ملخص
منشور منصة إكس : ما هي الأساليب المريعة غير المسبوقة التي ينتهجها الحوثيون لإخضاع اليمنيين؟
تستمر الميليشيات الحوثية بانتهاج سياستها القمعية في المناطق الخاضعة لسيطرتها على نحو غير مسبوق في واحدة من أبشع نتائج سيطرتها على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية منذ عام 2014.
إذ كشف فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات المشكلة من مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن، أن الجماعة "تستخدم التجويع كسلاح في عدوانها على اليمنيين".
وبحسب التقرير الصادر عن الفريق أخيراً، فإن الإجراءات الحوثية "تهدف إلى إعاقة عمل الحكومة ومنعها من أداء وظائفها كحكومة بهدف استخدام التجويع كسلاح في عدوانهم"، كاشفاً عن تحقيقه في تقارير تتعلق "بتورط الحوثيين في الاتجار بالمخدرات وتهريبها لتوليد الأموال لأنشطتهم العسكرية، كما يحقق في التدمير الممنهج للمواقع التراثية وتهريب التحف والآثار".
وقد سبق للحكومة الشرعية أن اتهمت الحوثيين بالتسبب في توقف تصدير كميات محدودة من النفط المستخرج من خلال استهداف موانئ التصدير بالهجمات الصاروخية والمسيرات المفخخة، ما تسبب في إلحاق أضرار اقتصادية كبيرة تهدد بتوقف دفع مرتبات الموظفين العموميين في المناطق التابعة للحكومة والتزاماتها الأخرى.
نساء وأطفال... اغتصاب منتظم
وفي تطور غير مسبوق يعكس حجم الضرر الذي ألحقه صراعها المستميت على السلطة باليمنيين من كلا الجنسين صغاراً وكباراً، كشف فريق الخبراء الأمميين عن وجود حالات تعذيب ارتكبها مسلحو الحوثي في مختلف مرافق الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية، بما في ذلك السجن الواقع في معسكر الأمن المركزي في صنعاء، المعروف أيضاً باسم سجن "بيت التبادل"، الذي يديره القيادي ورئيس فريق الحوثيين في مفاوضات الأسرى، عبد القادر المرتضى.
وفي سلوك لم يعهده اليمنيون من قبل على امتداد تاريخهم في أشد فترات الصراع المختلفة، أكد خبراء مجلس الأمن بشكل قاطع أن الحوثيين يسجنون النساء لأسباب مختلفة تتعلق بالنزاع، بما في ذلك انتماؤهن المتصوّر إلى أطراف النزاع المعارضة، أو انتماؤهن السياسي أو مشاركتهن في منظمات المجتمع المدني أو نشاطهن في مجال حقوق الإنسان أو بسبب ما تسمى "الأفعال غير اللائقة".
ومن بين المحتجزات عارضتا أزياء يمنيتان معروفتان احتُجزتا تعسفياً في فبراير (شباط) 2021 وحُكم عليهما في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه بالسجن لمدة خمس سنوات.
وفي ظل واقع صادم، أكد الفريق أنهن يتعرضن للاعتداء الجنسي، وفي بعض الحالات يخضعن لفحوص العذرية، وكثيراً ما يُمنعن من الحصول على السلع الأساسية، بما في ذلك منتجات النظافة الصحية النسائية.
كما أكد تعرض النساء المحتجزات للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بما في ذلك من "الزينبيات"، (الشرطة النسائية المستحدثة من قبلهم).
واستناداً إلى التقارير التي تلقاها الفريق، تبين أن الجماعة المدعومة من إيران التي تدعي "حقها الإلهي في الحكم والولاية"، يحتجزون أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم 13 سنة. "يُحتجز بعضهم في قضايا أخلاقية، وهم متهمون بارتكاب أفعال "غير لائقة" بسبب ميولهم الجنسية المزعومة، كما يحتجزون أطفالاً آخرين في "قضايا سياسية"، تقام بحقهم في كثير من الأحيان بسبب عدم امتثالهم أو عدم امتثال أسرهم لأيديولوجية الحوثيين أو أنظمتهم".
وذكر الخبراء أن هؤلاء الأطفال يتقاسمون نفس الزنازين مع السجناء البالغين، وأن الفريق تلقى تقارير موثوقة تفيد بأن الصبية المحتجزين في مركز شرطة الشهيد الأحمر في صنعاء "يتعرضون بانتظام للاغتصاب".
بهذا الشأن يخلص إلى أنه يُنظر إلى الأحكام الصادرة عن المحكمة الجزائية المتخصصة للحوثيين، أو غيرها من محاكم الحوثيين بوصفها فتاوى، وهي تحمل بالتالي وزناً قضائياً بالإضافة إلى الوزن الديني الذي يمكن أن تكون له آثار كبيرة طويلة الأجل على حياة الأشخاص المدانين لا سيما ما يتعلق بسلامتهم عند إطلاق سراحهم.
