ملخص
يكافح الصومال منذ فترة طويلة الفساد المتجذر في صفوف المسؤولين الحكوميين مما يعوق تقدم البلاد وتنميتها
أصدرت محكمة محافظة بنادر التي تضم العاصمة الصومالية مقديشو مطلع الأسبوع الحالي، تعميماً بتعقب عبدالقدار محمد إبراهيم مدير إدارة ضرائب البر بوزارة المالية، الواقعة في مديرية ورتا نبدا، لينضم إلى سلسلة من المسؤولين الملاحَقين إثر إعلان الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود عن ضرورة مكافحة الفساد المالي والإداري كهدف استراتيجي لمحاربة الإرهاب. وطالبت المحكمة المتهم عبدالقدار محمد إبراهيم بالمثول أمام القضاء، إلا أنه تغيّب، وقالت في تعميمها إن النيابة العامة الوطنية هي الطرف المدعي في القضية المرفوعة ضد إبراهيم وتشمل لائحة الاتهام الموجهة إليه التورط في ممارسة الفساد واختلاس الأموال العامة وتزوير المستندات.
وأدت الحملة المتواصلة لمكافحة الفساد التي أعلن عنها الرئيس الصومالي في مايو (أيار) الماضي، إلى اختفاء عدد من المسؤولين ممن تم توجيه الاتهامات إليهم، ليصبحوا في عداد الفارين من وجه القضاء، ومن بينهم مدير مصلحة ضرائب البر السابق في وزارة المالية محيي الدين سابي ومديرا دائرة الهجرة السابقين عبدالقادر علمي علي (عبدول) ومحمد آدن جمعالي (كوفي).
ازدهار المساءلة
ويكافح الصومال منذ فترة طويلة الفساد المتجذر في صفوف المسؤولين الحكوميين مما يعوق تقدم البلاد وتنميتها، ويرى المحامي عبدالله عبدالواحد المقيم في العاصمة مقديشو أن "الأحداث الأخيرة أظهرت بصيص أمل بصدور أوامر قضائية باعتقال مسؤولين متورطين في تهم فساد، ويحمل هذا التطور أهمية كبيرة ويعكس التحول نحو نظام أكثر مساءلة وشفافية ويدل على التزام الصومال مكافحة الفساد وتعزيز مستقبل أفضل لمواطنيه. ويشكل إصدار أوامر اعتقال قضائية ضد المسؤولين الفاسدين علامة واضحة على أن الحكومة الصومالية، بالتعاون مع نظامها القضائي، ملتزمة محاسبة من هم في السلطة على أفعالهم، وتبعث هذه الموجة من الاعتقالات برسالة قوية مفادها بأنه لن يتم التسامح مع الفساد وأن ليس هناك أحد فوق القانون بغض النظر عن منصبه، مما يظهر التزام الحكومة إعادة بناء الثقة والثقة العامة بمؤسسات الدولة".
ويؤكد أن "المستجدات الأخيرة جزء من سلسلة الإجراءت المتخذة ضد المسؤولين الفاسدين، وستؤدي أيضاً إلى الدفع نحو مزيد من الشفافية داخل نظام الحكم في الصومال من خلال قمع الفساد بهدف تعزيز بيئة تصبح فيها النزاهة والصدق القاعدة. ومن خلال الشفافية في التحقيقات والملاحقات القضائية والجهود المستمرة للكشف عن الفساد، يعمل الصومال على بناء مجتمع بحيث يثق المواطنون بحكومتهم ويشعرون بقدرتها على الإسهام في ازدهارهم وتقدم وطنهم".
