Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد خضوعها لتدمير واسع... عقبات على طريق إعادة إعمار غزة

وزير فلسطيني يؤكد لـ"اندبندنت عربية" أن حصر خسائر القطاع ستستمر 6 أشهر بحد أدنى بعد انتهاء الحرب

ملخص

يرجح مراقبون أن يرتبط قرار إعادة إعمار غزة بالجهة التي ستتولى السلطة في القطاع بعد الحرب

أعلن مكتب تنسيق العمليات الإنسانية التابع للأمم المتحدة "أوتشا" أخيراً، أن كلفة تلبية الاحتياجات الإنسانية لـ 2.7 مليون شخص في قطاع غزة و500 ألف آخرين في الضفة الغربية تقدر بنحو 1.2 مليار دولار.

وأظهرت التقديرات اختلافاً ملحوظاً مقارنةً بالنداء الصادر عن المكتب نفسه في 12 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الذي كان يشير إلى أن المساعدات المطلوبة لا تتجاوز 294 مليون دولار، وفسر المكتب زيادة الكلفة بتفاقم الأوضاع بشكل بائس.

ومع اتساع رقعة الدمار في غزة واستهداف الجيش الإسرائيلي البنية التحتية والمستشفيات والمقرات التابعة للهيئات المحلية، ومواصلة قصفه العشوائي للمناطق المأهولة بالسكان، واضطرار آلاف العائلات للفرار من المناطق الشمالية والنزوح جنوباً، أثيرت تساؤلات مرتبطة بالوضع البائس الذي بات عليه القطاع، وتحول غزة إلى مدينة تحت الأنقاض، كانت متعلقة بكلفة إعادة إعمار القطاع إذا ما استجابت إسرائيل لنداءات المجتمع الدولي، وكذلك العقبات التي يمكن أن تقف حائلاً أمام فتح طريق المساعدات المخصصة لإعادة ترتيب الفوضى.

ووفق مراقبين تحدثوا إلى "اندبندنت عربية"، فإن عملية إعادة إعمار غزة ستكون معقدة ومرتبطة بقدرة إسرائيل على تضييق الخناق على "حماس"، وتقييد حركتها، مستبعدين أن تيسر تل أبيب عملية إدخال مواد البناء إلى غزة إذا استمرت سيطرة "حماس" على القطاع، نتيجة مخاوفها المتعلقة باستخدام هذه المواد في إعادة بناء وترميم الأنفاق مرة أخرى.

كلفة إعمار غزة

 قدر وزير الحكم المحلي الفلسطيني، مجدي الصالح في تصريح خاص لـ "اندبندنت عربية"، كلفة إعمار قطاع الإسكان وحده بنحو 8.4 مليار دولار، مسلطاً الضوء على أن "الدمار طاول 240 ألف وحدة سكنية، بحاجة إما إلى إعادة ترميم كلي أو جزئي"، ومؤكداً أن "عملية إزالة الركام دائماً ما تتراوح كلفته بين 20 إلى 25 في المئة من قيمة البناء، ما يضيف إلى الفاتورة 1.6 مليار دولار أخرى.

وفي ما يتعلق بآليات تحديد مسار الإعمار في جميع القطاعات التي تضررت من الحرب، أكد الوزير الفلسطيني أن عملية حصر الخسائر واحتياجات القطاع ستستغرق 6 أشهر بحد أدنى عقب انتهاء الحرب، وتابع "من أهم القضايا التي ستكون على الطاولة، ملف الإيواء وتوفير ملاذات آمنة لنحو 700 ألف نازح، ولن نقبل بتكرار تجربة 1948، وإلقاء النازحين بالخيام التي باتت رمزاً للنكبة، وكذلك جهود الإغاثة تمثل أولوية قبل البدء في إعادة الإعمار".

ونبه الوزير الفلسطيني إلى أن الكهرباء والصرف الصحي والمياه بحاجة إلى نحو ثلاثة مليارات دولار بعد الأضرار التي لحقت بها، مضيفاً "خلال متابعتي للبلديات الـ25 في غزة، فإن عملها بات معتمداً بشكل كامل على القطاع الخاص، وتحتاج إلى 100 مليون دولار لتأمين المعدات الخاصة بعملها، إضافة إلى مبانيها التي تعرضت للدمار".


