Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العقيد القذافي ومشاريع الوحدة العربية التي بقيت حبرا على ورق (1-2)

كثيرة هي الأفكار التي سعى إلى تحقيقها الزعيم الليبي وتلك المبادرات الثورية انتهت جميعها بالفشل

القذافي يجلس بالزي العسكري في الوسط ويحيط به الرئيس المصري جمال عبدالناصر (يسار) والرئيس السوري نور الدين الأتاسي (يمين) (ويكيبيديا)

ملخص

يحدثنا السفير البريطاني لدى ليبيا بيتر تريب في تقريره السنوي لعام 1973 عن فشل مشروع الوحدة بين ليبيا ومصر

كثيرة هي المشاريع الوحدوية التي سعى إلى تحقيقها الزعيم الليبي معمر القذافي وباقي الزعماء العرب، تلك المبادرات الثورية التي انتهت جميعها بالفشل وبقيت حبراً على ورق. أولى هذه المحاولات كان ميثاق طرابلس الوحدوي بين ليبيا ومصر والسودان بعد نحو 100 يوم من ثورة الفاتح عام 1969، وتبع ميثاق طرابلس إعلان القاهرة سنة 1970، ثم مشروع اتحاد الجمهوريات العربية عام 1971، حيث وافقت شعوب مصر وسوريا وليبيا في استفتاءات متزامنة على مشروع وحدة بين الدول العربية الثلاث بعدما وافق الرؤساء حافظ الأسد ومحمد أنور السادات ومعمر القذافي على مشروع الوحدة، لكن الاختلافات بين الزعماء حالت دون ذلك. ولم يتراجع الزعيم معمر القذافي عن رغبته في تحقيق الوحدة على طريقته الخاصة، فحسب، بل استمرت المحاولات، ومنها بيان جربة لإقامة الجمهورية العربية الإسلامية بين ليبيا وتونس عام 1974، وبعدها بيان حاسي مسعود الوحدوي بين ليبيا والجزائر 1975، ثم المشروع الوحدوي العربي الذي قدمه القذافي في مؤتمر القمة العربية 1988، تبعه اتفاق مراكش لاتحاد المغرب العربي سنة 1989.

يحدثنا السفير البريطاني لدى ليبيا بيتر تريب في تقريره السنوي لعام 1973 عن فشل مشروع الوحدة بين ليبيا ومصر، الذي كان من المتوقع أن يعلن رسمياً عنه في الذكرى الرابعة لثورة الفاتح في ليبيا التي تصادف يوم الأول من سبتمبر (أيلول) 1973. ويشير التقرير الدبلوماسي البريطاني إلى أن علاقات الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي والرئيس المصري محمد أنور السادات كانت الموضوع الرئيس لعام 1973، لا سيما سياسة القذافي التي كانت الأكثر فاعلية في إقناع القادة في أفريقيا وكسب دعمهم لصالح المقاطعة العربية لإسرائيل، حيث تمكن القذافي من إقناع دول أفريقية عدة بالانضمام للعرب وقطع علاقاتها مع إسرائيل، أولها كانت أوغندا، ثم إثيوبيا وكينيا ودول أخرى. جاء في التقرير ما نصه:

 

"بدأ عام 1973 بتنفيذ خطط تمهيدية للاتحاد بين البلدين في سبتمبر. وشهدت الأشهر الأولى من العام زيارات متبادلة كثيرة للقادة والمندوبين واللجان بين البلدين. وأكد المسؤولون الليبيون، ومثلهم الدبلوماسيون المصريون في طرابلس، ثقتهم المطلقة بإمكانية تحقيق الوحدة والاندماج بين البلدين بحلول الأول من سبتمبر 1973، وهو التاريخ الذي حدده الرئيسان القذافي والسادات للخطوة الأكثر جرأة على طريق الوحدة العربية منذ اتحاد عبدالناصر الفاشل بين مصر وسوريا".

يتحدث السفير البريطاني هنا عن الجمهورية العربية المتحدة التي أعلن عنها في 22 فبراير (شباط) 1958، بعد أن وقع الرئيسان المصري جمال عبدالناصر والسوري شكري القوتلي ميثاق الوحدة، وأطلق حينها على هذه الوحدة العربية اسم "الجمهورية العربية المتحدة"، لكنها انتهت بانقلاب عسكري حدث في سوريا بقيادة عبدالكريم النحلاوي، وذلك بعد ثلاث سنوات من تشكيلها.

 

العمل مع اللجان الشعبية الثورية يرعب السادات

يستعرض التقرير أبرز أسباب فشل مشروع الوحدة العربية بين الجماهيرية الليبية والجمهورية المصرية، ومنها قرار القذافي في دمج اللجان الشعبية في هيكلية نظام الجماهيرية تحت اسم الثورة الثقافية، وهو ما أرعب السادات حينها، حيث كانت اللجان الشعبية حينها تتسم بالفوضوية، ناهيك بأن معظم كوادرها كانوا يفتقرون إلى التخصص والخبرة الإدارية، وحادثة إسقاط طائرة مدنية تابعة للخطوط الجوية الليبية بنيران طائرتين حربيتين إسرائيليتين في سماء صحراء سيناء راح ضحيتها قرابة 100 مدني كانوا على متنها.

"الوتيرة التي حددها القذافي وحقن الثورة الثقافية، في أبريل (نيسان)، باللجان الشعبية الفوضوية ودمجها في هيكلية النظام، قللت بشكل حاد من جاذبية السادات في ليبيا الغنية وغير المأهولة بالسكان. وأكدت المظاهر المتكررة للتوترات في التحالف عدم التوافق بين الشعبين المختلفين للغاية، والتي نجحت طموحات أحد الشركاء وعديد من عوامل الجذب المالية والاقتصادية للآخر في الطموح بوحدة لا مثيل لها. كانت الهجمات الليبية الشرسة على مصر لفشلها في منع أو الانتقام لإسقاط طائرة الخطوط الجوية الليبية فوق سيناء، في فبراير، مجرد أعراض لاستياء شعبي عميق انتشر في مختلف أنحاء ليبيا ضد الشعب المصري والقيادة المصرية. استياء كان القذافي يدركه جيداً، لكنه اختار أن يركب عليه طموحاته السياسية الخاصة".

 

القذافي يسير تظاهرة مليونية

"استمرت محاولات القذافي المتكررة لتحقيق الوحدة حتى بعد أن تيقن أن حماس السادات قد تراجع ولم تعده الخطوات غير العادية، مثل زيارته التي استغرقت 17 يوماً إلى مصر، في يونيو (حزيران)، بعد (استقالاته) المتكررة. وقد أسهمت هذه الزيارة المخطط لها بعناية، في زيادة خيبة الأمل المتبادلة بين الشريكين. في النهاية، غادر القذافي إلى وطنه وأطلق لاحقاً مسيرته الكبرى سيئة السمعة في القاهرة، وهي عبارة عن إسراف بقيمة 24 مليون دينار (اليوم تبلغ قيمتها نحو 5 ملايين دولار)، وكان يهدف إلى إظهار إرادة الجماهير الليبية ورغبتها في الوحدة. كان الرفض المصري الحازم للسماح للمتظاهرين بالمرور إلى القاهرة دليلاً آخر على الافتقار إلى قواسم مشتركة على أي مستوى. ويبدو أن (عودة الزعيم) التي أدارها القذافي ببراعة في بنغازي في 23 يوليو (تموز) من معتكفه الذي فرضه على نفسه في الصحراء، لا تزال تترك الباب مفتوحاً أمام إمكانية الوحدة، على رغم أن عدداً قليلاً جداً من الناس بات يؤمن بها. الذكرى الرابعة للثورة في الأول من سبتمبر، والتي كان من المقرر أن تكون المناسبة التاريخية لإعلان الوحدة، كانت هاملت من دون الأمير (رفض القذافي الظهور)، ووصول بورقيبة الذي تمت دعوته من قبل اللجان الشعبية في اللحظات الأخيرة أنقذ الموقف وقلل جزئياً من مظاهر الإحباط والشعور بالفشل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كانت الرحلة 114 من طراز "بوينغ 727-244" في رحلة منتظمة اعتيادية، صباح يوم 21 فبراير 1973، متوجهة من مطار طرابلس الدولي إلى مطار القاهرة الدولي وعلى متنها 113 شخصاً، 104 ركاب وتسعة من أفراد الطاقم. كان قبطان الطائرة، وهكذا مهندس الرحلة، ومعظم الطاقم يحملون الجنسية الفرنسية. تعرضت الطائرة لعاصفة جوية وضلت طريقها في الأجواء المصرية، واعتمد القبطان على الطيار الآلي الذي أدخلها سماء سيناء التي كانت محتلة من قبل إسرائيل.

 

العقيد يهاجم السادات علناً

"نشأ خلاف آخر بين الشركاء السابقين بسبب عدم مشاركة ليبيا في حرب رمضان ضد إسرائيل، وكان السبب عدم استشارة أو حتى إبلاغ القذافي بالخطط المصرية - السورية لمهاجمة إسرائيل في السادس من أكتوبر (تشرين الأول)، يبدو أن أسوأ مخاوف القذافي قد تحققت، وهي أن ليبيا تراجع دورها في حسابات السادات. من المفترض أن تعهدات المملكة العربية السعودية تقديم مساعدات مالية كبيرة لمصر أعطت السادات مساحة جديدة في المناورة، وأن ينسحب بثقة من مغامرته الليبية. مساهمة ليبيا للعرب في القتال الذي استمر 17 يوماً لا تزال غير معلن عنها، ولكن يبدو من المؤكد إلى حد ما أنها قدمت مساعدة مالية كبيرة (ربما تصل إلى عائدات النفط لمدة عام واحد) لشراء الأسلحة لمصر وسوريا. شحنت النفط وبعض الأسلحة إلى مصر وربما وافقت على الاستخدام الدفاعي لطائراتها من طراز (ميراج) المتمركزة في مصر، لكن لم تكن هناك مشاركة علنية من قبل القوات الليبية. وأياً كان الخجل الذي شعرت به القوات المسلحة الليبية بسبب عدم المشاركة، فمن المحتمل أن يكون متوازناً مع الارتياح لعدم (استهدافها) من قبل إسرائيل".

 

القذافي يدعو الفلسطينيين إلى الثورة ضد السادات

"وخلافاً للطريقة التي شنت بها الحرب ومع وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب، اختار القذافي الابتعاد وزاد، من عزلته عن بقية العالم العربي، رفضه المشاركة في قمة الجزائر في ديسمبر (كانون الأول) 1973. وهكذا أظهر أنه ضد الحرب غير الحاسمة التي شنها السادات والأسد، وضد نبذ اللاءات الثلاث في الخرطوم، والتي مثلها تأييد القمة العربية لقرار السادات بالتفاوض على تسوية سلمية مع إسرائيل. وعلى رغم توجه كثر من المبعوثين العرب إلى القذافي بعد قمة الجزائر، يبدو أنه كان هناك جهد أقل من المعتاد لإعادته إلى العربة. أصبح القذافي أكثر عزلة من أي وقت مضى بحلول نهاية العام وكان يهاجم السادات علناً باعتباره خائناً لدخوله في مفاوضات (مباشرة) مع إسرائيل. وذهب القذافي إلى حد الدعوة إلى ثورة في مصر، بدعم من الفلسطينيين".

كان مؤتمر القمة العربية عقد في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 1973 في الجزائر، بمبادرة من سوريا ومصر بعد حرب أكتوبر، حضرته 16 دولة عربية وقاطعته دولتان وهما العراق وليبيا. تضمن البيان الختامي لمؤتمر القمة العربية مجموعة من القرارات، كان أبرزها إقرار شرطين للسلام مع إسرائيل، الأول هو انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمها القدس. والثاني استعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

المزيد من وثائق