Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محاولات مستمرة لحلفاء إيران في العراق لفرض سطوتهم على الدولة

انحسار التظاهرات وانكفاء التيار الصدري عن الأجواء السياسية في البلاد سمحا للموالين لطهران بتوسعة نفوذهم على المؤسسات العامة

عنصر من ميليشيا الحشد الشعبي الموالية لإيران في بغداد (أ ف ب)

ملخص

انحسار التظاهرات وانكفاء التيار الصدري عن الأجواء السياسية في البلاد سمحا للموالين لطهران بتوسعة نفوذهم على المؤسسات العامة

مثّل العام الحالي مرحلة جديدة وغير مسبوقة بالنسبة إلى الجماعات الموالية لإيران في العراق من ناحية توسيع نفوذهم وبسط السيطرة على كل مفاصل الدولة العراقية، إذ شهد عام 2023 حال التضخم الأكبر لنفوذ تلك الجماعات في مقابل غياب شبه تام لمنافسيهم عن أروقة السلطة بمعناها المؤسساتي.

وبدأت تلك الجماعات تحركاتها السياسية هذا العام بعد سيطرتها على السلطة من خلال إبعاد التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر وتفكيك تحالفه الثلاثي مع "الحزب الديمقراطي الكردستاني" وحزب "تقدم" والذي كان يسعى إلى إبعاد حلفاء إيران عن السلطة.

ويرى مراقبون أن تلك الجماعات ماضية في مساعيها لإبعاد كل التيارات غير الخاضعة للنفوذ الإيراني عن السلطة، مما أفضى في النهاية إلى تمكنهم من إشغال غالبية مساحات السلطة التي كان يشغلها خصومهم وعلى رأسهم التيار الصدري.

إخفاق الصدر وبداية إحكام النفوذ

وكان الأثر الأكبر في توسيع نفوذ حلفاء إيران على المشهد السياسي هو إخفاق زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في معركته السياسية لكبح النفوذ الواسع للجماعات الموالية لإيران في العراق.

وخلال صراعها مع التيار الصدري رفعت التيارات الموالية لإيران شعار "حقوق المكون الأكبر" في إشارة إلى مسعى التيار الصدري لتغييب المكون الشيعي عن السلطة واحتكار تمثيلها في الحكومة من خلاله، فيما دعت إلى العودة لمسار "التوافق المكوناتي" و"التوازن" عبر اشتراك كل الأطراف في الحكم، إلا أن هذا المسار سرعان ما تم هدمه بعد أقل من عام على وصول الإطار إلى السلطة من خلال بداية الإشكالات مع رئيس البرلمان المقال محمد الحلبوسي، فضلاً عن سلسلة طويلة من المعوقات مع إقليم كردستان.

ومثلت قضية إقالة الحلبوسي من قبل المحكمة العليا انتصاراً جديداً لتلك الجماعات، إذ يرى مراقبون أن تلك القضية كانت بمثابة إعلان "إحكام السطوة" من قبل "الإطار الشيعي" على القرار السياسي في البلاد.

وربما يحمل العام المقبل مفاجآت كبرى على مستوى نفوذ تلك الجماعات الذي لا يواجه أي معارضة فاعلة، مع التحركات السياسية الأخيرة التي بدأت تظهر من قبل زعيم التيار الصدري، خصوصاً بعدما وجّه أتباعه بمقاطعة الانتخابات المحلية المقبلة، وهو ما يراه مقربون من أجواء التيار الصدري بداية التدخل وكسر العزلة السياسية.

تغليب "اليمين الشيعي" على السلطة

ومثّل انحسار التظاهرات وانكفاء التيار الصدري عن الأجواء السياسية في البلاد "فرصة غير مسبوقة" بالنسبة إلى حلفاء طهران لتوسعة نفوذهم على مؤسسات الدولة، فضلاً عن تضخيم آمالهم في تشريع قائمة طويلة من القوانين التي لاقت اعتراضات كبيرة خلال الأعوام التي سبقت وصول "الإطار التنسيقي" إلى السلطة.

ويقول الباحث والأكاديمي العراقي عقيل عباس إن تشكيل "الإطار التنسيقي" للحكومة الحالية وخروج التيار الصدري من السلطة بمعناها المؤسساتي مثّلا "انتصاراً واضحاً لحلفاء إيران في العراق، وأسهما في تغليب تقاليد تيارات اليمين الشيعي على السلطة والمجتمع خلال العام الماضي".

ويضيف في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن عوامل عدة ساعدت على "انتصار قوى اليمين الشيعي"، لعل أبرزها "استخدام السلاح أو التهديد به، وهو المسار الرئيس الذي مكّن حلفاء طهران من تهديم التحالف الثلاثي، إضافة إلى التهديد بحرب أهلية وتخويف الناس من استبعاد المكون الاجتماعي الأكبر، فضلاً عن استخدام الأجهزة الدعائية في تبرير تلك الخطوات".

وإلى جانب الحراك المسلح، أسهم "توظيف القانون لمصلحة الجماعات الموالية لإيران في تمكنها من إحكام السيطرة"، بحسب عباس الذي يشير إلى أن "إعادة تعريف الانتصار الانتخابي خلال الانتخابات الماضية والتي تخالف النص الدستوري مثّلت تجلياً واضحاً لاستخدام القانون في إبعاد الخصوم السياسيين".

ويتابع أن جملة العوامل تلك ساعدت بصورة مباشرة على "إحكام حلفاء إيران قبضتهم على الدولة العراقية"، مبيناً أن الانتخابات المحلية المقبلة في العراق ستجسد "مساحة جديدة لقوى اليمين الشيعي في مسار إحكام السيطرة على مؤسسات الدولة".

ولم تتوقف مسارات "اليمين الشيعي" في السطوة عند حدودها المؤسساتية، إذ يعتقد عباس بأن تلك الجماعات حاولت خلال العام الماضي "السيطرة التامة على الحيز العام عبر إعادة تعريف هذا الحيز ثقافياً بصورة راديكالية متشددة"، لافتاً إلى أن ما يجري هو "لحظة من لحظات الوضوح السياسي لتلك الأطراف عززها انفرادهم بالسلطة من دون خصوم".

ويشير إلى أن ما جرى في العراق خلال السنة الأخيرة كان "تجربة مثيرة للاهتمام، لم تتوقف عند المستوى السياسي، بل تعدت ذلك إلى مساحات ثقافية أخرى عبر حملات عدة تتعلق بما سمي ’المحتوى الهابط‘ أو الجندر وآخرها استبعاد المنظمات الأجنبية، فضلاً عن وقائع الاقتصاد والمال ومسار السلطة باتجاه التوظيف الواسع الذي سيواجه مصاعب مستقبلية ربما قريبة نسبياً".

عام مثالي لحلفاء طهران

وخلال الأشهر الماضية، أثارت تحركات حكومة "الإطار التنسيقي" التي يترأسها محمد شياع السوداني قلق عدد من القوى غير الخاضعة للنفوذ الإيراني، فتصدرت ملفات استراتيجية عدة قمة أولويات تلك الجماعات في مسعى منها لحسمها.

وعملت الجماعات الموالية لإيران في 2023 على تمرير ملفات عدة عبر البرلمان العراقي مستغلة غياب المعارضة السياسية الفاعلة، لعل أبرزها ملف الربط السككي مع إيران الذي أثار الجدل خلال الأعوام الأخيرة.

وكانت حكومة السوداني أعلنت في سبتمبر (أيلول) الماضي عن وضع الحجر الأساس لمشروع الربط السككي الذي يرى مراقبون أنه سينهي آمال إنشاء ميناء الفاو الكبير من خلال تقويض جدواه.

وقالت طهران حينها عن المشروع إنه يمثّل "منطلقاً لربطها بالبحر الأبيض المتوسط"، بينما أشارت حكومة بغداد إلى أن الهدف من المشروع نقل البضائع فقط.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبالنسبة إلى رئيس مركز "كلواذا" للدراسات باسل حسين، كان عام 2023 "مثالياً" في ما يتعلق بهيمنة حلفاء طهران على مفاصل الدولة العراقية، بحيث تحركت القوى الموالية لإيران على نحو "غير معهود" لإحكام السيطرة في مقابل "غياب شبه تام للمنافسة الحقيقية من قبل الأطراف الداخلية أو الخارجية".

ويعتقد بأن قوى "الإطار التنسيقي" تمكنت من تحقيق تلك الهيمنة شبه المطلقة من خلال انتهاجها سياسات "القضم" مستعينة بالدعم الإيراني لها على مختلف الصعد، مبيناً أن استخدام تلك القوى "أدوات الإكراه والترغيب وموارد الدولة سهّل بصورة كبيرة من عملية الهيمنة تلك".

ولعل غياب التيار الصدري وتراجع الحراك الاحتجاجي المناوئ لإيران وفرا أيضاً "فراغاً كبيراً وفرصة كبيرة لحلفاء طهران لملء الفراغ والتمدد في مساحات لم تأمل هذه التيارات في الوصول إليها في السابق"، بحسب حسين الذي يختم أن الانتخابات المحلية المقبلة ستتيح لحلفاء إيران "فرصة ثمينة"، إذ تسعى تلك القوى إلى "إكمال مثلث الهيمنة على أدوات الدولة في العراق، مستفيدة من إخلاء ساحة التنافس من غالبية القوى التي لا تدين بالولاء لإيران".

المحاصصة... مظلة سياسية للنفوذ

في المقابل، يعتقد رئيس مركز "التفكير السياسي" إحسان الشمري بأن المعادلة السياسية التي أنتجها "الإطار التنسيقي" خلال عام من وصوله إلى السلطة مكنته "من فرض نفوذ غير مسبوق على السلطتين التشريعية والتنفيذية"، مبيناً أن "عمليات إقصاء الخصوم السياسيين واستبعاد الكفاءات من مؤسسات الدولة أسهمت بصورة مباشرة في تحقيق هذا المسعى".

وعلى رغم تمكّن حلفاء طهران من إحكام سطوتهم على الدولة في 2023، يرى الشمري أنهم "خسروا كثيراً"، خصوصاً مع تضاعف العقبات التي تقف في طريقهم ولعل أبرزها "الاهتزاز الكبير في ثقة الشارع بإدارتهم مؤسسات الدولة وتضاعف الشعور العام بالإحباط".

وانتهج حلفاء طهران خلال عام 2023 مسارات عدة لتحقيق "مساعي الهيمنة على الدولة"، بحسب الشمري، كان أبرزها "استغلال عرف المحاصصة في توفير مظلة سياسية مكنت تلك الأطراف من النفاذ واستبعاد خصومهم، ومن ثم إعادة هيكلة المناصب العليا لمصلحتهم".

ويختم أن أطراف "الإطار التنسيقي" تحاول "الاستمرار بتلك السياسات مستغلة غياب التيار الصدري على المستوى السياسي"، معبراً عن اعتقاده بأن هذا النهج سيسهم في "تفجر الأوضاع قريباً في الشارع العراقي".

ويمتلك "الإطار التنسيقي" نحو 140 نائباً في البرلمان العراقي من أصل 329، مما يجعله القوة الأكبر في السلطة التشريعية، فضلاً عن حصوله على منصب رئيس الوزراء، إضافة إلى عشرات الميليشيات المسلحة التي تفرض هيمنتها العسكرية على معظم مناطق البلاد.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير