بعد عام صعب من الأزمات الاقتصادية التي اندلعت من قطاع العقارات الذي شهد موجة من الانهيارات والإفلاسات، تعهدت الصين بتعزيز السياسة المالية عام 2024 لتمتين اقتصادها المتعثر.
جاء هذا الإعلان بعد اجتماع لكبار مسؤولي الحزب الشيوعي بعد أيام فقط من خفض وكالة "موديز" توقعاتها في شأن التصنيف الائتماني للصين من مستقر إلى سلبي، مستندة إلى الأخطار المتعلقة "بالانخفاض الهيكلي والمستمر للنمو الاقتصادي على المدى المتوسط" والمشكلات المستمرة في قطاع العقارات.
بينما تعهد المسؤولون في الاجتماع الذي ترأسه الزعيم شي جينبينغ وحضره المكتب السياسي القوي المكون من 24 عضواً، ببذل مزيد من الجهد لتوسيع الطلب المحلي وتحقيق الاستقرار في التجارة الخارجية والاستثمار، وأضافوا أنه "في العام المقبل يجب علينا أن نواصل تنفيذ سياسة مالية استباقية وسياسة نقدية حكيمة ويجب تعزيز السياسة المالية الاستباقية بصورة معتدلة، مع تحسين الجودة والكفاءة".
والسياسة المالية هي استخدام الضرائب والإنفاق الحكومي للتأثير في الاقتصاد وتشير عادة إلى القرارات التي تتخذها البنوك المركزية للتأثير في كلفة الاقتراض والسيطرة على التضخم، وأكد المسؤولون أيضاً أهمية منع الأخطار في المجالات الرئيسة و"التمسك بخلاصة مفادها بأنه لن تحدث أي أخطار نظامية".
وعادة ما يجتمع المكتب السياسي مرة واحدة في الشهر لمناقشة السياسة واتخاذ القرارات إزاء القضايا الرئيسة، وعادة ما يحدد اجتماعه في ديسمبر (كانون الأول)، جنباً إلى جنب مع مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي السنوي المتوقع في وقت لاحق من هذا الشهر، نغمة السياسة الاقتصادية للعام المقبل.
منعطف حرج
عقد الاجتماع الأخير خلال منعطف حرج بالنسبة إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم الذي يواجه مشكلات عميقة، إذ امتد الانكماش المستمر في سوق العقارات إلى الاقتصاد الأوسع، مما تسبب في اضطرابات في نظام الظل المصرفي الضخم، وتواجه الحكومات المحلية المثقلة بالديون أيضاً ضغوطاً متزايدة من تداعيات سوق العقارات المتعثرة، فيما تخلف بعض أكبر المطورين في الصين عن السداد بالفعل.
وقبل أيام، قالت وكالة "موديز" إنها تتوقع أن يتباطأ معدل النمو الاقتصادي السنوي للصين إلى أربعة في المئة خلال عامي 2024 و2025، وإلى متوسط بنسبة 3.8 في المئة سنوياً من 2026 إلى 2030. ويمكن أن تؤدي العوامل الهيكلية، بما في ذلك التركيبة السكانية الأضعف، إلى انخفاض النمو المحتمل إلى حوالى 3.5 في المئة بحلول عام 2030. وفي المقابل تتوقع الصين نمواً بنحو خمسة في المئة هذا العام وبالمقارنة، في العقد الذي سبق الوباء، نما الاقتصاد الصيني بنسبة 7.7 في المئة سنوياً بالمتوسط، وفقاً لشركة "بلاك روك".
وتعهد المكتب السياسي للحزب الشيوعي الحاكم في الصين بتعزيز السياسة المالية للحكومة لزيادة الطلب المحلي، مع تنفيذ سياسة نقدية مرنة وموجهة. وحسبما نقلت وكالة الأنباء "شينخوا"، ذكر المسؤولون خلال الاجتماع أنه سيتم تعزيز السياسة المالية للبلاد بصورة مناسبة، وفي الوقت نفسه يجب أن تكون السياسة النقدية مرنة ومناسبة وهادفة وفاعلة.
وقال الرئيس شي في الاجتماع إن التعافي الاقتصادي للبلاد لا يزال في مرحلة حرجة، وأوضح المكتب أن الصين ستعمل على تعزيز الانتعاش الاقتصادي على نحو فاعل ومنع الأخطار وحلها، وتحسين التوقعات الاجتماعية وتعزيز الاتجاه الإيجابي للانتعاش الاقتصادي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار المكتب إلى أن الصين "ستحسن بفاعلية النشاط الاقتصادي وتتعامل مع الأخطار وتحسن التوقعات الاجتماعية وترسخ وتحسن التوجه الإيجابي للتعافي الاقتصادي وتواصل تدعيم التحسن الفاعل لنوعية النمو الاقتصادي المعقول".
وتابع أن "الجهود يجب أن تبذل لزيادة الطلب المحلي وتشكيل دورة قوية لتعزيز الاستهلاك والاستثمار معاً... نحتاج إلى تعميق الإصلاحات في مجالات أساسية ونضخ باستمرار محفزات قوية في عملية تنمية عالية الجودة".
فيما يعتقد محللون بأن نمو الصين في سبيله لبلوغ المعدل المستهدف وهو نحو خمسة في المئة هذا العام، لكن هذا النمو سيكون بالمقارنة بمعدل 2022 الذي تأثر سلباً بجائحة كورونا ولا تزال الأنشطة الاقتصادية غير متسقة.
وسيوصي مستشارو الحكومة الصينية في الاجتماع باستهداف معدل نمو مستقر في 2024 وسياسات تحفيز إضافية.
وقالت وكالة الأنباء "شينخوا" إن المكتب السياسي بحث أيضاً خططاً لإجراءات خاصة بمكافحة الفساد وراجع القواعد التنظيمية للتدابير التأديبية للحزب.
احتياطات الذهب والدولار
على صعيد البيانات الإيجابية وعلى رغم أزمات قطاع الإسكان والمصارف، ارتفعت احتياطات الصين من النقد الأجنبي، والذهب في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بدعم من ارتفاع اليوان أمام الدولار الأميركي على مدى الشهر الماضي.
وأشارت بيانات صينية رسمية حديثة إلى زيادة احتياط النقد الأجنبي الصيني الذي يعد الأكبر على مستوى العالم بمقدار 70.58 مليار دولار إلى 3.172 تريليون دولار في نوفمبر، مقارنة باحتياط بلغ 3.101 تريليون دولار في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ومقابل التوقعات عند 3.12 تريليون دولار.
وبلغ احتياط الصين من الذهب النقي 71.58 مليون أوقية في نهاية الشهر الماضي بعدما وصل إلى 71.20 مليون أوقية في نهاية أكتوبر.
وزادت قيمة احتياط الذهب الصيني إلى 145.7 مليار دولار بنهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مقارنة بنحو 142.17 مليار دولار في أكتوبر. بينما صعدت العملة الصينية مقابل نظيرتها الأميركية بنسبة 2.55 في المئة على مدى تعاملات نوفمبر الماضي.