سوق سوداء للصواريخ والقذائف
في بلد غارق بالأسلحة قدرت عددها تقارير دولية سابقة بنحو سبعين مليون قطعة بعضها متوسطة وثقيلة، إلا أن الحوثيين أنشأوا لهذا القطاع الرائج سوقاً سوداء بهدف كسر احتكار أسواق السلاح التقليدية المنتشرة في اليمن.
حيث قدم الفريق إلى مجلس الأمن أدلة عن إنشاء الميليشيات أسواق سوداء للأسلحة في عدة مناطق لا سيما صعدة وصنعاء (شمال البلاد) وهو ما اعتبر إثباتاً عملياً واضحاً لاستمرار تدفق الأسلحة الإيرانية وغيرها للجماعة في انتهاك صارخ لحظر الأسلحة الصادر عن مجلس الأمن في عام 2015.
يكشف عن توثيقه "نماذج مختلفة من الأسلحة الصغيرة والخفيفة بما في ذلك منظومة دفاع جوي محمولة وقذائف موجهة مضادة للدبابات معروضة للبيع في السوق السوداء بمدينتي صنعاء وصعدة الخاضعتين لسيطرة الحوثيين".
وأشار إلى أن من بين الأسلحة المعروضة للبيع "بنادق تحمل أرقاماً متسلسلة تتفق مع تلك التي تمت مصادرتها في البحر"، من قبل القوات البحرية الدولية التي تقوم بتطبيق حظر الأسلحة المفروض من قبل الأمم المتحدة على الحوثيين.
وبحسب التقرير، فإن بيع الأسلحة في سوق سوداء للحوثيين يشير إلى أن "هناك عمليات نقل للأسلحة لم تعترضها القوات البحرية ذات الصلة ووصلت إلى مناطق سيطرة الحوثيين".
تقويض أمن المنطقة
نتيجة لهذه الحال، يرى فريق الخبراء المعني باليمن أن المبيعات غير المنتظمة للأسلحة الصغيرة والخفيفة تسهم في انتشارها بالمنطقة ما يقوض الأمن والاستقرار في اليمن وخارجه.
كما يمكن أن "تؤدي طبيعة أعتدة بعينها مثل منظومات الدفاع الجوي المحمولة إلى إثارة اهتمام الجماعات المسلحة بما في ذلك الجماعات الإرهابية وهي تشكل بالتالي تهديداً لأمن الطيران المدني"، طبقاً للتقرير.
وفي مؤشر خطير آخر، قال التقرير إن "هناك مسدسات من طراز CF98-9 ذات خصائص تقنية وعلامات تتسق مع المسدسات المصنعة في الصين معروضة للبيع في السوق السوداء بالمناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيات الحوثي".
ووثق فريق الخبراء المعني باليمن وفريق الخبراء المعني بالصومال "مسدسات تحمل نفس رقم الدفعة"، منها على سبيل المثال، مسدسات استخدمتها حركة الشباب في محاولة اغتيال وقعت في أغسطس (آب) 2019، تعود إلى نفس دفعة مسدس آخر تم توثيقه بالسوق السوداء الحوثية ويحمل رقماً متسلسلاً بفارق 18 وحدة بينهما.
كما وثق باحثون بالصومال في عام 2021 خمسة مسدسات أخرى من طراز 9-CF98 بأرقام متسلسلة تتسق مع المسدسات المعروضة للبيع في السوق السوداء الحوثية.
وتوصل فريق الخبراء المعني باليمن إلى وجود "شبكة تهريب منسقة بشكل وثيق تعمل بين ميليشيات الحوثي (شمال اليمن) والصومال، وتتلقى أسلحة من مصدر مشترك".
تزوير عملة وجبايات
بشأن القطاع الاقتصادي والمالي الذي توليه اهتماماً بالغاً، أشار إلى أن الحوثيين مارسوا السيطرة على التجارة الدولية وحصلوا الرسوم الجمركية والضرائب الأخرى في الموانئ الخاضعة لسيطرتهم، ولجأوا إلى الازدواج الضريبي نظراً لأن الرسوم الجمركية تدفع على السلع عند استيرادها عبر الموانئ التابعة للحكومة اليمنية.
وذكر أن الحوثيين أصدروا تعميماً بشأن إنشاء آلية تحصيل الإيرادات في المنافذ الجمركية البرية، حدد بموجبه معدل الرسوم الجمركية بمقدار 50 في المئة من إجمالي القيمة الجمركية لجميع السلع الواصلة إلى مراكز الجمارك البرية عبر المنافذ البرية أو البحرية للمناطق المحتلة، وبالتالي فإن الحوثيين يتعاملون مع المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة باعتبارها أراضي أجنبية للأغراض الجمركية وهم يقسمون اليمن فعلياً إلى بلدين.
وأفاد بأن الحكومة اليمنية تخسر بفعل توقف تصدير النفط حوالى 1.2 مليار دولار من الإيرادات، مع توقعات أن تصل إجمالي خسائر الحكومة اليمنية إلى ملياري دولار بالنظر إلى تكلفة إصلاح واستبدال المعدات والمرافق في محطة الضبة النفطية.
