ملخص
وزارة التربية والتعليم عاجزة عن مواصلة العام الدراسي حتى بعد انتهاء الحرب.
على بعد أمتار كان الطفل جاد واقفاً عندما أسقطت الطائرات المقاتلة الإسرائيلية صاروخاً على روضة الأطفال، وبعينيه شاهد المؤسسة التربوية التي كان يتعلم فيها وقد تحولت إلى كومة ركام وأنقاض متناثرة في كل اتجاه.
صرخ جاد خوفاً من شدة الانفجار، بسرعة ركض باتجاه مبنى الروضة المدمر وأخذ يتفقده ويدور حوله في جميع الأرجاء كأنه يبحث عن شيء ما، انحنى على الأنقاض وأخذ ينبش الركام بيديه ويزيح ما يستطيع من الحجارة، من بعيد كانت أمه تراقبه بهلع، تقدمت نحو طفلها وسألته، "ماذا تفعل؟".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"دفاتري وكتب الألوان"، أجاب جاد الذي التحق حديثاً بروضة الأطفال ولم يمض بها سوى شهرين حتى بدأت الحرب التي قتل فيها أصدقاؤه ومعلمته ودمر المبنى بكامله.
لأجل صغيرها ساعدته الأم في البحث عن كتب الألوان لكنها لم تجد شيئاً، مترددة في إخباره بأن دفتر واجباته قد يكون احترق هو الآخر مع القصف أو ربما تبعثر في الأرجاء، فهي لا تعلم ماذا سيكون رد فعله، اكتفت بأن احتضنته مع وعد بأنها ستحضر له أوراقاً كثيرة بعد انتهاء الحرب.
مشاعر بين الركام
كانت الأم تحبس دموعها، لكن طفلها انفجر بالبكاء وأخذ يصرخ قائلاً "دمروا روضتي، وكسروا الألعاب بداخلها، وحتى رفوف الكتب والألوان لا أعرف أين هي، تحول كل شيء إلى حجارة".
جاد طفل ذكي ويتصرف كالكبار، أدار وجهه عن الركام وضرب كفاً بكف متحسراً على ما أصاب غزة كلها، ومشى متثاقلاً حزيناً على حرمانه من التعليم، متجهاً إلى مدرسة ترفع علم الأمم المتحدة بعد أن تحولت إلى مركز إيواء يعيش الآن فيه.
في الحرب غير المسبوقة على قطاع غزة دمرت إسرائيل عدداً كبيراً من المرافق التعليمية، ولم يقتصر قصفها على روضة جاد، بل أغارت على معظم رياض الأطفال والمدارس والجامعات ومعاهد التعليم العالي.
ولم يسلم الطلاب والأطفال والمعلمون ومسؤولو الإدارات التعليمية من القصف الإسرائيلي على غزة، فمنذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي سقط الآلاف منهم ضحايا وسجل بينهم جرحى.
بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (مؤسسة حكومية) فإن إسرائيل دمرت في قطاع غزة 215 روضة أطفال، وهذا الرقم يعادل نصف عدد رياض الأطفال الموجودين في القطاع.
في غزة يوجد ثلاثة أنظمة للمدارس: الأول يتبع وزارة التربية والتعليم، ودمرت إسرائيل نحو 319 مدرسة حكومية من أصل 615، والثاني تديره وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" بالتعاون مع وكالة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف"، وقصف الجيش نحو 50 مدرسة من أصل 183، والثالث يتبع جهات خاصة، وتم قصف أربع مدارس من أصل 60.
بالنسبة إلى الجامعات ومعاهد التعليم العالي فإن الجيش الإسرائيلي دمر نحو 14 مرفقاً، أبرزها "الجامعة الإسلامية" و"الأزهر"، وهما أكبر مؤسستين تعليميتين في القطاع من جهة المساحة وعدد الأبنية ونسبة الطلاب الملتحقين.
بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد قتل من الطلبة الملتحقين بالمدارس نحو 3141، فيما بلغ عدد الجرحى بين الطلاب 4863 من كلا الجنسين، وسقط 140 من المعلمين والإداريين ضحايا فضلاً عن 403 مصابين.
لا مدارس قبل عام
يقول المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم الفلسطينية صادق الخضور "أدى نشوب الحرب إلى انقطاع تام عن التعليم الجامعي في قطاع غزة، وكذلك انقطاع التعليم التوجيهي في جميع المدارس ورياض الأطفال".
ويضيف "لقد حرمت الحرب نحو 608 آلاف طالب وطالبة من حقهم بالتعليم المدرسي، إسرائيل لا تعتبر أن للفلسطينيين حقاً في التعليم، لذلك دمرت مدارسهم وعطلت مسيرة تنميتهم العلمية والفكرية".
بحسب الخضور فإن تدمير إسرائيل المدارس يأتي في خطة ممنهجة لحرمان سكان غزة من حق التعليم، مؤكداً أن الجيش الإسرائيلي انتهك بشكل صارخ كل القواعد والمبادئ الإنسانية وحقوق الإنسان بما في ذلك حق التعليم.
ويؤكد الناطق باسم وزارة التربية والتعليم أنهم سيعيدون بناء المدارس التي دمرتها آلة الحرب، لكنه يشير إلى أن من المرجح أن تتوقف مسيرة التعليم لسنة في الأقل في غزة، إذ من الصعب العودة لاستكمال العام الدراسي الذي بدأ قبل الحرب بشهرين.
من جانبها، قالت المديرة الإقليمية لمنظمة "يونيسيف" أديل خضر "لا يمكن أن تصبح الهجمات على مدارس الأمم المتحدة أمراً عادياً، يجب أن تتوقف الحرب، إن الصور التي تصل من غزة عن المدارس المدمرة مروعة للغاية".
وتضيف "يجب احترام القرار رقم 2601 الذي أصدره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي يلزم جميع الأطراف المنخرطة في النزاعات المسلحة أن تحافظ على حق التعليم وضمان أمن المدارس".
وذكر المفوض العام لوكالة "أونروا" فيليب لازاريني أن الدراسة متوقفة تماماً في مدارس "أونروا" بسبب الحرب، وتخشى المنظمة من فقدان التلاميذ عاماً دراسياً إضافياً فضلاً عن عامين سابقين بسبب وباء كورونا.
في إسرائيل، قال المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي إن "بعض المرافق التعليمية وعلى رأسها (الجامعة الإسلامية) تعمل كمركز تأهيل وتدريب رئيس لمهندسي (حماس)، وهي مركز مهم للقوة السياسية والعسكرية للحركة، لذلك جرى تدميرها".