ملخص
تواجه موازنة 2024 في لبنان سيلاً من الملاحظات والإشكاليات الدستورية، وسط اتساع دائرة الرفض للبنود الضريبية.
تتسع دائرة الاعتراضات في مواجهة مشروع موازنة 2024 الذي أرسلته الحكومة اللبنانية إلى مجلس النواب. ويسود الانطباع لدى نواب لجنة المال والموازنة بأن "الحكومة وضعت هدفاً لها هو رفع الإيرادات بغض النظر عن تأثير تلك الضرائب على المواطنين"، وهذا ما عكسه عضوا اللجنة النائبان غادة أيوب، وفراس حمدان. في المقابل تفاخر الحكومة بإرسالها مشروع الموازنة ضمن المهل الدستورية، وتخفيض العجز.
الإيرادات أولاً
يأخذ نواب لجنة المال والموازنة على الحكومة تقديم الجانب "المحاسباتي" على الشق الإصلاحي ومصالح المواطنين عند إعداد مشروع قانون الموازنة، حيث كانت الأولوية لزيادة الإيرادات بعيداً من الأصول الدستورية.
يصف النائب فراس حمدان الموازنة بـ"الجريمة في حق اللبنانيين"، فهي أشبه "بحسابات الدكنجي"، و"تشهد زيادة الأعباء على جيوب المواطنين وفرض ضرائب ورسوم بشكل كبير من دون معالجة مكامن الهدر والفساد، وغياب أي رؤية اقتصادية واجتماعية". لذلك يعتبر حمدان أن "إسقاطها عملاً وطنياً"، و"لا بد من إعادتها إلى الحكومة للقيام بواجباتها بإصلاح الموازنة وليس الاستمرار بالإنفاق على القاعدة الاثني عشرية"، مؤكداً "وجوب تقديم قطع حساب لكشف حسابات الدولة اللبنانية وحجم الإيرادات والإنفاق، وهذا أمر غير موجود فعلياً، فعلى أي أساس تبنى الموازنة؟"، كما يشدد حمدان على "توحيد سعر الصرف في الموازنة"، و"وضع موازنة إصلاحية تعالج الهدر والفساد، وتكافح التهرب الضريبي، وضبط الإنفاق".
حيلة دستورية؟
لأول مرة منذ سنوات جاءت الموازنة ضمن المواعيد الدستورية، ولكن هذا لم يجعلها في حل من الانتقادات الدستورية.
تفند النائبة غادة أيوب دعوى الحكومة احترام الدستور والتقيد بالمهل، متهمة الحكومة بارتكاب حيلة دستورية، فهي استهدفت من الاستعجال في إحالة الموازنة إلى "استعمال المادة 86 من الدستور اللبناني التي تسمح للحكومة إصدار الموازنة بمرسوم في حال أرسلتها إلى مجلس النواب قبل بداية عقد المناقشة بـ15 يوماً" الذي يبدأ في أول نهار ثلاثاء يلي 15 أكتوبر (تشرين الأول)، ويستمر إلى ديسمبر (كانون الأول). وتلفت أيوب "في حال تقاعس مجلس النواب عن القيام بواجباته لناحية مناقشة الموازنة وإقرارها، يمكن للحكومة إصدارها بمرسوم".
غياب الإصلاح
تعتقد غادة أيوب من خلال مراجعة نص الموازنة "وجود روح انتقامية من الاقتصاد الشرعي والمواطنين الصالحين ومن الملتزمين بمفهوم الدولة ودفع الضرائب"، كما تلفت إلى "عدم مناقشة الحكومة مشروع الموازنة بجدية"، حيث "جاء المشروع رد فعل على قرار حاكمية مصرف لبنان التوقف عن تمويل الحكومة وعجز الموازنة، وكذلك انتهاء أموال حقوق السحب الخاصة التي حصل عليها لبنان من البنك الدولي، ولم يعد هناك أي مصدر تمويل سوى فرض الضرائب والرسوم وأملاك الدولة"، وتتابع أيوب "جاءت الموازنة لتغذية باب إيرادات الخزانة حصراً، وتغطية النفقات بأقل عجز ممكن استجابة لمطلب صندوق النقد الدولي"، مشددة على "عدم قيام الحكومة بأي خطوة نحو النهوض الاقتصادي والتعافي". وتلفت إلى "عدم قدرة سد عجز الموازنة المقدر بـ17 ألف مليار ليرة (نحو 190 مليون دولار) من خلال الاكتتاب بسندات الخزانة".
توضح غادة أيوب "لأول مرة في تاريخ إعداد الموازنات يتم استبعاد مديرية الموازنة ومراقبة عقد النفقات في وزارة المالية، التي تطلع بدور المطبخ لوضع مشاريع الموازنة العامة، ولكن حالياً أسندت إلى مديرية الواردات مهمة مناقشة النواب، حيث أعطيت الأولوية لزيادة مداخيل الدولة".
تقر أيوب أن "المسؤولية لا تقع فقط على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وإنما تعود إلى قرار حكومة حسان دياب السابقة التي تخلفت عن دفع سندات اليوروبوند في مارس (آذار) 2020".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا ضريبة خارج القانون
تتضمن الموازنة جملة مخالفات، وتحديداً لناحية فرض ضرائب جديدة. وتشير أيوب إلى وجود نوعين من المخالفات، فمن ناحية تضمنت استحداث ضرائب جديدة، وهي لا يمكن فرضها أو إلغاؤها إلا بموجب قانون خاص تأميناً لوجود سياسة ضريبية مستدامة. وهنا، برزت محاولة الحكومة إقحام سبع مواد ضريبية ضمن قانون الموازنة من دون دراسة التبعات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عنها في ظل الانكماش الراهن، مشددة "هناك توجه في مجلس النواب لتثبيت مبدأ عدم القبول بأي بند ضريبي غير مبني على معايير ثابتة ضمن قانون الموازنة". ومن ناحية أخرى، تتطرق أيوب إلى "أثر تلك المواد على القوانين الضريبية في لبنان، التي تعدلت جميعها، من قانون ضريبة الدخل، إلى الضريبة على الأملاك المبنية، ورسوم الاستهلاك، والقيمة المضافة"، و"تنوع المساس من الشطور التصاعدية إلى النسب التي قد تصل إلى 25 في المئة، والإعفاءات والتنزيلات، دونما النظر إلى سعر الصرف الحالي في ظل انهيار قيمة الليرة، مما ولد خللاً جوهرياً في السياسة الضريبية اللبنانية".
كما تتطرق أيوب إلى "فرض ضرائب ورسوم وغرامات بالدولار"، حيث تبدي تفهمها لفرض رسوم مدولرة على بعض النفقات التشغيلية في بعض المرافق كالطيران مثلاً، ولكن في المقابل "لا يحق لها فرض عقوبة على مخالفة القانون اللبناني بالدولار، فهذا ضرب لسيادة الدولة". وتستغرب عدم وجود سعر صرف موحد ضمن الموازنة، وترك تحديد "التسعيرة" لمصرف لبنان أو المنصة التي "لم تنشأ بعد"، مما يجعل الإيرادات مضطربة وغير واضحة.
فرسان الموازنة
حاولت الحكومة من خلال الموازنة تمرير بعض المواد التشريعية، التي تحتاج إلى قوانين خاصة، وتثير حولها كثيراً من النقاشات. تتحدث غادة أيوب عن "فرسان الموازنة" وهي مواد تحاول التشريع في قضايا ليست على صلة مباشرة بالموازنة العامة للدولة من دون لفت الأنظار إليها. حيث أدخلت الحكومة مواد تتصل بـ"لجان الأهل"، أو فرض ضرائب ورسوم على علاقة بالسياحة، وعلى بيوت الضيافة، أو حتى تنظيم الموازنة المدرسية، وتحديد الأقساط في المدارس الخاصة غير المجانية، وإلزام كل من يريد تنظيم حفل إلى التسجيل في القيمة المضافة، وكذلك بند إخضاع الإيرادات الناتجة من عمليات صيرفة لضريبة استثنائية، كما تنتقد طرح "معالجة ملف رسوم الطابع المالي من خلال تلزيمها إلى شركات تحويل الأموال المشكوك بأمرها، التي تحوم حولها شبهات تبييض الأموال، فيما يفترض تزويد الجيش اللبناني بالموازنة الكافية لاستمرار عمله في طباعتها راهناً".
تستدرك أيوب "هناك بعض المواضيع التي تحتاج فعلياً إلى إقرار، ولكن يفترض وضع قوانين إصلاحية خاصة بها، ووضع دقائق تطبيقها، ولا يمكن تمريرها ضمن الموازنة بسبب غياب المعايير العلمية والدستورية".
تعبر أيوب عن "انعدام ثقة مجلس النواب بالحكومة ووزارة المالية"، على خلفية أداء وزارة المالية التي تخالف تراثها في إعداد الموازنة، حيث "شعرنا بوجود ارتجالية وتسرع في إعداد موازنات 2022 2023-2024، وتضمينها مخالفات دستورية".
مخالفات كبيرة
قامت لجنة المال والموازنة بإلغاء المادة التي تتضمن إقراراً بأن قيمة الأموال بالمودعة بالعملات الأجنبية في المصارف فقدت قيمتها الحقيقية. وبحسب غادة أيوب هناك محاولة إلى تطبيق "هيركات" اختياري على أموال المودعين"، حيث أجازت المادة 21 من مشروع الموازنة للمكلفين "تسديد الضرائب والرسوم والغرامات المتوجبة عليهم عن الفترات السابقة لتاريخ 15/11/2022 من حساباتهم المفتوحة بالعملة الأجنبية لدى المصارف بتاريخ سابق على "18/10/2019، و"ذلك على أساس 50 في المئة من سعر صرف الدولار الأميركي في المنصة المعتمدة من مصرف لبنان".
لا تقتصر الاعتراضات على مضمون الموازنة وإنما تتجاوزها إلى "مرسوم الإحالة" إلى مجلس النواب للمناقشة، ومن ثم الإقرار. يؤكد النائب التغييري فراس حمدان وجود مخالفات دستورية في المرسوم، مذكراً بـ"المراجعة أمام المجلس الشورى لمخالفته الأصول الجوهرية، ولقوة القضية المقضية، وتحديداً المواد 65 و87 من الدستور اللبناني"، حيث انطلقت من اعتبار المرسوم عملاً إدارياً خاضعاً لسلطة القضاء الإداري. يلفت حمدان أن "المراجعة إحدى الوسائل التي يمتلكها النواب والمشرعون لإبطال الموازنة ضمن الوسائل المشروعة والديمقراطية".
بعد أداء لجنة المال والموازنة مهمة دراسة مشروع الموازنة تتجه الأنظار إلى تحديد تاريخ لجلسة المناقشة. ترجح النائب غادة أيوب أن "تكون بعد 20 ديسمبر المقبل، لأن الأولوية لجلسة تأجيل تسريح قائد الجيش، ومن ثم تأتي الموازنة"، حيث "يبنى على الشيء مقتضاه".