تتجه أنظار أسواق النفط العالمية إلى الاجتماع المؤجل لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها المعروف بتحالف "أوبك+" لوضع سياسة الإنتاج لعام 2024 مع تركيز المتداولين لنتائج الاجتماع المرتقب، بينما تتزايد التوقعات في شأن إقرار أعضاء التحالف تخفيضات إضافية في الإنتاج.
يأتي هذا الاهتمام في وقت يواجه فيه التحالف الذي تقوده السعودية وروسيا ما يعتبره المحللون إمدادات عالمية وفيرة، إضافة إلى حل الخلاف بين بعض الدول الأعضاء على حصص الإنتاج.
واضطرت منظمة "أوبك"، أواخر الأسبوع الماضي، إلى تأجيل الاجتماع الحاسم لوزراء دول "أوبك" لمدة أربعة أيام في ظل تحفظ أنغولا ونيجيريا حيال حصص الإنتاج الأقل، على أن يعقد الاجتماع افتراضياً عبر الإنترنت بدلاً من الحضور الشخصي في مقر "أوبك" في فيينا، وفق ما كان مخططاً في الأصل.
جاء الضعف الأخير في أسعار العقود المستقبلية للنفط الخام على رغم استطلاع وكالة "بلومبيرغ" للمتداولين والمحللين، الذي أظهر توقع نصفهم اتخاذ المجموعة إجراءات إضافية لتقليل الإمدادات في السوق.
وبحسب الوكالة، من المتوقع حالياً أن تمدد السعودية وروسيا تخفيضات الإمدادات الطوعية، في ما يقول المحللون النفطيون، إن تطبيق تخفيضات جماعية أعمق، يعتبر من ضمن الخيارات المطروحة، كما سيكون لقرار التحالف تأثير عميق على التداول في الربع الحالي وفي العام المقبل كذلك.
وتعهدت السعودية وروسيا وأعضاء آخرون في اجتماع "أوبك+" الأخير تخفيضات إجمالية في إنتاج النفط بنحو خمسة ملايين برميل يومياً، أو نحو خمسة في المئة من الطلب العالمي اليومي، في سلسلة خطوات بدأت في أواخر عام 2022.
ويشمل ذلك خفض الإنتاج الطوعي الإضافي للسعودية بمقدار مليون برميل يومياً، الذي من المقرر أن ينتهي في نهاية ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وخفض الصادرات الروسية بمقدار 300 ألف برميل يومياً أيضاً حتى نهاية العام.
وتهدف المجموعة إلى إنتاج 40.58 مليون برميل يومياً في العام المقبل بعد تعديل الخطوط الأساس والأهداف لعديد الدول مقارنة بالمستويات المعمول بها هذا العام.
تم تخفيض الأهداف لعدد من الأعضاء الأفارقة في 2024 بحيث تتماشى مع خفض مستويات الإنتاج، ويسمح الاتفاق أيضاً لدولة الإمارات التي تعمل على تعزيز طاقتها الإنتاجية بزيادة الإنتاج في 2024.
ووصلت مستويات إنتاج "أوبك+" اعتباراً من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إلى 38.19 مليون برميل يومياً، وهي تشمل التخفيضات الطوعية الإضافية للسعودية وروسيا بإجمالي 1.3 مليون برميل يومياً.
الدور الفعال لتحالف "أوبك+"
من المؤكد أن تحالف "أوبك+" خلق تشكيلاً "مستقراً" لسوق النفط خلال الفترة الماضية، على رغم التحديات التي مرت على التحالف وتطورات قطاع الطاقة العالمي وإنتاج البدائل المتجددة إضافة إلى ضغوط التطورات العسكرية والحروب في العالم.
في الوقت الراهن لا أحد من التجمعات قادر على معالجة عدم التوازن في السوق إلا تحالف "أوبك+" إذ تستوعب قيادة "أوبك" معظم التداعيات التي تتأثر بها الدول المستهلكة للنفط.
تحديات أخرى
بلا شك يواجه المنتجون تحديات كبرى مع الأحداث ولعل أبرزها عدم التزام بعض الدول بحصص الإنتاج أو المطالبة بحصص أكبر في وقت "صعب" إضافة إلى أن زيادة الإنتاج الفائض في السوق من دون تنسيق من شأنه أن يضر باستقرار السوق، بخاصة ما تقوم به إيران وفنزويلا.
التحدي الآخر، يتمثل في خفض كلفة إنتاج الطاقة في عديد الدول خارج المنظمة ومنها أميركا، إضافة إلى تحدي فائض المخزون الاستراتيجي، ولعل تباطؤ اقتصاد العالم في ظل رفع الفائدة وتراجع الإنتاج الصيني عوامل أخرى تدخل في تراجع الطلب على النفط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في اجتماع، الخميس المقبل، بلا شك سيكون تراجع الأسعار في قمة أجندة "أوبك+" خصوصاً مع القرارات المرتقبة بخصوص مستوى خفض الإنتاج الطوعي، بالاستمرار أو بالعمل على تعميقه أو تأجيله لاجتماع قادم في العام الجديد.
ما نلاحظه الآن هو استقرار في الأسعار على رغم الأخطار والتقلبات، لكن ستظل قوة "أوبك+" مهيمنة لتعويض أي اضطراب في السوق.
المعنويات لا تزال سلبية
وفي هذا السياق، قال رئيس استراتيجية السلع الأولية لدى "آي أن جي غروب أن في" في سنغافورة، وارن باترسون، إن المعنويات في سوق النفط لا تزال سلبية، وهناك احتمال متزايد بأن نرى خفضاً أعمق للإنتاج من جانب التحالف الأوسع نطاقاً، ولو حدث هذا فسيقدم دعماً جيداً للسوق يستمر خلال عام 2024.
تجنب أي انقسام
قال المحلل في "بنك الكومنولث الأسترالي" فيفيك دار لوكالة "بلومبيرغ"، إن السعودية وأعضاء "أوبك+" الآخرين سيحرصون على تجنب أي انقسام، وسيتعين على دول التحالف إظهار انضباط كبير في الإنتاج أو في الأقل قدرتهم على التحكم في الإمدادات، لتقليص المخاوف من وجود فائض كبير في أسواق النفط خلال عام 2024.
لا تغييرات كبرى
على الجانب الآخر، يرى المحلل النفطي الكويتي، خالد بودي أن من غير المتوقع إجراء تغييرات كبرى خلال اجتماع "أوبك+" المقبل لا سيما في كميات الإنتاج وحصص الأعضاء، فالأسعار ما زالت جيدة على رغم ما حدث من خفض في الفترة الأخيرة.
وقال بودي، إن تحركات تحالف "أوبك+" تهدف في الأساس إلى الحفاظ على الاستقرار والتوازن في أسعار النفط، ولكن إذا حدث أي تغيير في كميات الإنتاج فقد تكون تخفيضات محدودة بهدف الحفاظ على تماسك الأسعار وحمايتها من أي مزيد من التراجع وليس بهدف رفع الأسعار.
وأضاف أن "أوبك+" لا تريد للأسعار أن تشهد مزيداً من الارتفاع عن مستوياتها الحالية فأي ارتفاع في الأسعار قد يوجد ضغوط على التحالف لرفع الإنتاج فضلاً أن أسعاراً أعلى من المستويات الحالية ستضر بالدول النامية المستوردة للنفط وربما يجعلها تتراجع عن شراء كميات جديدة من الخام أو تخفض الكميات المستوردة عادة بسبب صعوبة توفير الموارد المالية لشراء الكميات المعتادة وتلجأ إلى سياسة ترشيد الاستهلاك مما يؤدي إلى تراكم الفوائض في أسواق النفط، من ثم يحدث ضغط على الأسعار ويؤدي إلى تراجعها، وهذا ليس في صالح الدول المنتجة للنفط.
خيارات مفتوحة
وقال الباحث والمحلل الاقتصادي علي الحازمي، إن الخيارات كلها مفتوحة على مصراعيها أمام "أوبك+" ولكن الخيار الأقرب هو الإبقاء على الخفض الطوعي لإنتاج الخام حتى الربع الأول 2024. وتوقع أن يكون هناك تريث في تعميق الخفض الطوعي للخام في الوقت الحالي رغم وجود خلاف بين دول "أوبك+" في شأن خفض حصص بعض الدول الأفريقية.
وأوضح الحازمي، أن هذا القرار المتوقع سيأتي في ظل إغراق النفط الإيراني للأسواق وزيادة الإنتاج الأميركي إضافة إلى رفع الحظر عن النفط الفنزويلي في وقت سابق، موضحاً أنه في ضوء تلك الظروف الراهنة سيتم تأجيل زيادة مستويات الخفض الطوعي للإنتاج وخصوصاً مع الضبابية التي يمر بها القطاع الصناعي بالصين والنمو المتعلق بالدول الأوروبية والدول الكبرى الصناعية.
تمديد أو تعميق الخفض
إلى ذلك، توقع المحلل الاقتصادي ورئيس الاستثمار في شركة "أي تي أي غلوبال هوريزون" علي حمودي، أن يقوم تحالف "أوبك+" بتمديد تخفيضات إمدادات الخام أو تعميقها إلى العام المقبل من أجل دعم الأسعار التي يتم تداولها هذه الأيام فوق 80 دولاراً للبرميل بقليل، بخفض من نحو 98 دولاراً في أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي.
ضغط متزايد
بدوره، يقول نائب رئيس إدارة البحوث والاستراتيجيات الاستثمارية في "كامكو إنفست" رائد دياب إن التطور الأخير في سوق النفط العالمي يظهر مدى الضغط المتزايد على منتجي "أوبك+" لمزيد من كبح الإنتاج من أجل الحفاظ على الأسعار مرتفعة.
وأضاف دياب أن هناك انقساماً بنسب متساوية حول ما إذا كان سيتم اتخاذ قرار بخفض إضافي بمقدار مليون برميل يومياً وتقاسمه بين أعضاء "أوبك+"، إضافة إلى الخفوضات الحالية والخفوضات الطوعية للسعودية وروسيا. ويعتقد بأنه في ظل غياب البيانات القوية حيال الطلب على النفط، فإن الأسعار قد تتجه أكثر نحو الانخفاض وفي ظل ارتفاع الإنتاج من الولايات المتحدة، لافتاً إلى أن هناك انتظاراً لمزيد من البيانات الاقتصادية وبيانات الطلب حول العالم، بخاصة الاقتصادات الكبيرة التي ستظهر في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وتوقع رؤية خفوضات طوعية أصغر من الأعضاء الذين وافقوا على قرار السعودية بينما ستزداد المراقبة للمنتجين غير الملتزمين.
وفرة المعروض
من جانبه، أشار رئيس قسم البحوث لدى "إيكويتي غروب" العالمية رائد الخضر إلى أن معظم التوقعات تذكر أن تحالف "أوبك+" يدرس احتمالات تعميق خفض مستويات الانتاج الحالية، بخاصة مع وفرة المعروض من الدول خارج "أوبك+" وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، وقال إن السعودية التي نفذت خفضاً طوعياً بواقع مليون برميل يومياً من إنتاجها منذ يوليو (تموز) إلى نهاية العام، تحاول جاهدة إقناع بقية الأعضاء بالانضمام وخفض الإنتاج. وأوضح أن سياسة خفض الإنتاج نجحت في دعم الأسعار العالمية نسبياً وأن السعودية تسعى إلى الوصول للتوازن في الأسواق العالمية، خصوصاً مع استمرار مخاوف انخفاض الطلب على الصعيد العالمي الفترة المقبلة.
أسعار الخام ترتفع
وفي ظل عدم وضوح الرؤية تجاه خطوة "أوبك+"، مرت أسواق النفط بفترة تقلب، لكن أسعار النفط ارتفعت بعد سلسلة من الخسائر، وسط خفض الدولار الأميركي إلى جانب تقييم السوق إمكانية إجراء تخفيضات أعمق في الإنتاج من قبل تحالف "أوبك+" مقابل إشارات على أن العرض العالمي يفوق الطلب.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 92 سنتاً بما يعادل 1.15 في المئة إلى 80.90 دولار للبرميل، في طريقها لإنهاء موجة خسائر استمرت أربعة أيام، أما العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي فارتفعت 94 سنتاً، أو 1.26 في المئة، إلى 75.80 دولار للبرميل، بعد تراجعها لثلاث جلسات متتالية.
كانت أسعار النفط الخام تراجعت بنحو الخمس منذ أواخر سبتمبر الماضي، بسبب وفرة الإمدادات والمخاوف في شأن أوضاع الاقتصاد عالمياً، مما يضغط على التحالف المكون من 23 دولة للتدخل في اجتماع هذا الأسبوع.