من يتحمل الفاتورة؟

وحول الجهات التي بإمكانها تحمل فاتورة الإعمار، رجح مساعد وزير الخارجية المصري السابق السفير جمال بيومي، أن تغطى بالدعوة إلى مؤتمر دولي يضم الدول المانحة، وهو ما يمكن أن يوفره الاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية المتدخلة في القضية.

ومع ذلك، فإن المشكلة وفق بيومي "تكمن في أن هذه الدول ستتمهل وتفكر كثيراً قبل تقديم الدعم لإعمار غزة، بسبب مخاوف من تدمير المنشآت وعودة الاقتتال مثلما يحدث في كل مرة"، مشككاً في نوايا إسرائيل في ما يتعلق بمنح تسهيلات لإعمار غزة.

وبحسب بيومي، فإنه لبدء عمليات الإعمار فإن الأمر يتطلب الدخول في مفاوضات لتحديد الوضع النهائي للعلاقة بين السلطة الفلسطينية وغزة مع إسرائيل، وتلك المفاوضات ستكون إشارة إيجابية للدول التي تعتزم تقديم المساعدة لإعمار غزة، مشدداً على "استحالة التطرق لملف الإعمار من دون تحقيق نجاح كامل أو جزئي في قضية الحل النهائي، وتحقيق السلام".

إجراءات معقدة

من جهته، يحمل سفير فلسطين السابق لدى مصر، بركات الفرا، صورة متشائمة لمستقبل القطاع بقوله، "إن التجارب السابقة أظهرت أن الدول لا تلتزم تعهداتها والإسهام في التمويل"، مبدياً عدم تفاؤله بإعمار القطاع بعد انتهاء الحرب، مستنداً في وجهة نظره إلى أن "المسألة معقدة وتتطلب موافقات وآليات متعلقة بتحديد الجهات التي تشرف على التمويل".

وبحسب الفرا فإنه "لا توجد جهة يمكنها أن تجبر إسرائيل على إعطاء موافقات لدخول المساعدات أو إلزام الدول تعهداتها"، متوقعاً "عدم الوصول إلى آلية مناسبة بسلاسة بحال توقفت الحرب، نظراً لما يتطلبه الإعمار من دعم أطراف متعددة، في ظل حجم الدمار الواسع النطاق".

وخاضت فلسطين تجارب عدة في ملف الإعمار، منها مؤتمر مارس (آذار) 2009، الذي انعقد في مدينة شرم الشيخ المصرية، وضم 75 دولة مانحة لإعادة إعمار غزة، وحينها أعلنت الدول المشاركة تقديم أكثر من ثلاثة مليارات دولار لتنفيذ إعادة الإعمار، ودعم الاقتصاد الفلسطيني في حين قدمت السلطة الفلسطينية خطة إجمالية بقيمة 8.2 مليار دولار.

وكذلك في عام 2014 قدرت السلطة الفلسطينية كلفة إعادة الإعمار بنحو 7.8 مليار دولار في حرب استمرت سبعة أسابيع مع إسرائيل، وشهدت تسوية أحياء كاملة بالأرض.

وقبل عامين شهد قطاع غزة أيضاً حرباً استمرت 11 يوماً انتهت باتفاق لوقف إطلاق النار، وأعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تقديم بلاده 500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة، وقدر مراقبون حجم الخسائر وقتها بـ ثمانية مليارات دولار.

ورأى الفرا أن "الحالة الوحيدة التي يمكن أن تعطي ضمانة لإعمار غزة، هي انعقاد مؤتمر دولي تحت إشراف الأمم المتحدة بمشاركة الدول العربية التي لها علاقات مع إسرائيل لممارسة ضغوط عليها لإدخال مواد البناء للقطاع، على أن تتبنى أميركا هذه العملية".

ورأى الخبير الفلسطيني في شؤون الحكم المحلي، باسم حدايدة، أن "مواد البناء والمساعدات الإنسانية قد تدخل بإشراف دولي وعربي"، مستبعداً أن "تتقدم جهود إعمار قطاع غزة إلا بعد اتفاق سياسي مع كل الأطراف الفلسطينية والعربية والدولية التي يجب أن تضمن عدم تكرار العدوان ووقفاً فورياً ودائماً لإطلاق النار".

وبحسب حدايدة، فإن "إسرائيل ستكون مضطرة لقبول شروط وقف إطلاق النار والتسوية السياسية تحت ضغط أميركي في ظل تزايد الاتهامات التي تحاصرها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية".

