ملخص
المحكمة العليا الجزائرية تؤيد قرار محكمة الاستئناف بسجن سعيد بوتفليقة ومجموعة من رجال الأعمال المقربين منه سابقاً.
أسدل القضاء الجزائري الستار على واحدة من أشهر قضايا الفساد، تورط فيها شقيق الرئيس الراحل سعيد بوتفليقة ومجموعة من رجال الأعمال المقربين منه سابقاً، لتصير الأحكام الصادرة في حقهم نهائية.
وأيدت المحكمة العليا، وهي أعلى جهة تقاض مدني في الجزائر، قرار محكمة الاستئناف لمجلس قضاء العاصمة، ورفضت الطعون التي قدمها وكلاء المدانين الذين صدرت بحقهم أحكام متفاوتة بالسجن بعد متابعتهم بتهم عديدة تتعلق بالفساد وتبديد المال العام.
ويأتي رفض المحكمة العليا الطعون، في غير صالح المتهمين، الذين كان محاموهم يأملون في إعادة ملفات موكليهم إلى محكمة الاستئناف وتشكيل هيئة قضائية جديدة وبدء محاكمة جديدة، بالنظر إلى العقوبات الثقيلة التي صدرت في مايو (أيار) الماضي.
وشملت قائمة العقوبات القضائية، 12 سجناً نافذاً في حق سعيد بوتفليقة أحد مستشاري الرئيس الراحل، والسجن بين ثمان سنوات و15 سنة مع التنفيذ ضد رجال الأعمال محيي الدين طحكوت وعلي حداد وأحمد معزوز ومحمد بايري، والإخوة الأربعة رضا ونوح وطارق وسعاد كونيناف التي صدر في حقها أمر دولي بالقبض عليها لوجودها في الخارج وقد صدر الحكم ضدها غيابياً.
استثناءات
وتعد قرارات المحكمة العليا في القانون الجزائري نهائية لا رجعة فيها، ويترتب عنها تنفيذ مدة العقوبة على المتهمين كاملة، باستثناء حالتين تتعلق الأولى بالعفو الرئاسي، أما الثانية فهي الاستفادة من قانون إصلاح السجون، إذ يحصل السجين بموجب هذا القانون على إفراج مشروط عند استنفاد نصف فترة العقوبة مع تسديد مبلغ الغرامات كاملاً.
وقال المحامي الجزائري نجيب بيطام، في تصريحات صحافية، إن "المحكمة العليا سبق وأن أصدرت قرارات مماثلة في قضايا مشابهة برفض الطعون، فيما قبلت طلبات في قضايا أخرى بسبب خرق القانون، وأحيلت هذه القضايا إلى المجالس القضائية لإعادة محاكمة المتهمين".
وأضاف أن "قرار المحكمة رفض طلب الطعن بالنقض، يعد إقراراً بصحة مراحل التقاضي السابقة"، مشيراً إلى أن "قضاة المحكمة العليا قبل إصدار قرارهم يحيطون بجميع الجوانب القانونية التي رافقت عملية المحاكمة منذ بدايتها إلى غاية وصول القضية إلى أعلى جهة تقاض في البلاد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت بيطام الانتباه إلى أن "المحكمة العليا محكمة قانون وليست محكمة وقائع، مهمتها النظر في مدى احترام النصوص القانونية في المحاكمة وليست في التهم الموجهة للمتقاضي".
ومنذ سنة 2019، تقبع مئات الملفات في المحاكم باختلاف مستوياتها، بعد حملة اعتقالات طاولت عشرات مسؤولين مدنيين وعسكريين ورجال أعمال، وموظفين بارزين في وزارات وأجهزة حكومية، من بينهم ثلاثة رؤساء حكومات، وقائدان للاستخبارات، ورئيسان لسلاح الدرك، ومدير الشرطة، إذ دان القضاء غالبيتهم بعقوبات ثقيلة بالسجن، إلا أنهم أودعوا طعوناً ضدها، في انتظار فصل المحكمة العليا في تثبيت الأحكام أو نقضها.
وطالت تهم الفساد ثلاثة رؤساء حكومات، هم أحمد أويحي وعبدالمالك سلال ونور الدين بدوي، وعشرات الوزراء السابقين، حكم عليهم بالسجن لفترات تراوحت بين خمس و15 سنة، فيما يوجد مسؤولون في الخارج، أبرزهم وزير الصناعة عبدالسلام بوشوارب الذي جمد بنك سويسري ودائعه المالية، منذ شهر، بناءً على طلب الحكومة الجزائرية، ووزير الطاقة شكيب خليل المقيم في الولايات المتحدة رفقة زوجته المتهمة بالفساد هي أيضاً، زيادة على قائد سلاح الدرك الجنرال السابق غالي بلقصير.
ملفات
كان الوزير الأول الجزائري السابق، أيمن بن عبدالرحمن قد صرح، مطلع الشهر الجاري، بأن "السلطات رفعت 259 إنابة قضائية دولية إلى 31 دولة، يعتقد أنها تمثل ملاذات آمنة لأموال عامة هربت إلى الخارج"، موضحاً أنه تم تنفيذ 62 إنابة، حددت الحكومة الجزائرية بفضلها حجم الأموال ومكان وجودها، حسبه، وطالبت الدول المعنية بمصادرتها تمهيداً لإعادتها إلى الجزائر.
وبحسب مصادر قضائية، فإن عدد المعنيين بأوامر الاعتقال دولياً، يفوق الـ30، يقيم غالبيتهم في دول لا تربطها بالجزائر اتفاقات قضائية تخص تسليم المطلوبين، يتطلب تسليمهم إلى الجزائر معارك قضائية وإجرائية مع هيئات في هذه الدول وأيضاً بنوعية العلاقات الثنائية.
وكان الرئيس الجزائري، عبدالمجيد تبون، أثنى على "الجهد الذي يبذله القضاء في مكافحة الإجرام ومحاربة الفساد"، ودعا بمناسبة إطلاق السنة القضائية الجديدة (2023– 2024)، جهاز القضاء إلى "القيام بدوره كاملاً والانخراط بكل حزم لاحترام ضوابط القضاء، والتصدي لكل المحاولات التي تسيء لصدقية العدالة".
وأشار إلى أن "الدولة الجزائرية تقدر ما يبذله القضاة من جهد لحماية الحقوق ومكافحة الإجرام ومحاربة الفساد"، وطالبهم بـ"الحرص على الاضطلاع بمسؤولياتهم بأمانة وإخلاص".
وغالباً ما يتذمر المتقاضون في الجزائر من طول المدة التي يستغرقها الفصل في ملفاتهم، انطلاقاً من المحاكم الابتدائية، مروراً بالاستئناف، ثم المحكمة العليا بوصفها آخر درجة في التقاضي.
وقال تبون في هذا الخصوص إن "المحاكمات التي تستمر لسنوات تولد شعوراً بعدم الرضا لدى المواطن، وتطيل معاناته لاستعادة حقوقه"، متعهداً بـ"مزيد من الجهود لرفع وتيرة الفصل في القضايا، واستكمال مشروع التحول الرقمي، والاستفادة من آليات التقاضي الإلكتروني، والمرونة في الإجراءات القضائية وتبسيطها".