كما أدى وقف تصدير النفط إلى تقويض قدرة البنك المركزي اليمني في عدن على التدخل ووقف تدهور قيمة الريال.
وبين تلقيه عدداً من البلاغات حول قيام الحوثيين بطباعة واستخدام العملات المزيفة للوفاء بحاجاتهم التمويلية، بينها وثيقة تمثلت في تلقي السفارة اليمنية في بكين طلباً من شركة أوراق نقدية في الصين، تستفسر عن مواطن يمني، قيل إنه اتصل بهم بشأن طباعة أوراق نقدية وطوابع مالية وجوازات سفر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكر تلقيه نسخاً من الوثائق ذات الصلة، بما في ذلك جواز سفر الشخص المعني ورسالة من المدير العام لإدارة الجوازات والجنسية بوزارة الداخلية اليمنية، يطلب فيها تسهيل شراء الورق ذات الخصائص الأمنية والحبر.
وكشفت تحقيقات الفريق أن الشخص لا يمثل الحكومة اليمنية، وأن جواز سفره الذي لم تصدره الحكومة ولا يستبعد الفريق إمكانية أن يكون جواز السفر المذكور قد أصدرته جماعة الحوثي، وأن يكون قد تم استخدام عملات وجوازات سفر مزيفة في اليمن في الفترة الماضية.
وأشار التقرير إلى أن الحوثيين يواصلون تحصيل الرسوم غير القانونية، والزكاة وضريبة الخمس والضلوع في عمليات السوق السوداء، واللجوء إلى الازدواج الضريبي وابتزاز الأموال ومصادرة الأموال الموجودة في الحسابات المصرفية وغيرها من أصول الكيانات والأفراد المعارضين لهم لمواصلة جهودهم الحربية.
ولم يتسن لـ"اندبندنت عربية" الحصول على تعليق من الحوثيين الذين يسيطرون على صنعاء، كما لم يصدر تعليق من جانبهم بشأن التقرير، لكن الجماعة كما جرت عادتها تنفي كل التهم المنسوبة إليها، كما هو الحال في تعليق سابق لها إزاء تقرير مماثل لفريق الخبراء، وصفت ما جاء فيه بـ "المغالطات التي وقع فيها فريق الخبراء الذي اتكأ على مصادر غير قانونية"، معلنة عن "تحفظها على الادعاءات الواردة والعمل على تفنيدها والرد عليها".
سلطة أمر واقع
ما يختص بالبعد السياسي وطموحات الاستحواذ كسلطة أمر واقع لا مناص منها، قال الخبراء إن ميليشيات الحوثي لجأت "تحت ضغط إضرابات الموظفين في مختلف القطاعات للمطالبة بدفع رواتبهم لإصدار بيانات مهددة كورقة مساومة لتعزيز موقفهم في المحادثات الجارية".
وأضاف "من أجل الحصول على تنازلاتنا، ما فتئ الحوثيون أيضاً ينظمون عدة استعراضات عسكرية ومناورات بالذخيرة الحية لعرض قواتهم، ويساور الفريق قلق بالغ إزاء حجم وطبيعة العتاد العسكري الذي عرضه الحوثيون".
وتوقع التقرير أن يواصل الحوثيون سياساتهم التصعيدية المحسوبة وزيادة الهجمات على عدة جبهات لحل مشكلة الرواتب، مشيرة إلى أن الميليشيات تحاول الاستفادة من الوضع الحالي لدفع الأطراف للاعتراف بهم ككيان شرعي ومنحهم تنازلات غير متناسبة قد تعزل أطرافاً يمنية أخرى.
تعزيزات ضخمة
وفي جانب الاستعداد العسكري الذي سبق وتناولته "اندبندنت عربية" أخيراً، فإن ميليشيات الحوثي، بحسب التقرير، دفعت بتعزيزات ضخمة بما فيها نشر أنظمة أسلحة متطورة ووحدات خاصة في مأرب وشبوة والبيضاء، وقاموا بزرع الألغام استعداداً للهجوم.
وأشار إلى وجود "توتر بين الحوثيين وعدة قبائل بينها بني نوف في الجوف (المحاذية للسعودية شمال البلاد)، على خلفية محاولات الميليشيات إخضاع أبناء القبائل بالقوة ومصادرة ممتلكاتهم ما فجر اشتباكات بين الطرفين".
وأدت اشتباكات عنيفة اندلعت في يوليو (تموز) 2023، بين قبائل بني نوف والحوثيين إلى مقتل عدة عناصر من الأخيرين بمن فيهم قائد جبهة المرازيق، ما دفع الميليشيات لاستقدام تعزيزات عسكرية ضخمة وقطع الطريق المؤدي إلى السيل وتصعيد التوتر.
وقد طالب الحوثيون بتسليم 11 من رجال القبائل لكن 10 منهم فروا إلى مناطق الحكومة اليمنية ولم يسلم نفسه إلا شخص واحد.