Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسوأ موجة جفاف تهدد قناة بنما وتصرف الأنظار إلى مصر

تراجع في عبور السفن 43 في المئة اعتباراً من فبراير 2024 وسط توقعات بآثار تضخمية

اختارت غالبية سفن البضائع السائبة الجافة الطريق الأطول عبر قناة السويس حسبما تظهر بيانات موقع تتبع السفن "مارين ترافيك" (أ ف ب)

ملخص

الإبحار في مياه قناة بنما المضطربة أصبح صعباً مع تراجع منسوب هطول الأمطار

على طول تاريخها الممتد لنحو 143 عاماً، لم تمض على قناة بنما، أيام أسوأ من تلك التي تعيشها اليوم في ظل موجة جفاف هي الأقسى حتى الآن للرابط الاستراتيجي الواقع بين المحيطين الأطلسي والهادئ، وهو ما يلقي بتبعات وتحديات صعبة تقوض آفاق التجارة المارة، التي تشكل خمسة في المئة من حجم التجارة العالمية، إذ كانت طريقاً رئيساً لـ1000 سفينة كل شهر تحمل على متنها ما يزيد على 40 مليون طن من البضائع، وهو ما قد يحيد نظر هذه السفن عن تلك المنطقة، نحو بديل آخر هو قناة السويس.

تراجع منسوب مياه بحيرة جاتون المغذية للقناة جراء ضعف معدلات هطول الأمطار، وهو ما يضيف ستة أيام من العبور أمام السفن، ويعيق نشاط موانئ بنما، ونيكاراغوا، والإكوادور، وبيرو، والسلفادور، وجامايكا، إزاء هذه التأخيرات، ليس فحسب، إنما صار الجفاف ملموساً في مناطق أخرى بعيدة في آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية، وسط توقعات بأشهر من الضعف في حركة مرور السفن والبضائع، وصولاً إلى النصف تقريباً، بحلول فبراير (شباط) المقبل، من 36 سفينة هو معدل العبور الطبيعي كل يوم، بحسب توقعات صندوق النقد الدولي، وهو ما يجعل عديداً من الأسواق التي تعتمد على القناة الاستراتيجية في نقل حاجياتها أن تستعد لمزيد من التعطيل والتأخر.

في تقرير حديث لصندوق النقد الدولي، تبدو آثار تغير المناخ أكثر وضوحاً اليوم في المنطقة، إذ أصبحت حالات الجفاف والفيضانات والعواصف الاستوائية أكثر شيوعاً من ذي قبل، ومن ذلك تأتي تهديدات تراجع منسوب مياه قناة بنما، وهو ما قد يعطل ويؤخر حركة النقل البحري بشكل كبير.

التحايل على آلاف الأميال البحرية

وفي مذكرة طالعتها "اندبندنت عربية" للمتخصص في شؤون التسويق العالمي، أرييل فرياس دوكودراي، فإن شركات الشحن تتحايل على آلاف الأميال البحرية لبلوغ وجهاتها الآسيوية والأوروبية والأميركية عبر هذه القناة التي تضطلع بمهام أكبر بكثير من حجمها المحدود، لكن الأزمة الحالية وجهت لعديد هذه الشركات ضربات مزدوجة، تمثلت في خسارة الإيرادات وارتفاع كلفة الشحن، وهو ما اضطر بعضها لدفع حتى 10 أضعاف مبالغ الشحن لتجاوز هذه العثرة.

ونبه دوكودراي، في مذكرته تلك، بارتباط مصير القناة بصحة الكوكب، ودعا إلى ضرورة البحث عن حلول مستدامة، ورسم مسار نحو مستقبل تظل فيه الممرات المائية التي لا تقدر بثمن أكثر مرونة في مواجهة تحديات المناخ، عبر جهود تعاونية عاجلة للتخفيف من آثار تغير المناخ وحماية البنية التحتية الحيوية، بخاصة مع تأزم عبور قناة السويس في بعض الأحيان، نتيجة جنوح السفن فيها، وتأثيرات ذلك الخطرة على التجارة العالمية.

