ملخص
فتح سقوط الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 حدوداً جديدة للتجارة
على مدى السنوات الـ15 الماضية، نشأ إجماع على أن العولمة وصلت إلى نهايتها واتجهت إلى الانحدار، وأحد الأرقام الشائعة التي تدعم هذه الحجة هو أن التجارة كحصة من الناتج العالمي بلغت ذروتها في عام 2008 على أعتاب الأزمة المالية العالمية ولم تتعافَ قط، لكن مقياساً جديداً وضعه اثنان من الاقتصاديين الشباب، هما شارات غاناباتي من جامعة جورج "تاون" وووان فونج وونغ من جامعة "أوريغون"، يروي قصة معاكسة مفادها بأن مزيداً من السلع أصبحت اليوم تنتقل لمسافات أكبر من أي وقت مضى، ويبدو هذا مستحيلاً إذا كانت العولمة انقلبت حقاً إلى الاتجاه المعاكس.
وعادة ما يتم قياس أهمية التجارة من خلال القيمة الدولارية لجميع الصادرات والواردات مقسومة على الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهذه النسبة ارتفعت من 38 في المئة عام 1990 إلى 61 في المئة بحلول عام 2008، وفقاً للبنك الدولي، وكان هذا هو العصر الذهبي للأممية، وفتح سقوط الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 حدوداً جديدة للتجارة، وتأسست منظمة التجارة العالمية في عام 1995، وفي عام 2001 انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية، وبذلك دخلت الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم بالكامل إلى عصر العولمة.
وعندما اندلعت الأزمة المالية العالمية في الفترة 2007-2009، دخلت الاقتصادات في جميع أنحاء العالم في حالة من الركود وتزايدت التساؤلات حول ما إذا كان ينبغي متابعة العولمة في المقام الأول.
مؤشر جديد
وفي حين يقيس الاقتصاديون التجارة باستخدام قيمتها بالدولار، فإن الأشخاص الذين يعملون في مجال النقل يفضلون الطن/الكيلومتر وهي المسافة الإجمالية التي تقطعها البضائع مضروبة في وزنها الإجمالي، كما يستخدمه مكتب الولايات المتحدة لإحصاءات النقل لمقارنة الشحن الجوي والقطارات والشاحنات.
أخبر أحد مسؤولي الشحن الاقتصادي الشاب غاناباتي أن هذه الإحصائية توضح "كم نتحرك وإلى أي مدى نتحرك المعلومات"، وفي بحث نشر هذا الصيف، قام غاناباتي ووونغ بحساب هذا المقياس لنظام التجارة العالمي، ووجدوا أنه في حين بلغت حصة التجارة من الناتج المحلي الإجمالي ذروتها في عام 2008، ارتفع طن الكيلومتر من التجارة بنسبة 49 في المئة من 55 تريليون دولار أميركي في عام 2008 إلى 82 تريليون دولار أميركي في عام 2019، متجاوزاً نمو الناتج المحلي الإجمالي المعدل بحسب التضخم بنسبة 18 في المئة خلال هذه الفترة، في حين انخفضت الأرقام إلى حد ما في عام 2020 أثناء الوباء. ويقول غاناباتي، الذي لم يحسب بعد، أرقامه لعام 2021 وما بعده، أن المعلومات الضرورية متاحة فقط بفارق زمني.
حل المفارقة
إذاً كيف تنخفض قيمة التجارة إذا ارتفعت الحمولة والمسافة؟ الطريقة الواضحة التي يمكن أن يحدث بها ذلك هي أن تصبح العناصر التي يتم شحنها أرخص للطن، في حين يمكن أن يحدث هذا إذا انخفض سعر الطن، أو إذا تحول مزيج التجارة إلى السلع ذات الكلفة الأقل للطن، مثل المواد الخام.
ولنأخذ على سبيل المثال الليثيوم، الذي تتزايد أهميته باعتباره مادة أساسية في بطاريات السيارات والأجهزة الإلكترونية، إذ يكلف طن من كربونات الليثيوم 22 ألف دولار، في حين أن طن من أجهزة "آيفون"، نحو 2000 وحدة، قد تصل قيمته إلى ملايين الدولارات، لذا يمكن للشركات نقل المصانع إلى مكان أقرب إلى العملاء، مما يقلل من عدد الكيلومترات، لكنها لا تستطيع نقل مناجم الليثيوم.
أشار اقتصاديون آخرون إلى أن العولمة لم تتراجع بالقدر الذي توحي به نسبة التجارة إلى الناتج المحلي الإجمالي المألوفة، ففي سلسلة من المقالات، زعم المتخصص في شأن الاقتصاد الدولي في كلية إدارة الأعمال "أي أم دي" في لوزان بسويسرا، ريتشارد بالدوين، أن "ذروة العولمة" مبالغ فيها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير بالدوين إلى أن ذروة القيمة التجارية في عام 2008 كانت مدفوعة بشكل كبير بكون المواد الخام باهظة الثمن للغاية في ذلك العام، لذا عندما انخفضت الأسعار خلال الأزمة المالية العالمية، أدى ذلك إلى خفض قيمة التجارة، لكن حجم المواد الخام التي يتم تداولها استمر في الارتفاع.
واستمرت التجارة الدولية في الخدمات، مثل الخدمات المالية عبر الحدود أو الاتصالات أو الملكية الفكرية، في الارتفاع، على رغم صعوبة قياسها، وهذا يؤدي إلى شعور متزايد بأن العولمة قد لا تكون ميتة كما كنا نعتقد.
وقال مؤرخ التجارة في كلية دارتموث "دوغلاس إيروين"، لصحيفة "وول ستريت جورنال"، "لا أستطيع أن أقول إنه كان من غير المعقول القلق في شأن مصير العولمة وما إذا كانت ستنهار". وأضاف "لا أعتقد أننا خرجنا من الغابة بعد، لكن العولمة أثبتت أنها أكثر مرونة بكثير مما توقعه المتشائمون قبل خمس سنوات".
وقال غاناباتي، إنه حتى لو انخفضت قيمة التجارة، فلا يزال يتعين علينا الاهتمام بحجم التجارة المتزايد على مسافات أكبر من أي وقت مضى، لأنه يظهر أن العالم لا يزال يعتمد على التجارة العالمية. وأشار إلى أن المسافات توضح أيضاً أخطار تعطل سلسلة التوريد، قائلاً "لفترة من الوقت كنا قلقين في شأن المكان الذي تأتي منه أجهزة "آيفون" الخاصة بنا، ولكن ما يهم حقاً اليوم هو هذه المواد الخام التي لا تمثل جهاز "آيفون" نفسه، بل كل الليثيوم والتيتانيوم والصلب والنفط الذي يجب شحنه حول العالم".