تتوسّع دائرة المخاوف من انزلاق الأمور في الجزائر بعد خروج شباب في عدد من محافظات الجنوب إلى الشارع، احتجاجاً على الأوضاع المعيشية والاجتماعية التي تهدّد مستقبلهم، ليزداد الضغط على النظام المؤقت الذي بات يواجه مصاعب سياسية واجتماعية واقتصادية، وضعت البلاد أمام مفترق طرق.
غضب "مخيف" في الجنوب
رد فعل سكان جنوب الجزائر على تصريحات وزير الصحة والسكان محمد ميراوي، المتعلقة بتخصيص "جسر جوي" لنقل المرضى من ولايات الجنوب للعلاج في مستشفيات الشمال، كشف حجم الغضب الذي بداخلهم جراء المعاناة التي يواجهونها يومياً بسبب توقف عجلة التنمية وغياب كل مظاهر الحياة الكريمة. وقال ميراوي خلال زيارة لمدينة أدرار التي تبعد عن العاصمة الجزائر حوالى 1600 كلم، إن "الحالات المستعجلة للمرضى التي لا يمكن معالجتها في مستشفيات المنطقة، ستُنقل بواسطة مروحيات خُصّصت لهم، إلى مستشفيات الشمال لإنقاذ حياتهم".
وشهدت مدينة بسكرة المعروفة بتمورها وواحاتها، احتجاجات واسعة لأيام عدّة بسبب غياب مظاهر التنمية، شلّت حركة المرور بعد غلق الشوارع والطرق بالحجارة والمتاريس والعجلات المطاطية المشتعلة. وطالب المحتجون بتوفير الماء والكهرباء وتحسين صورة المدينة التي غرقت في التخلف، وتأمين مناصب العمل ومحاسبة المتورطين بالفساد ورحيل المسؤولين الحاليين الذين فشلوا في تلبية حاجات السكان.
كما عرفت محافظة المسيلة، احتجاجات بسبب تدني المستوى المعيشي وعدم وفاء السلطات بالوعود التي أُطلقت منذ سنوات، حين قُطعت الطرقات للفت أنظار السلطات العمومية ودفعها إلى تأمين مطالب سكان المنطقة، وعلى رأسها توفير الكهرباء بشقّيها الفلاحية والريفية، التي أدى انقطاعها بشكل متواصل إلى تخلي كثيرين من الشباب عن نشاطهم الفلاحي والهجرة صوب المدن القريبة، للحصول على قوتهم اليومي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قنبلة موقوتة؟
ورأى الناشط السياسي رابح موساوي في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن كلام الوزير يكشف عن واقع قطاع الصحة في الجنوب الذي يُعتبر منبع مداخيل البلاد ولقمة عيش الجزائريين، على اعتبار أن كل حقول البترول والغاز ومختلف الثروات الطبيعية منتشرة في هذا الفضاء الواسع، لافتاً إلى أنه على الرغم من الاحتجاجات المتكررة لسكان مختلف محافظات المنطقة، بقيت دار لقمان على حالها. وكشف عن أنّ منطقة الجنوب تعيش خارج مجال التغطية على المستويات كافة، حتى إن الشركات البترولية العاملة في مجال المحروقات، تستقطب إطارات وموظفين من الشمال.
كما حذّر موساوي من حالة الاحتقان التي يعيشها جنوب البلاد، معتبراً "الحركات الاحتجاجية التي باتت تعرفها المنطقة بين فترة وأخرى، قنبلة موقوتة قد تنفجر في أية لحظة، ما قد تستغلّه أطراف لتنفيذ أجندات واضحة". وتابع "بات من الضروري وفي هذه المرحلة بالذات، الالتفات إلى مشاكل المنطقة ودفع عجلة التنمية والاستماع إلى مطالب السكان عموماً، والشباب خصوصاً".
أخطاء نظام بوتفليقة
يبدو أن الأخطاء الاقتصادية التي ارتكبتها حكومات بوتفليقة المتعاقبة وتفشي الفساد بشكل رهيب، سيدفع ثمنهما النظام المؤقت، بعدما وجد سكان الجنوب أنفسهم يواجهون عهد التقشف لوحدهم، بنسبة بطالة تقدر بـ 30 في المئة، في منطقة تُعتبر مصدر ثروات النفط والغاز التي تدر 98 في المئة من المداخيل المالية للجزائر.
ترصّد أجنبي
وتُعتبر مخاوف النظام المؤقت معقولة، نظراً إلى وجود من يصفهم النظام بـ"أذرع وأذناب العصابة" في مجالات عدّة وعلى مختلف المستويات، كما أن تحرك قوى غربية معروفة في منطقة الساحل الصحراوي الأفريقي القريب من الحدود الجنوبية للجزائر، خصوصاً فرنسا، يجعل المخاوف جدية. وأكد العقيد المتقاعد العربي شريف، أن "الولايات المتحدة الأميركية تسعى إلى ضرب استقرار دول المنطقة، بحثاً عن استنزاف الثروات الطبيعية من بترول وغاز"، موضحاً أن واشنطن تريد أن تقيم قاعدة عسكرية في الساحل، تكون قريبة من غينيا الغنية بالبترول، والاقتراب من صحراء الجزائر، بعدما انتهت مهمتها في العراق وسوريا".
تطمين... وتحذير
وكان قائد الأركان قايد صالح قد تطرّق في خطابة الأخير، إلى ما تحقق على مستوى المناطق الجنوبية للبلاد، بفضل الجهود الحثيثة للدولة، من خلال النشاط المكثف على مستوى هذه المناطق، وذلك للدفع بعجلة التنمية والوقوف على إنجاز مختلف المشاريع الحيوية المبرمجة، مشيداً بجهود الجيش على المستويات والأصعدة كافة، لا سيما في ما يتعلّق بتقديم يد العون والمساعدة للسكان في المناطق النائية، خصوصاً في مجال الرعاية الصحية. وقال إن "كل هذه الجهود ستُسهم من دون شك في إنعاش الاقتصاد في هذه المناطق الشاسعة، وبالتالي تحسين ظروف معيشة سكانها، خصوصاً عند الشريط الحدودي الجنوبي، حيث يسهر أفراد قواتنا المسلحة على تأمينه تأميناً كاملاً، والتصدي بكل حزم لكل من تسوّل له نفسه المساس بحرمة تراب وطننا الغالي".
وواصل قايد صالح حديثه، مؤكداً أن "الجيش كان حاضراً في كل المحطات الحاسمة التي عاشتها الجزائر، ولا يزال عازماً على المساهمة بفعالية في تجاوز هذه المرحلة الدقيقة التي تشهدها البلاد وتذليل الصعاب وتحييد العقبات ونزع الألغام المزروعة من قبل العصابة في مختلف المؤسسات".