وفي نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أصدرت هيئة قناة بنما خططاً لتقليص عمليات العبور في القناة بشكل كبير على مراحل خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، إذ أفادت بأن مستويات المياه استمرت في الانخفاض إلى معدلات غير مسبوقة في هذا الوقت من العام، بينما ستشهد الخطة الحالية خفض عمليات النقل بنسبة 43 في المئة بحلول الأول من فبراير من عام 2024، ومن المرجح أن تكون سفن الحاويات الكبيرة وناقلات الغاز الطبيعي المسال وغاز البترول المسال من بين الأكثر تأثراً بالجولة الجديدة من التخفيضات.

وكتبت هيئة قناة بنما في تحذيرها الأخير، "أن هطول الأمطار المسجل  لأكتوبر كان الأدنى على الإطلاق منذ عام 1950، وأفادت بأن موسم الأمطار تأخر في بدايته، ومن المرجح أن يكون أقل بكثير من المستويات الطبيعية، فمستوى هطول الأمطار في أكتوبر الماضي يقل عن المستويات الطبيعية بنحو 41 في المئة، مما يجعل عام 2023 ثاني أكثر الأعوام جفافاً على الإطلاق، ومما يثير القلق أيضاً بالنسبة إلى عمليات القناة، التنبؤات الجوية طويلة المدى التي تظهر أنها يمكن أن تتوقع هطول أمطار أقل بنسبة 38 في المئة لبقية العام".

تراجع عبور ناقلات الغاز

وستشهد أكبر السفن التي تعبر قناة بنما، بما في ذلك سفن الحاويات وناقلات الغاز المسال، انخفاضاً في العبور بمقدار الثلث، بينما ستشهد السفن العملاقة، التي تشمل ناقلات الغاز الطبيعي المسال، انخفاضاً في عدد الرحلات اليومية بأكثر من 40 في المئة.

سيتفاقم التحدي الذي يواجهه الشاحنون وشركات النقل الخاصة مع توقع أن يبدأ مزيد من السفن في التحول إلى طرق بديلة، على رغم تطلبها مسافات أكبر، وهو ما يتوافق مع توقعات مسؤولين تنفيذيين في القناة سابقاً، حين رجحوا أن هيئة قناة بنما ستشهد انخفاضاً قدره 200 مليون دولار في الإيرادات هذا العام بسبب هذه الظروف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اليوم، تشهد أنماط التجارة تحولاً كبيراً، إذ اختارت غالبية سفن البضائع السائبة الجافة الطريق الأطول عبر قناة السويس، حسبما تظهر بيانات موقع تتبع السفن "مارين ترافيك" من أن غالبية سفن البضائع السائبة المحملة بالبضائع الأميركية في تلك الفئة من الحجم، تسلك حالياً طريق قناة السويس وتتجنب قناة بنما، وهو ما يضيف 10 أيام لزمن الوصول، وكلفة أعلى في هذا البديل الملاحي، وفق ما يقول الرئيس التنفيذي لشركة "إيغل بولك" غاري فوغل، وهو ما أدى إلى ارتفاع رسوم الشحن.

لكن هذا البديل الملاحي مرتفع الكلفة، يبدو اليوم في غير مأمن مع تنامي الحرب الإسرائيلية في غزة، التي يخشى أن تخرج من دائرة الصراع الضيق حالياً إلى تفجر إقليمي أوسع، يلقي بتبعات سلبية غير مستبعدة على قناة السويس، بخاصة مع التهديدات باستهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، الأمر الذي قد يدفع معه الشركات إلى اعتماد طريق رأس الرجاء الصالح المار حول أفريقيا طريقاً مفضلاً للعبور.

ومع تزامن هذه التطورات في قناة بنما مع موسم الصادرات الزراعية الأميركية، فإن المرجح لإيرادات هذه الصادرات أن تكون أقل على ما يبدو، حسبما تتوقع شركة "دروري" لاستشارات الشحن في تقرير حديث، يلفت أيضاً إلى انتقال تداعيات هذه الأزمة بشكل عام إلى عديد الأسواق المستهلكة للحبوب الأميركية، مثل الذرة والقمح وفول الصويا.

وتبدو تجارة العالم اليوم أمام تغير واضح مع تغير مسارات عبورها، وما يترتب على ذلك من كلف شحن أعلى ستحمل في نهاية المطاف على المستهلكين النهائيين أفراداً وشركات ودول، وهو ما يعزز من تركة التضخم الثقيلة التي يتعين على البنوك المركزية التعامل معها في عام 2024.