفاصيل النظام الضريبي بعد عامين من إبلاغهم بالموعد النهائي للانتقال، وقال عدد منهم إن مصدر القلق الرئيس هو غياب اتفاق ضريبي بين الرياض ودول الخليج الأخرى التي يمكن أن تخضع لإشراف المقر الإقليمي، فيمكن فرض ضريبة على أرباح الشركات التابعة مرتين".
وبحسب "رويترز" قال مسؤولون تنفيذيون كبار إن بعض الشركات طلبت توضيحات مفصلة للوائح الرئيسة المتعلقة بنظام نقل المقار الإقليمية، بما في ذلك الضرائب، وما إذا كان بإمكانها أن يكون لها مقر إقليمي ثان في دول الشرق الأوسط خارج الخليج.
ووعد وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح خلال كلمة له في مؤتمر للتعدين بالعاصمة السعودية الرياض خلال يناير الماضي بإصدار قانون جديد للاستثمار سيصدر عام 2023، مشيراً إلى أن التشريعات البيئية في البلاد في تطور مستمر.
كيف نجحت الرياض؟
وعلى رغم المعوقات سالفة الذكر إلا أن السعودية تمتلك مقومات ساعدتها في جذب المستثمرين ونجحت في جذب أكثر من 162 مركزاً إقليمياً بنهاية الربع الثالث من عام 2023، بحسب ما أعلنت وزارة المالية في بيانها الأولي لموازنة 2024.
وفيما يشهد النشاط الاقتصادي العالمي تباطؤاً واضطراباً واسعاً، وصف صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير وضع الرياض الاقتصادي والمالي بالقوي بسبب الإصلاحات المستمرة التي أسهمت في استقرار وتحسن وتيرة النمو الاقتصادي للدولة، إذ وصل معدل التضخم في السعودية خلال الربع الثالث من العام الحالي 1.6 في المئة، وبقي عند مستويات منخفضة، مما يعد عاملاً كبيراً في جذب الاستثمارات للبلاد.
وأشار الباحث بشؤون الاقتصاد والتمويل وتحليل الشركات محمد رمضان إلى أن الرياض نجحت في استقطاب المقار الإقليمية في مدة زمنية قصيرة، وأن الهدف يتحقق بأسرع مما هو متوقع نظراً إلى قوة الاقتصاد السعودي.
وقال رمضان إن الشركات الأجنبية غالباً ما تركز نشاطها في المناطق التي يتميز سكانها بارتفاع حجم الدخل المتاح للإنفاق.
وبالعودة لما أعلنته وزارة الاستثمار السعودية في نشرتها "استثمر في الرياض" بلغ متوسط الدخل الشهري للأسرة عام 2018 (3.378 دولاراً)، مشيراً إلى أن "السعودية تستغل قوة اقتصادها لجذب الشركات ودفعها إلى نقل مقارها، ولن تستطيع أي شركة ترغب في زيادة أرباحها من تجاهل السوق السعودي".
تعثر مشروع المترو
ولشبكة النقل دور كبير أيضاً في جذب الاستثمار، إذ يضمن النظام الجيد للنقل والبنية التحتية اتصالاً سلساً وسريعاً للشركات الكبيرة أو النقل التجاري الموجه للتصدير، فكلما كانت الكلفة أقل ساعد ذلك في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر.
وبالنظر إلى البنية التحتية لهذا القطاع في الرياض نجد أن قطاع النقل والخدمات اللوجيستية في العاصمة يضم مطاراً دولياً وشبكة سكة حديد وميناء جافاً يدعم الحركة الفعالة للبضائع والأشخاص، وتمتلك المنطقة شبكة من ثلاثة مطارات تبلغ حصتها الإجمالية 55 في المئة، وتعمل على توسيع نطاق نقل البضائع من خلال تطوير ست مدن اقتصادية وصناعية لنقل البضائع، وتقدر قيمة سوق النقل والخدمات اللوجيستية بـ 18 مليار دولار، ومن المنتظر أن تصل إلى 26 مليار دولار بحسب النمو السنوي المتوقع قبل 2030.
كما تخطط الرياض لاستثمار أكثر من 133 مليار دولار في قطاعات لوجستية صنفت كثالث أكبر القطاعات جاذبية في الأسواق الواعدة.
كما شهدت الرياض تقدماً في ملف البنية التحتية، إذ نفذت مجموعة من المشاريع في النقل والطرق الرئيسة، لكن هناك مشروعاً يشكل العمود الفقري للبنية التحتية في المدينة وهو "مترو الرياض"، إذ بدأت أعمال إنشاءاته خلال الربع الأول من 2014، ويتكون من ستة خطوط وبسرعة تقدر بـ 80 كيلو متر بالساعة وطاقة استيعابية تصل إلى 1.16 مليون راكب يومياً، ويضم 85 محطة بكلفة تبلغ 22.5 مليار دولار ومن المقرر تشغيله في عام 2023 إلا أنه لا يزال متعثراً ولم تحدد الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، المسؤول الأول عنه، موعد التشغيل أو أي تفاصيل عن تعثره.
طلبات مرتفعة على المكاتب
وأعلنت عدد من الشركات افتتاح مقارها الإقليمية في السعودية ومنها "جي أل أل" العالمية المتخصصة في الخدمات العقارية و"برايس ووترهاوس كوبرز" و"جونسون كونترولز إنك" و"ديلويت توش توهماتسو" و"بيبسيكو ويونيليفر" و"ديدي" و"سامسونغ" وغيرها.
واختارت غالبية الشركات مقرها في الرياض التي تشهد ثورة عمرانية جديدة لتعد نفسها للنمو الهائل، إذ من المتوقع أن يقترب عدد السكان من 17 مليوناً بحلول نهاية العقد الحالي، ارتفاعاً من نحو 7.5 مليون في الوقت الراهن بحسب آخر الإحصاءات الرسمية.
وخلال الفترة الماضية نما الطلب على المكاتب في الرياض مع توجه الشركات العالمية لإنشاء مقارها الإقليمية في السعودية بحسب تقرير "سي بي آر إي" (CBRE) في الـ 19 من يناير 2023، والذي أشار إلى زيادة إيجارات المكاتب الفاخر في الربع الثاني 12.2 في المئة والدرجة الثانية 14.4 في المئة على أساس سنوي.
وبحسب التقرير فقد ارتفع متوسط إشغال المكاتب الفاخرة إلى 99.9 في المئة والمكاتب من الدرجة الثانية عند 99.4 في المئة.