Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معبر رفح... كرة اللهب التي يتقاذفها الجميع

تتمسك القاهرة بروايتها بأن المعبر مفتوح ومراقبون: عبور الشاحنات يحتاج إلى تنسيق مع إسرائيل أولاً وإلا الاستهداف سيكون مصيرها

رحلة شاحنة المساعدات تمتد إلى ثلاثة أيام منذ تحركها من العريش وحتى وصولها إلى الجانب الفلسطيني من معبر رفح (رويترز)

ملخص

تتعالى النداءات العربية والدولية مطالبة مصر بفتح معبر رفح بشكل دائم من دون تدخل أو تفتيش من جانب إسرائيل... فهل القاهرة تقف عائقاً أمام مساعدات غزة؟

في قطاع يوصف بأنه أكبر سجن في العالم، ينظر فلسطينيو غزة إلى معبر رفح البري مع مصر باعتباره منفذهم الوحيد إلى العالم الخارجي، فيما تضاعفت أهميته مع شن إسرائيل حربها الشهر الماضي، رداً على هجوم "حماس" المباغت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، ومع إغلاق المعابر الإسرائيلية مع غزة.

وعلى رغم تأكيد السلطات المصرية المتكرر على استمرار فتح المعبر واستقبال المساعدات، فإن نداءات عدة خرجت من أطراف فلسطينية وعربية خلال الأيام الماضية مطالبة مصر بـ"الفتح الدائم" للمعبر، وعدم السماح لإسرائيل بأي سلطة على نفاذ المساعدات عبره.

وخلال الأسبوع الماضي، أصدر ألف من الساسة والنقابيين من الأردن وفلسطين ودول أخرى بياناً سلم إلى السفارات المصرية في عدة عواصم، لمطالبة القاهرة بفتح معبر رفح بشكل دائم من دون تدخل أو تفتيش من جانب إسرائيل أو الولايات المتحدة وغيرها، باعتباره معبراً مصرياً فلسطينياً، وذلك لتسريع إيصال المساعدات الإنسانية والوفاء بحاجات الشعب الفلسطيني في غزة، كما شهد محيط السفارات المصرية في عمان وإسطنبول ولندن تظاهرات للمطالبة بفتح المعبر، وحمل المتظاهرون السلطات المصرية مسؤولية عدم وصول ما يكفي من المساعدات إلى أهالي غزة.

ويتسق ذلك مع دعوات سابقة من جانب حركة "حماس" وفصائل فلسطينية بدوام فتح المعبر، وصلت إلى حد دعوة وزارة الداخلية التابعة لـ"حماس" للمصريين إلى الاحتشاد أمام المعبر من أجل فتحه بشكل دائم، فيما قال عضو المكتب السياسي للحركة موسى أبو مرزوق، إن مصر "لا يمكن أن تبقى متفرجة" على نقص الحاجات الإنسانية للفلسطينيين في القطاع الذي حكمته مصر 19 عاماً بين حربي 1948 و1967.

الرد المصري

في المقابل، تصر السلطات المصرية على أن المعبر "مفتوح منذ اليوم الأول للأزمة". ووصف وزير الخارجية المصري سامح شكري التظاهرات المطالبة بفتح معبر رفح بأن لها "أغراضاً سياسية" لا علاقة لها بالوضع الإنساني، مؤكداً أن دخول المساعدات "يتوقف على الاتفاق مع إسرائيل، باعتبارها دولة الاحتلال". واعتبرت الخارجية المصرية، في بيان سابق، الحديث عن دور مصر في إدخال المساعدات أنه "مزايدات" غير مقبولة.

وعقب اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر، أعلنت مصر أن المعبر مفتوح من جهتها، لكن القصف الإسرائيلي مرات عدة للجانب الفلسطيني يحول دون عمله. وكشف وزير الخارجية المصري أن أربعة عمال مصريين أصيبوا في أثناء عملهم على إصلاح الطريق بين سيناء وقطاع غزة، الذي تضرر نتيجة القصف.

وفي أول أسبوعين من القتال كثفت القاهرة تواصلها مع الأطراف الدولية، بخاصة الولايات المتحدة، للضغط على إسرائيل للسماح بعبور المساعدات، وعدم قصف الجانب الفلسطيني من المعبر. وفي اليوم الثالث من الحرب، ذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية أن تل أبيب حذرت القاهرة من إرسال أي مساعدات إلى غزة، وأنها ستقصف أي شحنات تدخل من خلال معبر رفح من دون إذنها. لكن على المستوى الرسمي نفت إسرائيل على لسان المتحدث باسم الحكومة أوفير جندلمان قصف المعبر.

وأثمرت الجهود المصرية والدولية عن بدء تدفق المساعدات إلى القطاع في الـ21 من أكتوبر، لكن وتيرة نفاذ المساعدات ظلت بطيئة، ولا تفي بالقدر الكبير من حاجات 2.3 مليون فلسطيني يفتقرون للمياه والغذاء والوقود والدواء.

وترجع القاهرة ذلك البطء إلى تعقيدات لوجيستية من الجانب الإسرائيلي، الذي يشترط تفتيش شاحنات المساعدات في معبر "نتسانا" الإسرائيلي المقابل لمعبر "العوجة" المصري، وبعد ذلك تتوجه إلى معبر رفح في رحلة تستغرق 100 كيلومتر، تسير خلالها الشاحنات بسرعة محدودة في قوافل منظمة تحت حماية قوات الأمن المصرية.

وفي بيان رسمي، قال متحدث الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، إنه لوحظ وجود تشدد كبير من الجانب الإسرائيلي في إجراءات التفتيش، بل ورفض دخول عديد من المساعدات لاعتبارات سياسية وادعاءات أمنية مختلفة، فضلاً عن البطء في إجراءات التفتيش، والتصعيد العسكري المتكرر على الجانب الفلسطيني من المعبر.

وطالب بيان الخارجية المصرية إسرائيل بالتوقف عن تلك الإجراءات المعيقة لدخول المساعدات، ودعا "من يروج أو يدعي بغلق المعبر إلى الرجوع إلى البيانات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة ومسؤولي الإغاثة الدولية الذين زاروا المعبر".

رحلة الشاحنة

وخصصت مصر مطار العريش الدولي، الذي يبعد عن رفح نحو 40 كيلومتراً، لاستقبال المساعدات الدولية للقطاع، منذ 12 أكتوبر الماضي. وقدمت عشرات الدول أطناناً من المساعدات، معظمها ظل مكدساً بسبب بطء دخولها إلى الجانب الفلسطيني، كما قدمت مصر مساعدات تفوق إجمالي ما قدمته كل الدول، وفق تصريحات رسمية مصرية.

وبعد وصول المساعدات بالطائرات إلى مطار العريش تنقل حمولتها بعد تصنيفها إلى مواد غذائية وطبية وإعاشة، ثم تحمل على شاحنات كبرى، من طريق رجال الهلال الأحمر المصري والمتطوعين من جمعيات العمل الأهلي، تمهيداً لتحركها من المطار حتى الحدود المصرية.

ووفق مصادر في شمال سيناء، فإن رحلة شاحنة المساعدات قد تمتد إلى نحو ثلاثة أيام، منذ تحركها من العريش وحتى وصولها إلى الجانب الفلسطيني من معبر رفح، بسبب الانتظار الطويل لدورها في التفتيش أو طول أمد التفتيش الإسرائيلي نفسه الذي قد يمتد إلى أكثر من 24 ساعة.

وبعد إدخال المساعدات إلى غزة، تتسلمها منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة "الأونروا"، وتفرغ الشاحنات في مخازنها تمهيداً لتوزيعها على أبناء القطاع وفقاً لتصنيفها، سواء مواد غذائية أو طبية أو إعاشة.