ويشير تقرير نشره مركز "مالكوم كير- كارنيغي" بعنوان "إعادة الإعمار في الدول العربية بعد الحرب: استمرار الصراع بوسائل أخرى"، إلى أن "عملية إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع ليست أمراً حتمي الحدوث، ويعتمد حجمها ووتيرتها ونطاقها على العوامل الجيواقتصادية في الدول الخارجة من الصراعات، وكذلك تأثير الاعتبارات الجيوسياسية على استخدام الموارد الاقتصادية، وهي عوامل تحدد وجهة المساعدات أو القروض أو الاستثمارات تماشياً مع الأهداف السياسية للقوى الإقليمية والدولية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أبعاد أخرى لإدارة ملف الإعمار

ويقول أستاذ العلوم السياسية المساعد في الجامعة الأميركية بالقاهرة، عمرو عدلي، وهو أحد الباحثين الثلاثة الذين شاركوا في إعداد التقرير السابق، إن "حالة غزة تتجاوز مسألة التمويل، وترتبط عملية إعادة الإعمار بالشكل الذي ستنتهي عليه الحرب والجهة التي ستدير القطاع"، معتقداً أن "المخرج المحتمل قد يكون بإعادة شكل من أشكال السلطة الفلسطينية بالتنسيق مع حماس"، مستبعداً قدرة الحركة على العودة للسيطرة وإدارة القطاع من جديد.

ويرى عدلي أن "إعمار غزة سيكون له طابعاً اقتصادياً- سياسياً بالكامل"، متوقعاً أن يحظى بدعم من قوى متعددة، بخاصة الاتحاد الأوروبي الذي يمثل أكبر مانح للسلطة الفلسطينية، وكذلك يمكن أن يتوفر دعم عربي مع احتمالية ظهور الصين في الصورة.

ويشدد المتحدث ذاته على أن "المشكلة ليست في التمويل، بل في عملية إدارة إعادة الإعمار"، متوقعاً أن تكون هذه العملية "معقدة وبحاجة إلى وقت طويل، ومراقبة من قبل إسرائيل نتيجة للتحفظات الأمنية الكبيرة لمتابعة استخدامات الإسمنت في البناء، لا سيما في ما يتعلق بعمليات إعادة بناء الأنفاق".

ضمانات الاستجابة للتمويل

وحول توقعاته بمدى القدرة على تنظيف الفوضى أجاب أستاذ العلوم السياسية بأن "لا ضمانات بحدوث إعادة إعمار شاملة تعالج قدر التخريب الذي ألم بالبنية الأساسية في غزة، والأمر متعلق بنتائج الحرب والجهة التي ستدير القطاع. وعلى رغم أن التدمير في المرات السابقة كان أقل، فقد كان هناك تضييق على مواد البناء التي تدخل غزة لأغراض إعادة الإعمار".

ويتوقع عدلي ألا تستعيد "حماس" قوات الأمن أو هيئات خاصة بها، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى صعوبة فقدانها السيطرة على الأرض نتيجة للتداخل الشديد للسكان.

ووفق مارك ريغيف، وهو أحد كبار مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإنه "يجب أن يكون هناك وجود أمني إسرائيلي، لكن هذا لا يعني أن نعيد احتلال غزة، أو أن نحكم سكان غزة". وقال ريغيف في تصريحات نقلتها شبكة "سي أن أن"، "نحن مهتمون بإنشاء أطر جديدة، إذ يمكن لسكان غزة أن يحكموا أنفسهم، ويكون هناك دعم دولي لإعادة إعمار القطاع، ونأمل أن نتمكن من جلب الدول العربية أيضاً لإعادة إعمار غزة منزوعة السلاح في مرحلة ما بعد حماس".

وبحسب الباحث السياسي الفلسطيني أكرم عطا الله، فإن "فاتورة إعمار غزة لا يمكن أن تقارن بأي تجارب سابقة، فالتجربة الحالية تتخطاها كافة، لأن قطاع غزة بات عبارة عن كومة من الأنقاض، وستنتهي الحرب بأن تصبح غزة عبارة عن مجرد خرابة وستصل كلفة إعادة الإعمار إلى عشرات المليارات من الدولارات".

ورأى أكرم أن "الضمانات تتمثل في تغيير في النظام السياسي وتحقيق المصالحة الفلسطينية وسيطرة السلطة الفلسطينية على القطاع، وعندما يكون القطاع ضمن غلاف السلطة الوطنية ستكون احتمالية الحروب أقل".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير