في الأسبوع الماضي، جدد دونالد ترمب عبر "تويتر"، منصته المفضلة للتواصل، هجماته على وسائل الإعلام بسبب ما أسماه محاولاتها إحداث ركود اقتصادي في أميركا. وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، عندما يشير دعاة البقاء في الاتحاد الأوروبي إلى الضرر الاقتصادي الفعلي أو المحتمل من مغادرة بريطانيا ذلك الاتحاد، يتهمهم مؤيدو الخروج بمحاولة "الإضرار" بالاقتصاد.
إذاً، هل صحيح أن الحديث عن ركود محتمل يمكن أن يصبح نبوءة تتحقّق من تلقاء نفسها؟ هل يمكن لجرعة صحيّة من التفاؤل أن تغير الواقع الاقتصادي؟
منذ الثلاثينات من القرن الماضي كتب الاقتصادي البريطاني جون ماينارد كينز عن وجود صلة بين ثقة الناس وقرارتهم المالية. وذكر إن القرارات المتعلقة بفتح منجم أو بناء مصنع لا يمكن اتخاذها بناء على معرفة محدودة للغاية واقعياً، بالعوائد المحتملة على المدى الطويل. وبدلاً من ذلك "لا يمكن أن تؤخذ إلا نتيجة للأرواح الحيوانية،" أو بمعنى آخر نتيجة للتفاؤل. (في الاقتصاد الحديث، يصف مصطلح "الأرواح الحيوانية" العوامل النفسية التي تدفع المستثمرين إلى اتخاذ إجراءات عندما يواجهون تقلبات عالية في سوق رأس المال) .
منذ ذلك الحين، انشغل الباحثون في الاقتصاد والشؤون المالية باستكشاف أهمية التوقعات وآثارها على الاقتصاد على نطاق أوسع. وفي هذا الصدد، توصلت دراستان حديثتان إلى استنتاجات مختلفة إلى حد ما. فقد اهتمت دراسة نُشرت عام 2017 من قبل فابيو ميلاني من "جامعة كاليفورنيا" بعامل الإحساس، والذي عُرّفَ بأنه تفاؤل أو تشاؤم مفرط بشأن الوضع المستقبلي للاقتصاد. ووجد أن التغيرات في الإحساس مسؤولة عن أكثر من 40 في المائة من تقلبات دورة العمل في الولايات المتحدة.
وحول موضوع مشابه ذهبت دراسة نشرتها جوليان ليشكا من "جامعة زيورخ" عام 2014 أبعد من ذلك، إذ درست كيف تؤثر الأخبار الاقتصادية على الإحساس وكيف يؤثر الإحساس على السلوك. وخلصت إلى أن الأخبار الاقتصادية "بالكاد" تؤثر على تطور الاقتصاد.
وكتبت ليشكا أن "الأخبار ليس لديها القدرة على تغيير التوقعات الاقتصادية العامة من دون تلقي "الدعم" من تجارب الواقع الملموس" . وأضافت أن التوقعات أيضاً، وليس الأخبار الاقتصادية وحدها، لا تؤثر إلا بالكاد على سلوك المستهلكين.
ويعد حجم الانفاق وأسبابه في غاية الأهمية بالنسبة لاقتصادات الدول، كما هو الشأن في أميركا وبريطانيا اللتان تعتمدان على إنفاق المستهلكين. وعلى الرغم من أنه ليس واضحا دائمًا من يؤثر على الآخر، هل الركود أم الانفاق، إلا أن تشاؤم المستهلكين عادة ما يرتبط بالركود الاقتصادي.
وعلى سبيل المثال، فإن "مؤشر "جي أف كيه" عن ثقة المستهلك"، الذي يُراقب عن كثب في بريطانيا، بدأ في الانخفاض بشكل حاد في أواخر عام 2007، وبلغ أدنى مستوى له في منتصف عام 2008 واسترد عافيته قليلاً بحلول منتصف عام 2009. وقد تزامن ذلك الانخفاض مع الركود الأخير الذي شهدته المملكة المتحدة، والذي بدأ في أبريل 2008 وانتهى في يونيو 2009.
توضح كيلي لانيير، المُحاضرة في الاقتصاد بجامعة إيموري في الولايات المتحدة، سبب عدم تأثير الأخبار الاقتصادية السلبية على تصرفات المستهلكين التي يمكن التنبؤ بها. وتخبر لانيير البرنامج الإذاعي ماركيتبلايس إن "هناك من سيدخر الأموال للأوقات الصعبة، وهناك من سيختار إنفاقها كليًّا في الحين."
كما تحدد الأوضاع المالية الشخصية مدى استجابة الأفراد للأخبار الاقتصادية السيئة. ويقصد بالأوضاع المالية ما يوجد في حساباتهم المصرفية بالمقارنة مع ما يتقاضونه في آخر كل شهر، بحسب بارت فان أرك، كبير الاقتصاديين في مركز الأبحاث "ذي كونفرانس بورد" في سياق حديثه إلى البرنامج الإذاعي نفسه.
وبصورة عامة، من شأن تلك المعطيات المساعدة في تفسير التباين الصارخ بين المكونات الفرعية لمؤشر "جي أف كيه". وعلى الرغم من كون آراء المستهلكين في المملكة المتحدة بشأن الوضع الاقتصادي سلبية للغاية منذ شهور، إلا أنهم كانوا يشعرون بالارتياح نوعاً ما بشأن أوضاعهم المالية الشخصية لتنفيذ عمليات شراء كبرى.
وبالعودة إلى الدراسة التي أجرتها الباحثة ليشكا في "جامعة زيوريخ"، فقد وجدت أن نبرة الأخبار الاقتصادية تؤثر إلى حدّ ما على قرارات الشركات، خصوصاً فيما يتعلق بالاستثمار. واستطراداً، يجعل ذلك الأمر استنتاجها أقرب إلى النتيجة التي توصل إليها فابيو ميلاني التي تؤكد أن الإحساس يلعب دورًا أكبر من الاستهلاك في التأثير على الاستثمار.
ويدعم هذه النتيجة السلوك الأخير للشركات البريطانية. إذ يعاني الاستثمار في الأعمال التجارية من الركود منذ عام 2016. وفي الأسبوع الماضي، ذكر مارك كارني، محافظ بنك إنجلترا، إن "هناك أدلة قوية على أن هذا يعتبر نتيجة مباشرة لحالة عدم اليقين التي تكتنف مستقبل العلاقة التجارية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي". ويمكن استبدال عبارة "عدم اليقين" هنا بعبارة "انعدام الثقة،" في إحالة على الإحساس السلبي في هذه الحالة.
لكن هل يتحمّل الصحافيون مسؤولية حالة عدم اليقين؟ من الواضح أن الجواب هو لا، لأن الشركات ستكون واعية بعدد من الأسئلة التي يثيرها البريكست سواء كتب عنها الصحافيون أم لا.
وفي ذلك السياق، تجدر الإشارة إلى أن الأزمة المالية التي تسببت في ركود اقتصادي في أرجاء العالم حدثت على الرغم من، أو بالأحرى لأن، أيّاً من الاقتصاديين تقريبًا، إضافة إلى الصحافيين، لم يحذر من قدومها. لقد تبخرت ثقة المستثمرين بشكل مفاجئ مدفوعة بالأوضاع المالية الصعبة لسوق الرهن العقاري المتدهور. وبالتالي فلا أحد دفع العالم "بكلامه" إلى حالة انهيار اقتصادي في المقام الأول.
خلاصة القول هي أن الشعور مهم، ولكن ليس بنفس مستوى الحقائق التي قد يتجاهلها ترامب وأنصار البريكسيت.
© The Independent