دخول الأفراد والمركبات

من جانبه، أوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أيمن الرقب، أن هناك محورين في معبر رفح أولهما مخصص للأفراد، ومصر تخشى فتحه للجميع فتحقق إسرائيل هدفها بخروج أعداد كبيرة جداً من الفلسطينيين، وترك أرضهم بقطاع غزة، خصوصاً بعد غياب وزارة الداخلية الفلسطينية أو تعطيلها، وهي من كانت المنوط بها تنظيم عملية خروج المسافرين عبر رفح.

وأكد الرقب، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أن مصر معنية ببقاء الفلسطينيين داخل قطاع غزة، والحفاظ على المشروع الوطني الفلسطيني والقضية بالكامل، ورحيل المواطنين عن أرضهم يعني انتهاء القضية.

وسمحت مصر بعبور مزدوجي الجنسية فقط، بينما لم تسمح بعبور فلسطينيين سوى عدد من المصابين وذويهم لاستكمال العلاج.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المحور الآخر، بحسب الرقب، هو إدخال المركبات، في ظل الإرادة المصرية لدخول المساعدات لأهالي غزة، وسط رفض أو منع الجانب الإسرائيلي لذلك، لافتاً إلى أن قوات الاحتلال هي من تتحكم في عدد الشاحنات والمساعدات، سواء المواد الغذائية والبترولية أو الدوائية بقطاع غزة، معتبراً أن معبر رفح "لا يعد مغلقاً في هذه الحالة، لكنه معطل بسبب عدم وجود طرف يمكن التعامل معه لتنظيم عملية الانتقال سواء للأفراد أو الشاحنات".

ووفق الرقب، فإن الهجوم على مصر بسبب أوضاع معبر رفح "يصب في الصالح الإسرائيلي"، فالدولة المصرية "لا تمانع من فتح المعبر أمام الشاحنات والمساعدات وتسعى لذلك، ومن يعوق ذلك قوات إسرائيلية"، مشيراً إلى أن الترويج لكون المعبر هو اتفاق مصري – فلسطيني، ولا حق لقوات الاحتلال بالسيطرة عليه هو "نظرة قاصرة، لا تضع في الاعتبار الأوضاع الحالية وهي السيطرة الأمنية الكاملة لإسرائيل على الجانب الآخر من المعبر".

وعلى رغم أن المعبر يقع على الحدود المصرية - الفلسطينية، فإن أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني أكد أن إسرائيل "كانت مسيطرة على الجانب الفلسطيني من المعبر بصورة غير مباشرة، من خلال المراقبة الدائمة للعابرين، وكانت تستطيع منع من ترغب في عدم خروجه من القطاع".

اتفاق المعابر

وعقب انسحاب إسرائيل الأحادي من قطاع غزة عام 2005 وفي الـ15 من نوفمبر (تشرين الثاني)، وقعت مصر والسلطة الفلسطينية والاتحاد الأوروبي اتفاقاً لإدارة معبر رفح، بحيث يلعب الاتحاد الأوروبي دور الضامن أمام الجانب الإسرائيلي باعتباره سلطة الاحتلال، كما يشارك الاتحاد البيانات مع إسرائيل التي تملك حق الاعتراض على عبور أي شخص أو سيارة.

ونص الاتفاق على أن "يتلقى مكتب اتصال يقوده الطرف الثالث (الاتحاد الأوروبي) بثاً مباشراً للبيانات وفيديو المراقبة للنشاطات في رفح"، كما أن بعثة الاتحاد الأوروبي لها الحق في "طلب إعادة فحص وإعادة تقييم أي مسافر أو أمتعة أو سيارات أو بضائع. وبينما تتم معالجة الطلب، فإن الشخص أو الأمتعة أو السيارة أو الشحنة محل السؤال، لن يسمح لهم بمغادرة معبر رفح".

