ظلت إيران أثناء معظم حكم دونالد ترمب متحلية بالصبر. ولم تشدد ضغطها على الخصوم إلا في الأشهر الأخيرة - باحتجازها أو بما يزعم من تخريبها سفنا خاصة في البحر وبالتقدم ولو ببطء في الجوانب المجمَّدة في برنامجها النووي.
غير أنه إضافة إلى احتمال مغادرة ترمب البيت الأبيض يوم 21 يناير(كانون الثاني) 2021، وقيادة رئيس أكثر ودية للإدارة الأميركية، تقترب آجال نهائية أخرى قد تجعل سلوك إيران أكثر اعتدالا؛ أحدها بدأ بجذب انتباه صنّاع السياسات في الغرب.
في الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس الإيراني روحاني وسط صخب شديد، عن إطلاق منظومة الدفاع الجوي الإيرانية المحلية الصنع بافار-373 ، التي وصفها بأنها شبيهة بمنظومة أس-300 الروسية. ولم تمض سوى أيام قليلة، حتى قامت إيران باختبار ما سمته بصاروخ جديد، يُعتبر آخر إضافة لترسانة أسلحتها التقليدية، على الرغم من مرور سنين عديدة على تقييدات مجلس الأمن الدولي على بيع الأسلحة لإيران.
وبينما ينصبّ اهتمام كبير ببرنامج البلاد النووي المثير للجدل، يستثمر النظام الإيراني أكثر في صناعة أسلحته المحلية، وقد أشارت استطلاعات للرأي إلى وجود دعم شعبي لمتابعة إيران تطوير دفاعاتها الصاروخية والتقليدية.
وفي خطابه المكرس لهذه المناسبة قال روحاني إنه "حين يطلق العدو صاروخا ضدنا، نحن لا نستطيع أن نلقي خطابا طالبين منه أن يقوم بتدمير الصاروخ بنفسه في الهواء... الآن لا يقبل أعداؤنا المنطق، نحن لا نستطيع أن نرد بالمنطق."
منذ قدوم ترمب للسلطة، وانسحابه من الاتفاق النووي وإطلاق حملة ضغط قصوى ضد إيران، ظل الدبلوماسيون الأوروبيون، بل وحتى بعض المسؤولين الإيرانيين، يحثون القادة في طهران على الانتظار حتى مغادرته البيت الأبيض.
ليس فقط أن هناك احتمالا قويا بعدم حصول ترمب على فترة رئاسية ثانية، بل إن تصرفاته الغريبة وسلوكه الانفرادي دفعت شركاء أميركا القدامى إلى النفور منه، لذلك سيكون لصالح إيران أن تستثمر ذلك وتوسع الشق القائم بين واشنطن وحلفائها في بروكسل ولندن وباريس وبرلين.
بيد أنه قد يكون مهما أيضا، الإشارة إلى أن الاتفاق النووي أو ما يعرف بـ "خطة العمل الشاملة المشتركة " (جي سي بي أو أيه)، جاء بعد التقييدات الدولية المفروضة على بيع إيران وشرائها للأسلحة، التي فرضت في الأعوام 2006 و2007 و2010 في قمة الأزمة حول برنامج إيران النووي، وهذه العقوبات ستنتهي في 18 أكتوبر(تشرين الأول) 2020.
وفي هذا الصدد قال روحاني في خطاب ألقاه في أوائل هذا الشهر: "إذا بقي اتفاق (جي سي بي أو أيه) على حاله حتى السنة المقبلة، فإن كل إجراءات حظر الأسلحة على إيران ستُرفَع... وهذا يعني أننا سنكون قادرين على شراء وبيع أي نوع من الأسلحة." وأضاف في نفس الخطاب "نحن مستعدون في السنة المقبلة لشراء أي من الأسلحة التي نحتاج إليها ونحن قمنا أيضا بالإعداد الأولي لهذه الخطوة."
إضافة إلى ذلك، فإن تقييدات السفر الصادرة عن الأمم المتحدة، على مسؤولين أمنيين كبار مثل قائد الحرس الثوري الجنرال حسن سلامي ستُرفع.
في المقابل، تدرك الولايات تماما أهمية هذه التواريخ، ولهذا السبب نصبت وزارة الخارجية الأميركية ساعة (شؤم) موقوتة تحسب الأيام حتى حلول يوم 18 أكتوبر 2020 على قمة الصفحة المخصصة لإيران في موقعها الإلكتروني.
