Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا تعني خلافات الفصائل المسلحة الموالية لإيران في العراق؟

"كتائب حزب الله" غيبت "العصائب" من بيان استهداف القوات الأميركية والصراع على "احتكار المقاومة" يضع أطراف الإطار التنسيقي في مأزق

جنود عراقيون من "كتائب حزب الله" أثناء تشييع نعش مقاتل قضى في غارة أميركية (أ ف ب)

ملخص

ما يجري في ساحة الفصائل الموالية لإيران يدلل بشكل واضح على وجود "صراع واسع على زعامة عنوان المقاومة"

يبدو أن المشهد في العراق سيزداد تعقيداً بعد تصاعد حدة التوتر بين أبرز جناحين مسلحين ضمن الميليشيات الموالية لإيران، حتى بلغت حدوداً غير مسبوقة بين حركة "عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي وحركة "كتائب حزب الله"، على خلفية بيان زعيم "الكتائب"، أبو حسين الحميداوي الذي نشر أسماء الفصائل المسلحة التي تشن عمليات ضد مواقع القوات الأميركية.

وقال الحميداوي في بيان، 25 نوفمبر (تشرين الثاني)، إن ثلاث فصائل إضافة إلى "الكتائب"، "اتحدت تحت راية المقاومة الإسلامية في العراق للنيل من العدو"، هي "أنصار الله الأوفياء، والنجباء، وكتائب سيد الشهداء".

ولم يشر الحميداوي في بيانه إلى اشتراك "عصائب أهل الحق" في العمليات الأخيرة ضد الوجود الأميركي في البلاد، مما دفع القيادي في "العصائب" جواد الطليباوي لتبيان امتعاضه من تغييب بيان "الكتائب" ما وصفه بـ"دورهم الواضح في العمليات على الأرض".

واعترض الطليباوي على ذكر بيان "الكتائب" أسماء الفصائل المسلحة التي تستهدف القوات الأميركية، حيث قال إنه "من المؤسف حقاً ما تم نشره في وسائل الإعلام، من بيان صادر باسم إخوة الجهاد في كتائب حزب الله، لما فيه من تجاوز على ركيزة مهمة في عمل المقاومة، التي تكفل سرية العمل ومراعاة الظروف الأمنية".

وتابع البيان، "ندرك تماماً ضرورة عدم الكشف عن الحركات والفصائل التي تنفذ عملياتها البطولية ضد قواعد الاحتلال الأميركي في العراق، لإجباره على الخروج والانسحاب من بلدنا".

وعبر عن استغرابه من بيان الكتائب الذي قال إنه "يعمد إلى ذكر أسماء فصائل وتغييب أخرى، من دون مبرر أو شعور حقيقي بالمسؤولية"، معبراً عن أمله "ألا تتكرر مثل هذه التصريحات".

قواعد اشتباك جديدة

ويرى مراقبون أن بيان "كتائب حزب الله" مثل معضلة كبيرة بالنسبة لحركة "العصائب" خصوصاً كونه دفعها إلى القول إنها جزء من العمليات التي تشن ضد المصالح الأميركية، في وقت تمثل فيه الحركة أحد أبرز المرتكزات السياسية لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وهو ما قد يعرض حكومة "الإطار التنسيقي" إلى عديد من الإشكالات، خصوصاً أنها لا تزال محكومة بالاتفاق الأميركي-الإيراني.

وتعد تلك هي المرة الأولى التي يتم فيها الإعلان بشكل صريح إلى الفصائل المسلحة التي تشن عمليات ضد الوجود الأميركي في العراق، حيث كانت تلك الجماعات طوال السنوات الماضية تستخدم ما بات يطلق عليه بـ"عناوين الظل" في تبني الهجمات ضد المصالح الأميركية.

وعلى بعد ساعات قليلة من بيان "العصائب"، نشرت "كتائب حزب الله" بياناً آخر دافعت فيه عن موقف زعيمها، حيث قال المتحدث العسكري باسم الميليشيات المسلحة جعفر الحسيني، إن "معلوماتنا متطابقة مع ما اعترف به العدو حول حجم وعدد العمليات وتأثيرها ولم نسجل عملية يتيمة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع أن الحركة "لم تتبن أي عملية لم يعترف بها العدو، والفضل ما شهدت به الأعداء"، مشيراً إلى أن العمليات "كانت قطعاً ستزداد لو انضمت باقي الفصائل الجهادية للمعركة".