خلفيات التوجه الجديد
ويوضح المسؤول الأمني السابق في الحكومة الفيدرالية الصومالية عبدالرحيم يعقوب أنه "من المؤسف أن هناك انتشاراً لمظاهر الفساد بصورة تخالف ما يعتنقه الصوماليون من دين، ويناقض ما يتغنون به من القيم، ومع ذلك فإن هناك ثقافة سيئة تحيط بالتعامل مع المال العام وأخلاقيات العمل لدى متولي المناصب، ليس فقط ليبقي ذلك البلاد في ذيل قائمة ترتيب الدول الأقل فساداً، بل يعرقل عمل أجهزة الدولة وأنشطة القطاعات الخاصة والمدنية، بما يكلف الاقتصاد الوطني مليارات الدولارات سنوياً ويضر بصورة الصوماليين عامة"، ويضيف أن "الفساد لا يضر بالاقتصاد والصورة العامة لوطننا فحسب، إذ أدرك الرئيس الحالي حسن شيخ محمود أنه في ظل الفساد لا يمكن تحقيق انتصار حقيقي على حركة الشباب الإرهابية، من حيث سهولة اختراق الحركة للموظفين الحكوميين الفاسدين في أجهزة الدولة ومفاصلها فيشكل ذلك إفشالاً لجهود ضبط الأمن ويتسبب في إضعاف الإجراءات اللازمة لتجفيف موارد التمويل للإرهاب من جهة، ويحد من قدرة الدولة على تأمين الموارد المالية اللازمة للمجهود الأمني والتوعوي والسياسي والعسكري والتنظيمي لاستئصال التطرف فكراً ومظهراً ونفوذاً، ففي ظل حاجة الدولة إلى ما يُقدر بمليار دولار للانتهاء من الوجود العسكري والإداري للحركة المتشددة، فإن كلفة الفساد على الدولة والاقتصاد تتجاوز ذلك بمراحل، وقد يبقيها ذلك في حاجة إلى دعم خارجي، وهذا أمر غير مستدام".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انتقادات لطريقة تنفيذ الحملة
من جهة أخرى، يرى وزير النفط والثروة المعدنية السابق محمد مختار، الناشط حالياً في حملات التوعية حول أساليب مكافحة الفساد، أنه "لا يمكن إنكار وجود الفساد واستمراره"، لكنه يعتقد بأن هناك ملاحظات تشوب طريقة العمل الحالية، موضحاً أن "التحقيق في قضايا الفساد شأنه شأن كل القضايا، له تشريعات خاصة به، ويجب على الجهات المعنية التوعية بها ونشرها بين العاملين على كل المستويات بكل الصور الممكنة، ونشر الثقافة القانونية من خلال استخراج المواد الخاصة بالسلوكات المرجو مكافحتها وجعلها في متناول الجميع، على أن يتم تشكيل لجان تحقيق داخلية في الدوائر والأجهزة تجاه موظفيها المتجاوزين، وتقديم النتائج إلى وكيل النيابة بعد ذلك، لكن حالياً يمكن القول إن القضايا تطرح أمام الرأي العام قبل استكمال مراحل التحقيق، مما يؤدي إلى محاكمة العامة المتهمين قبل وصولهم إلى المحكمة، وهو أسلوب مخالف لعمل وكيل النيابة والمحاسب العام، وهذا مضر بتطبيق العدالة". ويضيف مختار أن "تجاوز دور الأجهزة والمؤسسات التي حدثت ضمنها ممارسات فاسدة ليس إيجابياً، ففيها أقسام معنية بالمحاسبة ومكاتب ومستشارين قانونيين يمكنهم المبادرة إلى إجراء التحقيقات الأولية اللازمة، بحيث يمكن بعدها رفع القضايا إلى النيابة العامة، ومنها إلى القضاء، فيتم تحقيق ثلاثة أهداف أساسية منها توفير الأدلة والقرائن الداعية إلى توجيه الاتهام، وكذلك تسهيل عمل النيابة العامة، إضافة إلى ضبط سرية التحقيق بما يضمن حق المتهم في الحفاظ على شرفه وسمعته إلى حين ثبوت جرمه وصدور الحكم بحقه، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته، وليس من العدالة بمكان تدمير حياة أحدهم بمجرد الشبهة، فإمكان وجود إدعاءات كيدية وارد جداً في ظل الأوضاع السياسية الحالية للبلاد".
التغيير المطلوب والأثر المرجو
ويعتقد الصحافي الصومالي المهتم بقضايا الفساد فارح نور بأن "إصدار أوامر قضائية ضد المسؤولين الفاسدين لا يمكن أن يكون مجرد قرار يتخذ لمرة واحدة، بل يجب أن يجسد جهداً منظماً لتعزيز المؤسسات في الصومال"، مضيفاً أن "مكافحة الفساد ليست مسؤولية الحكومة وحدها، إذ تتطلب جهداً جماعياً من المجتمع ككل على مستوى المدرسة والمسجد واجتماعات العائلات والعشائر. ويشكل إصدار أوامر الاعتقال حدثاً مهماً يلفت نظر المواطنين إلى حجم المشكلة، ويشجعهم على اعتماد نهج أكثر أخلاقية ومسؤولية تجاه المسؤوليات والمال العامين، فبمواجهة المسؤولين الفاسدين لعواقب أفعالهم، يزداد الإدراك بأن الدخول في الممارسات الفاسدة لن يمر من دون عقاب. ويعدّ هذا التحول الثقافي المرجو ضرورياً لتغيير السلوكات المنتشرة ويضمن أن تحصل الأجيال التالية على مؤسسات في خدمتها، تكون أكثر شفافية وخاضعة للمساءلة". ورجح أن "يكون للإجراءات القضائية الأخيرة أثر على نظرة المجتمع الدولي للصومال، إذ أدى الفساد لفترة طويلة إلى إعاقة المساعدات والاستثمارات الأجنبية، فكانت الجهات الدولية المعنية مترددة في التعامل مع بنية سياسية وإدارية تعاني هذه التجاوزات المتجذرة، لذا فإن تدابير مكافحة الفساد الأخيرة تشير إلى التزام حقيقي من الصومال بإصلاح مؤسساته الحكومية وتحقيق الاستقرار فيها، ويمهد هذا التقدم الطريق أمام زيادة المساعدات والاستثمارات الأجنبية التي تعتبر بالغة الأهمية لجهود التنمية وإعادة البناء في البلاد".