وعلى الموقع جاء ما يلي: "سيكون النظام الإيراني حرا أيضا في بيع الأسلحة لأي طرف، بمن فيهم وكلاؤه الإرهابيون، وبلدان مثل روسيا والصين ستكون قادرة على بيع دبابات وصواريخ وأجهزة دفاع جوية للنظام الإيراني."
من جانبه، ظل مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركية، يحث نظراءه الدوليين المرتابين بتجديد العقوبات.
ففي خطاب ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي قال إن "الوقت مشرف على الانتهاء للاستمرار في هذا الإجراء الهادف إلى تقييد قدرة إيران على تأجيج برنامج إرهابها... سيكون لدى المجتمع الدولي الكثير من الوقت لرؤية كم بقي معه من وقت حتى تصبح إيران غير مقيدة من خلق فوضى جديدة، وتحديد ما يجب أن يفعله لمنع حدوث ذلك."
وفي السياق نفسه، يحذر مسؤولون أميركيون كبار من أن رفع التقييدات يمكن أن يؤول إلى سباق جديد في التسلح في الشرق الأوسط، ما يزيد من زعزعة استقرار المنطقة والعالم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، يقول الخبراء إن روسيا والصين ستكونان على الأرجح عازفتين عن بيع أكثر أسلحتهما تطورا لإيران، وهذا بسبب قلقهما من العواقب المترتبة عن إجراء كهذا في المنطقة، وإزعاج حلفاء آخرين لهما في منطقة الخليج. كذلك، فإن تقلص عوائد إيران الناجم عن العقوبات الأميركية القاسية سيُضعف شهيتها التقليدية للحصول على الأسلحة.
مع ذلك، فإن رفع التقييدات الدولية قد يعطي إيران مكاسب عسكرية غير متوقعة، ومتنفسا يتمثل في قدرتها على شراء قطع غيار وذخيرة لأسلحتها دون الحاجة إلى الحصول عليها بطرق مختلسة، إضافة إلى تمكينها من تحسين صناعتها العسكرية، في تجميع أسلحة شبيهة بتلك التي تمتلكها روسيا والصين.
وفي هذا الصدد، قال أمير توماج، محلل الشؤون الإيرانية المستقل في واشنطن: "سيكون هناك وضع تجد إيران نفسها فيه قادرة على القيام شرعيا بما ظلت تقوم به بشكل غير شرعي، بسبب قرارات مجلس الأمن الدولي... هم سيتطلعون إلى تحديث منتقى لقواتهم المسلحة."
وتجدر الإشارة إلى أن إيران، لم تكن قادرة على شراء أكثر الأسلحة الروسية والصينية تطورا، حتى قبل فرض العقوبات الأميركية عليها. أما الغرب فقد رفض بيع أي شيء لها.
لكن إيران كان قادرة على شراء بعض المنظومات المهمة، فالنسخ الإيرانية من الصواريخ الصينية المضادة للسفن سي-802 التي اشترتها طهران استُعمِلت من قبل حزب الله اللبناني في استهدافه السفن الإسرائيلية خلال حرب عام 2006، وربما هي الآن بيد المقاتلين الحوثيين الذين يخوضون حربا ضد القوى المدعومة سعوديا.
كذلك، سيكون رفع العقوبات الدولية على شخصيات قيادية ثمرة أخرى من الاتفاق النووي (جي سي بي أو أيه) تتطلع إيران إليها. فالوجوه المثيرة للجدل مثل جنرال الحرس الثوري قاسم سليماني الذي يقود قوة تدخل سريع خارج إيران، إذ إن رفع الحظر على تنقلاته سيمكنه من الذهاب إلى بلدان مثل أفغانستان العراق ولبنان من دون إيقاع عقوبات دولية على الأطراف المضيفة له.
إلا أن رفع التقييدات على بيع الأسلحة التقليدية وعلى السفر يتطلب تصويتا بالموافقة من قبل كل الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي التي تمتلك حق النقض (الفيتو).
وقال توماج معقباً: "إذا كان هناك أي وضع مثل انسحاب إيران من الاتفاق النووي (جي سي بي أو أيه) فإن مجلس الأمن الدولي يستطيع تمديد العقوبات."
وأمام كل الاستفزازات التي تقوم بها الولايات المتحدة، بما فيها الضربات الجوية الإسرائيلة المزعومة على أهداف إيرانية في سوريا والعراق، يتساءل كثير من المحللين ما إذا كانت إيران سترد عليها وإذا حدث ذلك فمتى سيتم، لكن إيران لديها حوافز قوية كي تحافظ على مسارها المتحفظ حاليا، حتى شهر أكتوبر 2020 في أقل تقدير.
© The Independent