واستمر الإشراف الأوروبي على المعبر حتى سيطرت "حماس" على قطاع غزة، وانسحب الموظفون التابعون للسلطة الفلسطينية عام 2007، مما أدى إلى غلق المعبر منذ ذلك الحين فترات طويلة على مدار العام، لكن الأمور تحسنت منذ سلمت "حماس" المعبر إلى السلطة عام 2017. وتقول الأمم المتحدة، إن معبر رفح بقي مفتوحاً العام الماضي خلال 245 يوماً، و138 يوماً في 2023.

ليس مغلقاً

وبحسب رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية العميد سمير راغب، فإن معبر رفح طوال تاريخه "كانت به نقاط تفتيش، سواء من القوات الأوروبية أو غيرها، وتمر المركبات عبر البوابات الإسرائيلية في معبر كرم أبو سالم، الواقع بين الحدود المصرية والإسرائيلية والفلسطينية".

وقال راغب، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "الحديث عن تجنب إسرائيل في دخول المساعدات هو أمر غير واقعي، نظراً إلى الأوضاع الحالية في غزة"، مضيفاً "القطاع حالياً ليس تحت سيطرة حماس أو الفلسطينيين وهو في حالة حرب، بعيداً من الشعارات، ويجب على من يتحدث ويزايد على الموقف المصري الإلمام بكل تفاصيل المعبر".

وبحسب راغب فإن معبر رفح "ليس مغلقاً" كما يدعي البعض، لكن مصر تستقبل الحالات الحرجة بالتنسيق مع الجانب الإسرائيلي ومع وزارة الصحة المصرية، لافتاً إلى أن وضع عبور المركبات والمساعدات يختلف عن الأفراد. وأوضح أن فتح المعبر من الناحية المصرية "لا يعني دخول الشاحنات أو المركبات إلى غزة، لكون المعبر مغلقاً من الناحية الأخرى، والعبور يحتاج إلى تنسيق مع الجانب الإسرائيلي وهو من يحدد عبورها أم لا وتخضع للتفتيش على بعد 50 كيلومتراً من رفح تحديداً في معبر العوجة".

وأشار راغب إلى أن المساعدات إذا دخلت من دون تنسيق معين "قد يجري استهدافها"، معتبراً أن غلق المعبر أمام دخول اللاجئين هو موقف مصر من البداية، لأن ذلك يفرغ القضية الفلسطينية كما أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وأيدت موقفه قيادات "حماس". ولفت إلى أنه منذ بداية الحرب هناك حديث عن ممر إنساني، لكنه حديث "حمال أوجه، فمصر طالبت به لدخول المرضى وتساعد الجرحى، أما الجانب الأوروبي فيحاول تنفيذ مخطط بإجلاء الفلسطينيين من أرضهم باتجاه سيناء".

مزايدات

ويتفق مع الرأي السابق السفير المصري الأسبق في فلسطين أشرف عقل، الذي أكد أن المعبر مفتوح طوال الوقت من الجانب المصري، بينما تضرب إسرائيل الجانب الفلسطيني منه، معتبراً أن الأصوات التي تطالب القاهرة بفتح المعبر بعيداً من الموقف الإسرائيلي "مزايدات من أطراف معظمها لها أجندات إسلامية" تلتقي مصالحهم في النهاية مع مصلحة إسرائيل باستهداف مصر، وإظهارها على أنها تقف ضد مصلحة الشعب الفلسطيني.

وأضاف عقل، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أن تلك الأصوات تسعى إلى إرباك الموقف المصري "من خلال هذه الحملات الظالمة والمشبوهة، وتصدير أسباب الأزمة، ونسبتها إلى مصر على خلاف الحقيقة".

ويمتلك قطاع غزة ستة معابر جميعها مع الجانب الإسرائيلي، عدا معبر رفح مع الجانب المصري، الذي يعول عليه الفلسطينيون لدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية إلى القطاع. وأطلق رئيس الوزراء المصري، السبت الماضي، قافلة مساعدات إنسانية شاملة للفلسطينيين في غزة تضم 190 شاحنة بها أكثر من 2510 أطنان من الحاجات الملحة والضرورية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير