Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

برحيل عبده علي إدريس… قصة "الأغوات" شارفت على الانتهاء

يرجح التاريخ أن نور الدين زنكي هو أول من جلبهم إلى المدينة المنورة عام 1162

الآغا عبده علي ادريس ( مؤسسة الملك سعود)

ملخص

برحيل الأغا عبده علي إدريس باتت قصة "أغوات الحرمين الشريفين" على مشارف أن تصبح جزءاً من الماضي، ولم يتبقَ منهم إلا اثنان في المدينة المنور

قصة أغوات الحرمين الشريفين التي بدأت منذ أكثر من 800 عام، شارفت على الانتهاء برحيل أحد أغوات المسجد النبوي الشريف، الشيخ عبده علي إدريس شيخ، ولم يتبقَ منهم إلا اثنان في المدينة المنورة.

وبرحيل الأغا عبده علي إدريس عن الدنيا، الذي صُلي على جثمانه، أول من أمس الإثنين، بالمسجد النبوي في المدينة المنورة، تناقصت أعداد "أغوات الحرمين"، التي بدأت أحداث قصتهم بـ"رؤيا منامية" لسلطان مسلم عام 557هـ الموافق 1162م، وأنهى فصلها الأخير فتوى من عالم إسلامي عام 1979م لتطوى صفحة مفعمة بأحاديث وذكريات لفئة خدمت الحرمين الشريفين لقرون مضت.

كيف بدأت؟

وبدأت فكرة "أغوات الحرم" بعد محاولة سرقة جثمان النبي محمد في عهد السلطان نور الدين زنكي المتوفى 1174م مثلما تروي المدونات التاريخية، إذ رأى زنكي في منامه النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يشير إلى رجلين أشقرين ويقول "أنجدني، أنقذني من هذين الرجلين"، وتكررت عليه الرؤيا ثلاث مرات في ليلة واحدة، ففزع القائد من منامه، وجمع القضاة وأشاروا عليه بالتوجه إلى المدينة المنورة، ووصل إليها حاملاً الأموال لأهلها، وجمع الناس وأعطاهم الهدايا، ولم ير الرجلين.

وعندما سأل، "هل بقي أحد لم يأخذ شيئاً من الصدقة؟"، قالوا "لا"، فقال، "تفكروا وتأملوا"، فتذكروا رجلين صالحين غنيين من أهل الأندلس قدما إلى المدينة مجاورين لقبر النبي، فأمر بهما، فلما رأهما وجدهما نفس الرجلين اللذين في منامه، وسألهما "من أين أنتما؟"، قالا "حجاج من بلاد المغرب"، فسأل عن منزلهما، وعندما ذهب إلى هناك لم يجد سوى أموال وكتب، وعندما رفع الحصير وجد نفقاً موصلاً إلى الحجرة الشريفة، وكان مخططهما سرقة جثمان النبي وأنهما مرسلان من الصليبيين (زمن الحروب الصليبية)، وأمر نور الدين زنكي ببناء خندق حول القبور الشريفة بسور رصاصي متين حتى لا يجرؤ أحد على التعدي على قبر النبي.

واقترح عليه من حوله وضع حراس على القبر، فقال "كيف أعمل عملاً لم يسبقني إليه أحد من الخلق" ثم أرسل 12 خصياً إلى المسجد النبوي الشريف لحراسة وخدمة المسجد، فصار نهجاً في ما بعد، اتبعه الرؤساء المتعاقبون.

وجد الأغوات اهتماماً عند الملك عبدالعزيز مؤسس الدولة الذي أصدر مرسوماً ملكياً بأن يبقى الأغوات على ما هم عليه، ثم عام 1355هـ قام مجلس الشورى باعتماد نظام لـ"أغوات الحرمين" يتضمن 42 مادة، صار هو المرجع في كل شؤونهم الداخلية، ويعامل الأغوات على أنهم سعوديون بحيث تمنح لهم الجنسية بعد الكشف عليهم من قبل شيخ الأغوات وشاهدين للتأكد من أنهم مخصيون ومن ثم ترفع معاملاتهم إلى وزارة الحج والعمرة ليتم إدراجهم في سلك الأغوات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولم يعين "آغا" في الحرمين منذ عام 1399هـ الموافق 1979م، وذلك حينما وردت بعض الأخبار لمفتي الديار الشيخ عبدالعزيز بن باز بأن الأهالي في الأمصار الإسلامية، خصوصاً الحبشة، يقومون بخصي أبنائهم لإرسالهم وقفاً على الحرمين، وهو أمر لا صحة له في الإسلام بحسب فتواه باعتباره امتهاناً لكرامة الإنسان، فأرسل برقية إلى الملك فهد بن عبدالعزيز بإبطال وإيقاف استقبال أغوات جدد.

و"الأغوات" مسؤولون عن مفتاح الحجرة النبوية والمنبر، لكن مفتاح الكعبة وظيفة سدنة البيت، وكانت تسند إليهم 40 مهمة من تنظيف وترتيب وتبخير وغيرها من الأعمال.

وفي العهد السعودي أصبحت مهامهم متمركزة على استقبال الملك والوفد المرافق له والوفود الرسمية الخارجية عند باب السلام بالمسجد النبوي ويدخلون بهم إلى الروضة الشريفة، وفي المسجد الحرام يصطحبونهم من باب الملك عبدالعزيز إلى الطواف ويسقونهم ماء زمزم، حتى تقاعدوا، بينما في الماضي كانوا يقومون بمعظم الأعمال التي تقوم بها شركات نظافة الحرمين هذه الأيام.

وعلى رغم تعدد جنسياتهم من الحبشة والسودان وبخارى وماليزيا واختلاف ألوانهم، فإنهم حظوا بمكانة عالية، فكانوا يجالسون الوالي، كما يقبل الحجاج أيديهم كونهم يخدمون الحرمين الشريفين، وكانت ترتب لهم زيارات رسمية لمقابلة ملوك السعودية.

ومع أنهم كانوا مخصيين، إلا أن كثيراً منهم تزوج في القرون الماضية نساء أرامل أو مطلقات، قاموا بتربية أبنائهن والعيش معهن في جو أسري، ويساعد على ذلك ثراؤهم الكبير، إذ يملكون أوقافاً وأحباساً لا تزال محفوظة عبر القرون، تدر عليهم أموالاً طائلة، ويقدر حجم أصولها في مكة والمدينة بمئات ملايين الدولارات. وتفيد المعلومات من مصادر رسمية بأن تلك الأوقاف سينقل ريعها بعد رحيل الأغوات إلى خدمة الحرمين الشريفين التي تستهلك مئات الملايين سنوياً.

المزيد من متابعات