وختم بيانه بالقول إن "المعركة ما زالت قائمة، هذا الميدان يا حميدان (مثل شعبي عراقي يعني التحدي أو السخرية)".

ويشير التبني الصريح من قبل الفصائل الموالية لإيران لقصف المواقع الأميركية إلى تغير في قواعد الاشتباك بين حلفاء طهران وواشنطن في العراق، وهو مما ربما سيفاقم الأزمة في البلاد خلال الفترة المقبلة.

فقدان ركيزة التفاوض الرئيسة

ولا تتوقف انعكاسات التوتر بين أبرز جناحين مسلحين مواليين لإيران عند حدود البيانات، بل يبدو أن انعكاسات هذه الأزمة ستؤثر في المسار السياسي لتلك الفصائل، لا سيما مع تمترس "الإطار التنسيقي" خلف تلك الجماعات في أي مواجهات محتملة خصوصاً مع التيار الصدري.

ويعتقد الكاتب والصحافي أحمد الزبيدي، أن تلك الأزمة تشير بشكل واضح إلى "كون بعض الفصائل وتحديداً (كتائب حزب الله) سئمت من دفعها ثمن المواجهة المستمرة مع القواعد الأميركية مقابل حصول الآخرين على الغنائم السياسية".

ويضيف لـ"اندبندنت عربية"، أن "كتائب حزب الله" وبقية الفصائل المستهدفة من قبل واشنطن تحاول من خلال بيانها الأخير "كسر الثنائية التي تدفعهم إلى المغامرة وتلقي العقاب في حين تحصد العصائب وبدر وبقية أطراف الإطار التنسيقي المكاسب السياسية".

وتشير دلالة التوقيت التي أصدرت فيه "الكتائب" بيانها الأخير إلى حدة الخلافات في أروقة حلفاء طهران، خصوصاً أنها تأتي تزامناً مع حديث زعيم ائتلاف "نبني" هادي العامري في دعايته الانتخابية عن أن تحالفه هو "الممثل الوحيد لفصائل المقاومة".

ويلفت الزبيدي إلى أن "كتائب حزب الله" هي الفصيل الأبرز الذي "يوفر البروباغندا الدعائية التي تعتمد عليها القوى السياسية الموالية لإيران"، مبيناً أن تخلي "الكتائب" عن تلك الجماعات سيؤدي إلى "خسارتها كثيراً خصوصاً ما يتعلق بالعلاقة غير المسبوقة مع واشنطن".

ولعل اللافت في بيان الحميداوي الأخير هو "التهديد الضمني للإطار التنسيقي الذي تحصنه القوة المسلحة لـ(كتائب حزب الله) وبقية الفصائل المشتركة معها"، كما يعبر الزبيدي الذي يشير إلى أن "خسارة تلك القوة يعني أن الإطار سيكون أضعف في أي مواجهة مقبلة مع الصدر مثلاً".

ويختم بأن ما يجري في ساحة الفصائل الموالية لإيران يدلل بشكل واضح على وجود "صراع واسع على زعامة عنوان المقاومة"، مبيناً أن جميع الميليشيات باتت تدرك أن هذا العنوان يمثل "بوابة التحكم في الحراك السياسي والاقتصادي والمسلح للفصائل".

امتعاض إيراني

ويرفع تصاعد حدة الخلافات، أخيراً، بين الفصائل المسلحة الموالية لإيران في العراق مناسيب القلق داخل أروقة "الإطار التنسيقي" وتحديداً جناحي "بدر" و"العصائب"، من احتمالية فقدانها نقطة التفاوض الرئيسة مع واشنطن، والمتعلقة بضبط أنشطة تلك الفصائل التي تشن هجمات على المصالح الأميركية في البلاد.

في السياق، يعتقد الكاتب والباحث في جامعة أريزونا، سليم سوزة، أن ما يدفع "العصائب" في الفترة الأخيرة إلى "اتخاذ سلوك وسطي بين ذراعيها العسكري والسياسي" يتمثل بكونها "الراعي الأكبر لحكومة السوداني خلافاً لـ(الكتائب) و(حركة سيد الشهداء) اللتين ليس لهما تمثيل معلن في الحكومة الحالية".

ويضيف أن سلوك "العصائب" هذا يشير بشكل واضح إلى محاولتها "الحفاظ على الحكومة من انهيار وشيك وخسارة كبيرة في ما لو وقع صدام مباشر بينها وبين القوات الأميركية".

ولعل المحرك الرئيس لبيان "كتائب حزب الله" الأخير يتمثل بـ"الامتعاض الإيراني من تصريحات الخزعلي الأخيرة التي انتقدت ضمناً إيران وفصائلها في العراق"، بحسب سوزة.

وكان زعيم حركة "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، قال في 24 نوفمبر، "عندما تتعرض القوات الأميركية في سوريا إلى هجوم ويتهمون إيران بقصفها يقوم الأميركيون بقصف معسكرات فارغة حتى لا يقتلوا إيرانياً واحداً"، مردفاً أنه "عندما تتعرض القوات الأميركية في العراق إلى هجوم لا يعيرون أهمية للدم العراقي ونحن لن نقبل الاستهانة بالدم العراقي".

وتابع أن الأميركيين "يحتاطون للدم الإيراني بينما لا يكترثون للدم العراقي والعراقيون يستطيعون أن يلقنوهم درساً".

ويوضح سوزة أن زعيم "العصائب" يحاول القول إن "عملياتكم تجلب لنا القتل في عقر دارنا، بينما علميات الإيرانيين لا تجلب القتل لهم".

ويبدو أن "جود الخزعلي في الحكومة والمنافع التي حصل عليها جعلته أكثر براغماتية من تلك الفصائل التي لم تشترك في الحكومة على رغم دعمها لها"، كما يعبر سوزة الذي يلفت إلى أن هذا الخلاف ربما يكبر مستقبلاً بسبب "رؤيتين (مقاومتين) عسكرتين" ترتكز الأولى على "التهدئة والحفاظ على الحكومة" في حين "ليس لدى الأخرى شيء لتخسره".

ويتابع أن هذا الأمر "لا يعني أن العصائب خرجت تماماً من عباءة طهران، وربما يمثل نسقاً جديداً لتبادل الأدوار داخل معسكر الإطار التنسيقي تديره إيران بشكل جيد"، مبيناً أن إمكانية أن يتوسع الخلاف بين تلك الأطراف لا يزال "محكوماً بالرؤية الإيرانية".

الانتخابات وخلافات الفصائل

ويبدو أن مما دفع الإشكالات في أروقة الجماعات المسلحة الموالية لإيران للظهور في هذا التوقيت هو اقتراب موعد الانتخابات المحلية، حيث يلفت الباحث في الشأن السياسي، حميد حبيب أن "شعور الفصائل الفاعلة على الأرض بأنها تتلقى الضربات حتى يصنع منها اللاعبون السياسيون عنواناً انتخابياً لحصد المكاسب هو الذي دفعها إلى إصدار بيان كهذا".

وعلى رغم ما يبدو من خلافات حادة داخل أجواء الميليشيات الموالية لإيران، يعتقد حبيب أن طهران لا تزال "قادرة على ضبط إيقاع خلافات الفصائل في حدودها الدنيا".

ويلفت إلى أن الانتخابات المحلية المقبلة باتت تمثل "مساحة إضافية لزيادة الاحتقان بين الفصائل"، خصوصاً مع احتمالية حصد "بدر" و"العصائب" مناصب إضافية مقابل بقاء (كتائب حزب الله) كفصيل ملاحق دولياً.

ويختم بأن "الأجواء السياسية في العراق تشير إلى "تراجع واضح للجماعات الأكثر ولاء لإيران"، مبيناً أن هذا الأمر هو "المحفز الرئيس لظهور الإشكالات والتي ربما تتفاقم في حال عدول الصدر عن قرار الاعتزال وعودته إلى الأجواء السياسية".

المزيد من تقارير