Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معرض فرنسي يجمع الأدب والتشكيل في الحياة اليومية

فلليني سبق المعرض متحدثاً عن الواقعية الجامعة بين لوتريك والأدب الروائي

من رسوم ستينلين في معرضه المشترك مع بلزاك (موقع المعرض)

ملخص

فلليني سبق المعرض متحدثاً عن الواقعية الجامعة بين لوتريك والأدب الروائي

حين يمر الباريسيون هذه الأيام في دهاليز المترو لعل أول ما يفاجئهم إعلان يتكرر بسخاء في معظم المحطات متحدثاً عن معرض من نوع لافت يجمع بين أدب أونوريه دي بلزاك وفن الكاريكاتير الصحافي كما مارسه الرسام ستينلين خلال النصف الثاني من القرن الـ19 على صفحات أشهر المجلات المعاصرة حينها. كثر من المارة يدهشهم متسائلين عما يجمع بين المبدعين، حتى وإن كان عنوان المعرض "بلزاك وستينلين والحياة اليومية..."، يخفف عنهم تلك الدهشة، لكن آخرين، من الأكثر اطلاعاً على تاريخ المعارض من هذا النوع لن يدهشوا وهم الذين سبق لبعضهم أن شاهدوا معرضاً من هذا النوع كان ستينلين نفسه واحداً من نجومه الثلاثة إلى جانب دومييه وهنري دي تولوز- لوتريك، وكان موضوعه بالتحديد الكيفية التي عبر بها أولئك الثلاثة في الفترة الزمنية نفسها عن الحياة اليومية للفرنسيين، بل تحديداً للباريسيين الذين يشكلون اليوم موضوع المعرض الجديد الذي يقتصر على المقاربة بين كاتب الحياة اليومية الأكبر بلزاك ولا سيما في مجموعته "الكوميديا الإنسانية"، ورسام الكاريكاتير ستينلين الذي من بين الرسامين الثلاثة كان الوحيد الذي تفرغ لرسم الكاريكاتير على أغلفة وصفحات أشهر مجلات ذلك الحين ولا سيما منها "جيل بلا" و"الضحك"، بينما نعرف أن الاثنين الآخرين رسما كثيراً من اللوحات الصالونية خارج الاهتمامات الكاريكاتيرية. ومن هنا يكاد ستينلين يبدو وحيداً في رفعه فن الكاريكاتير إلى مستوى رفيع من الفنون الجميلة مما يبرر اليوم جمعه مع بلزاك في معرض ثنائي.

تدخل مسبق من فلليني

مهما يكن من أمر، لا بد من أن نذكر هنا أن المعرض الثلاثي القديم أثار في حينه (بدايات عام 2011) اهتماماً كبيراً، إذ لئن كان الجمهور العريض يعرف مسبقاً أن تولوز- لوتريك كان رسام كاريكاتير للحياة اليومية إلى جانب رسومه الصالونية المستقاة من حيلة الليل الباريسية، ولئن كان يعرف الكثير عن لوحات دومييه ومنها ما هو كاريكاتيري خالص، فإنه - أي الجمهور العريض - بالكاد كان يعرف ستينلين ويدرك أن فن الكاريكاتير ينتج عادة أعمالاً قد تفوق اللوحات الصالونية أهمية وإبداعاً. والحقيقة أن ما كان لافتاً بالنسبة إلى الجمهور العريض حينها هو احتواء الكاتالوغ الخاص بالمعرض على نص جرت استعارته من السينمائي الإيطالي الكبير فدريكو فلليني الذي كان قد رحل قبل أكثر من عقد ونصف العقد، فبدا حاملاً من المبررات للمعرض برمته ما يبدو وكأنه مكتوب لمناسبة المعرض، حتى وإن كان صاحب "الحياة اللذيذة" و"ساتيريكون" قد كتبه قبل ذلك بـ40 عاماً (1971)، معلناً فيه انتسابه الفني بل أكثر من الفني إلى تولوز لوتريك، معلناً فيه منذ السطور الأولى أنه "دائماً ما خامرني الإحساس بأن تولوز – لوتريك هو أخي وصديقي. وربما لأن هذا الفنان امتلك، وقبل ظهور اختراع الأخوين لوميير بسنوات طويلة، الحدس بفن التأطير، وكذلك امتلك إحساساً مبكراً بالتوليفات التي يسمح بها الفن السينمائي، ولكن ربما أيضاً من جراء انجذاب هذا الفنان الاستثنائي ناحية الكائنات المحرومة أو المحتقرة. أي ناحية كل أولئك الذين يطلق عليهم الناس المحترمون اسم (الرعاع)... وهم مرتاحون إلى هذا الاسم".

أرستقراطي كاره للعالم الحسن

وهنا يتابع فلليني حديثه عن لوتريك قائلاً إن "هذا الأرستقراطي كان يكره كل ذلك (العالم الحسن)، مؤمناً بأن أجمل الأزهار وأنقاها لا يمكن أن تولد وتنمو إلا في الأرض المتروكة وبين القاذورات. لقد كان يحب الرجال والنساء الحقيقيين والقساة، بل حتى قتلى المجتمع وقاتلوه. وكان يحتقر الدمى المتبرجة، لأنه وبأكثر من كراهيته لأية عيوب أخرى كان يكره النفاق والتصنع. لقد كان تولوز – لوتريك بسيطاً وحقيقياً. كان رائعاً على رغم قبحه. ولهذا لا يزال هذا الفنان حياً بيننا حتى الآن وبفضل رسومه. حياً يعيش في داخل كل واحد منا". ومن الواضح أن ما قاله فلليني يومذاك وبدا منطبقاً على فن تولوز – لوتريك، ينطبق اليوم على فن ستينلين من ثم يأتي مبرراً لربط فن هذا الأخير بأدب بلزاك الذي في ثنائيته مع رسوم ذلك الفنان الاستثنائي والذي يعيد الفرنسيون اليوم اكتشافه على ضوء ذلك الربط الذي بعد دهشة الاكتشاف الأول لعلاقته بأدب صاحب "أوجيني غراندي" وغيرها من تلك النصوص التي تشكل أجزاء الكوميديا الإنسانية تكاد تكون بدورها صورة أخاذة - وصادقة من دون ريب - للحياة الاجتماعية اليومية للباريسيين، ليس فقط في تلك الحقبة من التاريخ الاجتماعي الباريسي والفرنسي عموماً، بل حتى للتاريخ الاجتماعي الراهن. ومن هنا يبدو لافتاً أن ملصقات المعرض تتحدث عن كون المبدعين معاً يصوران، وكل منهما بفنه المتفرد، الحياة اليومية للشعب البسيط في كل الأزمان وليس فقط في الزمن الذي عاش فيه الفنانان ومارسا فنهما خلاله.

حياة يومية دائمة

ولئن كنا قد أشرنا أعلاه إلى واقع أن فني بلزاك وستينلين قد عبرا عن الحياة اليومية، فإنه لا بد لنا من الإشارة هنا إلى أنهما معاً قد تعاملا مع تلك الحياة اليومية خارج نطاق تاريخيتها. ويبدو لنا هنا أن فلليني لم يكن بعيداً من الصواب ولا عن القدرة على التعبير عما يقوله لنا المعرض الراهن (لأعمال بلزاك وستينلين) من خلال حديثه عن تولوز – لوتريك الذي يعود عقوداً من السنين إلى الوراء كما يعبر فيه فنان السينما الإيطالية الكبير عن شغفه بفن سلفه رسام الليل الباريسي الفاسق، متحدثاً عن كونه أرستقراطياً وقف إلى جانب المحرومين والمحتقرين. والحقيقة أن فلليني يبدو لنا هنا خير من يعبر عن فرادة فن لوتريك، بل حتى عن فرادة فنون دومييه وستينلين في مجال التعبير عن المواضيع المتعلقة بـ"الرعاع أنفسهم"، مما جعل كثراً من الناس يستعيدون اليوم هذا النص الذي كتبه من دون أن يذكر فيه سوى واحد فقط من فنانيه المفضلين وهو يكاد يقول لنا إن تولوز – لوتريك إنما كان أخاه وصديقه وليس فقط من خلال تعبيره عن أولئك الناس الذين رصد حياتهم من كثب، بل من خلال تعبيره هو نفسه الكاريكاتيري عنهم. ففي نهاية الأمر لم يهتم المعرض السابق بلوحات لوتريك الصالونية بل برسومه الكاريكاتيرية كما بالملصقات التي كان لا يتوقف عن رسمها فإذا بها تتحول إلى فن شعبي من خلال منسوخاتها التي تعلق اليوم في البيوت، وربما بخاصة في بيوت الناس البسطاء فتصبح، وهي المعبرة بألوانها وخطوطها، عن جزء من حياتهم اليومية، جزءاً أساسياً من تلك الحياة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المعرض ومغزاه

وذلكم هو على أية حال مغزى هذا المعرض الجديد الذي يتوغل في يوميات الناس من خلال روائي ورسام لم يكتفيا بالتغلغل في تلك اليوميات كمتفرجين بل كانا جزءاً أساسياً منها وبأكثر من معنى. فإذا كان فلليني في نصه عن تولوز – لوتريك مهتماً بأن يجيب عن سؤال كان هو من طرحه على نفسه، لا شك أنه إنما تعمد، من ناحية أن يحدد على تلك الشاكلة تفضيلاته الفنية، ويتحدث في الوقت نفسه عن فنه هو بالذات. ففي نهاية الأمر لا شك أننا حين نستعرض اليوم تلك الشخصيات التي صورها فلليني في أفلامه الكبرى، نكاد نرى كيف تنطبق عليها تلك المعايير التي حددها المخرج السينمائي الكبير لاختيار شخصيات أفلامه ونتنبه في نهاية الأمر إلى كونها في الجزء الأكبر منها شخصيات كاريكاتيرية تنتمي إلى تلك "الحثالة" وتملأ شاشات فلليني وجوهاً وأشكالاً تجعلها تبدو طالعة من لوحات تولوز – لوتريك ولا سيما تلك الكاريكاتيرية منها، مما يجعل السؤال الآخر الذي يجيب عنه فلليني في نصه، سؤال حول اختياراته الخاصة وكأن الرسام المشوه والفنان "الكاريكاتيري" بدوره قد تجسد فيه في الزمن الأقرب إلينا، وإذا بجواب فيلليني يصبح بدلاً من "لماذا أحب تولوز – لوتريك"، "لماذا أحب الشخصيات الكاريكاتيرية في أفلامي". وهما السؤال نفسه على أية حال!

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة