واصلت التجارة العالمية التراجع في الربع الأخير من هذا عام 2023، مما يشير إلى أن العام المقبل لن يشهد نمواً يعوض ذلك التراجع المستمر منذ منتصف العام الماضي 2022. ويخلص تقرير التجارة العالمية الصادر حديثاً عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) إلى انكماش التجارة العالمية هذا العام بمقدار 1.5 تريليون دولار مقارنة مع حجم التجارة العالمية في العام الماضي 2022. ويصل حجم التجارة العالمية هذا العام إلى 30.7 تريليون دولار بينما زاد العام الماضي عن 32 تريليون دولار.
وبحسب أحدث التقديرات تراجعت التجارة في السلع والبضائع هذا العام بمقدار تريليوني دولار، أي بنسبة 8 في المئة تقريباً. بينما ارتفعت التجارة في الخدمات بنحو نصف تريليون (500 مليار) دولار، أي بنسبة 7 في المئة تقريباً. ومن أهم العوامل التي أدت إلى تراجع التجارة العالمية تقليل الاعتماد المبادل بين أكبر اقتصادين في العالم، في الولايات المتحدة والصين، إضافة تغيرات جيوسياسية أخرى، فقد تراجعت الصادرات من الدول النامية، وانخفضت معدلات التجارة بين الجنوب والجنوب بشدة، كما أن التجارة في شرق آسيا ظلت أقل من المعدل المعتاد.
ومن البيانات والأرقام التي تضمنها التقرير يتضح أن هناك تراجعاً واضحاً في توجه العولمة، مع زيادة معقولة في التجارة بين الدول المتقاربة جيوسياسياً وتراجع كبير في التجارة بين الدول المتباينة جيوسياسياً.
عوامل الضعف
ويلاحظ تقرير "أونكتاد" أن ذلك التوجه من تراجع تجارة السلع والبضائع وزيادة تجارة الخدمات ربما يتغير العام المقبل 2024، إذ بدأت مؤشرات التغير في تلك التوجهات في الربع الأخير من هذا العام مع زيادة طفيفة في تجارة البضائع والسلع وتراجع في تجارة الخدمات. إنما في المجمل العام، يؤكد التقرير ان التوقعات بالنسبة لوضع التجارة العالمية العام المقبل تظل غير محسومة، وإن كانت النظرة المستقبلية متشائمة بصورة عامة.
يعود التراجع في التجارة العالمية إلى ضعف الطلب بصورة عامة في الاقتصادات المتقدمة وضعف النشاط الاقتصادي في شرق آسيا وانخفاض أسعار السلع بصورة عامة. وهذا ما أدى إلى انكماش التجارة في السلع والبضائع. أما التحسن في تجارة الخدمات فيعود إلى تأخر تعافي القطاع منذ أزمة وباء كورونا، إلا أن هذا التعافي القوي في تجارة الخدمات أخذ في التباطؤ في النصف الثاني من هذا العام 2023.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع أن بعض المؤشرات الاقتصادية، مثل تفادي الركود الاقتصادي العالمي حتى الآن وبدء تحسن معدلات التضخم، قد تدفع نحو التفاؤل بنمو التجارة العالمية، إلا أن عوامل الضغط السلبي التي تجعل النظرة المستقبلية متشائمة تظل موجودة. من تلك العوامل استمرار التوترات الجيوسياسية في أكثر من مكان عالميا واستمرار ارتفاع معدلات الدين العام والهشاشة الاقتصادية في غالب الدول والمناطق.
يضاف إلى تلك العوامل السلبية التباين الكبير بين الدول والمناطق فيما يخص توقعات النمو والنشاط الاقتصادي، والتي تؤثر بصورة كبيرة في توجهات التجارة، كما أن استمرار ارتفاع أسعار الفائدة في غالب الاقتصادات حول العالم يؤثر سلباً في فرص نمو التجارة نتيجة الضعف المتوقع في الناتج الصناعي للاقتصادات الكبرى مثل ما في الولايات المتحدة والصين.
توجهات مختلفة
من العوامل المؤثرة ايضا في ضعف التجارة العالمية وسلبية التوقعات المستقبلية اضطراب أسعار السلع الناجم عن التوترات الجيوسياسية من ناجية وأهمية الوصول إلى المعان النادرة التي يحتاج إليها العالم للتحول في مجال الطاقة من ناحية أخرى. ومن شأن استمرار تلك التوجهات أن يؤدي إلى مزيد من التقلبات في أسعار السلع وتجارتها بصورة عامة.
هناك أيضا عودة السياسات الصناعية التقييدية بمزيد من القوانين والقواعد وأيضاً ضغط الحاجة إلى الوفاء بتعهدات مكافحة التغير المناخي. ومن تبعات ذلك تغيير التوجهات والسياسات التجارية، سواء عبر فرض الرسوم والضرائب أو غيرها من الإجراءات. وزاد اللجوء إلى تلك الإجراءات الحمائية هذا العام، ومن المتوقع أن يستمر تأثير التوجهات الانعزالية العام المقبل كذلك.
من التوجهات التي تغيرت بوضوح في التجارة العالمية هذا العام، تباين الطلب على سفن شحن الحاويات مع زيادة الطلب على المواد الخام، فقد تراجع أداء مؤشر شنغهاي لمعدلات الشحن بالحاويات، في وقت تحسن فيه مؤشر البلطيق للشحن الجاف في النصف الثاني من هذا العام مشيراً إلى نمو الطلب العالمي على المواد الخام.
ويتوقع التقرير استمرار تباين توجهات التجارة العالمية في العام المقبل، ما بين الدول والمناطق مع استمرار التحسن في التجارة في أميركا الشمالية أكثر منه في شرق آسيا، على أن تظل أرقام التجارة بالنسبة إلى الاقتصادات المتقدمة متراجعة بعدما شهدت وارداتها هبوطا بنسبة 6 في المئة هذا العام وشهدت صادراتها انخفاضا بنسبة 7 في المئة هذا العام. وإجمالاً تظل التجارة البينية في دول الجنوب متراجعة مقارنة مع دول الشمال.