لم يتأخر رد فعل الحكومة الفرنسية على رفض البرلمان مناقشة نص مشروع قانون الهجرة الجديد، فغداة تلقيها الرفض، أعلن المتحدث باسمها أوليفييه فيران اتخاذ القرار بعرض نص المشروع على لجنة نيابية مشتركة للعمل على صيغة توافقية تقدم إلى البرلمان مرة أخرى.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، علق خلال اجتماع مجلس الوزراء، على رفض البرلمان الشروع بمناقشة نص القانون، بالقول إن "الغالبية التي رفضت نص المشروع، هي غالبية تريد شل البلاد"، مشيراً إلى أن هؤلاء أنفسهم هم الذين تواتروا على حكم البلاد خلال 40 عاماً وهم الذين لم يلبوا الدعوة إلى حضور اجتماعات سان دني (اجتماعان للحوار دعي إليهما جميع الأحزاب في باريس خلال الصيف الماضي).
وكان يوم الـ11 من ديسمبر (كانون الأول) موعداً حاسماً بالنسبة إلى وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، صاحب مشروع قانون الهجرة الجديد، الذي يحمل اسمه، فتبني القانون بالنسبة إليه، هو الانتصار الذي سيبني عليه مشروعه لخوض الانتخابات الرئاسية في 2027، بخاصة أن المنافسة على أشدها.
حيال هذا الرفض لم يكن أمام الحكومة سوى خيار من بين ثلاثة: عرض النص على لجنة نيابية مشتركة لإيجاد صيغة توافقية، أو حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات عامة، أو سحب النص نهائياً.
مثير للجدل
مشروع قانون الهجرة المثير للجدل كان من المقرر عرضه على البرلمان منذ مارس (آذار) الماضي، وتأجل مرات عدة لعدم توفر غالبية عظمى. وفي السياق الدستوري طرح على النقاش في مجلس الشيوخ لقراءة أولى خلال الصيف، وخرج من تحت قبته بتعديلات متشددة، وصفت بكونها "نسخة يمينية" كون غالبية الغرفة العليا من اليمين.
ومن بين التعديلات التي تبناها مجلس الشيوخ إلغاء المساعدة الطبية التي تقدمها الدولة للمقيمين غير الشرعيين واستبدالها بمساعدة طبية طارئة، وتلك المتعلقة بتسوية شاملة لأوضاع المهاجرين العاملين في قطاعات تحتاج إلى الأيدي العاملة، وترحيل الحاصلين على الإقامة الذين يرتكبون أعمال عنف وجرائم. (تزامنت دراسة النص في مجلس الشيوخ مع قتل المدرس دومينيك برنار في أراس).
أما الفقرة التي أثارت الجدل فهي المتعقلة بتسوية أوضاع المقيمين العاملين في قطاعات بحاجة إلى اليد العاملة، إذ يعتبرها اليمين إشارة تشجع على قدوم مزيد من المهاجرين، على أمل تسوية أوضاعهم في ما بعد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) عرض النص على اللجان القانونية المشتركة في البرلمان، فألغت تعديلات مجلس الشيوخ مما أثار حفيظة اليمين الذي رفض التصويت على نسخة مختلفة عن تلك التي تبناها المجلس.
واليوم فإن تشكيل لجان مشتركة، يمكن التوصل من خلالها إلى حل توافقي، يعني إعادة الكرة والخروج بنص آخر يطرح مرة جديدة على اليمين، أي مجلس الشيوخ. وهذا يعني أيضاً أن الحكومة لم تستعن للمرة الـ21 بالمادة 49.3 من الدستور الفرنسي لتبني النص (مادة تسمح بتمرير مشاريع القوانين دون عرضها على مجلس النواب) فهل ستكون مضطرة إلى اللجوء إليها في ما بعد؟ وماذا يعني العودة بالنص للجنة نيابية مشتركة؟
الطريق الذي ينتظر النص لن يكون أكثر سهولة، فاللجنة المشتركة التي تضم سبعة نواب وسبعة أعضاء من مجلس الشيوخ، الذي هو بغالبيته من اليمين ستعمل على إيجاد نص جديد توافقي لكنه يعرض بدوره على التصويت أمام مجلس الشيوخ ليمر مجدداً أمام مجلس النواب من دون إمكان إجراء أي تعديلات إلا بموافقة الحكومة. وفي هذه الحال فإن خطر رفضه ليس مستبعداً، إلا في حال العودة للمادة 49.3، مما يضع الحكومة أمام إمكان حجب الثقة.
وفي حال عدم إمكان التوفيق بين نسخة مجلس الشيوخ المتشددة والنسخة التي اقترحتها الحكومة، يمكن لهذه الأخيرة طلب التقدم أمام البرلمان مرة أخيرة، عندها تعرض النسخة التي صوت عليها مجلس الشيوخ أمام البرلمان والطلب من النواب، البت بالقرار النهائي على النص.
تدابير صارمة
وزير الداخلية جيرالد دارمانان، الذي تطاوله الانتقادات، لأنه أراد اللعب على جميع الجهات وإرضاء أطراف متناقضة للحصول على أصواتهم، صرح بأنه لن يتخلى عن التدابير التي من شأنها حماية الفرنسيين، مهما كانت الطريق التي يتعين اتباعها، قائلاً "أريد تدابير صارمة"، مكذباً ما ينسب إليه من طموحات رئاسية.
يقول المحلل السياسي باسكال دروهو، إنه وفي ظل غياب أي غالبية "ليس من المستبعد أن يكون مصير قانون الهجرة الجديد كمصير قانون التقاعد والاستعانة بالمادة 49.3 مرة أخرى، على رغم أن رئيسة الحكومة إليزابيث بورن وعدت بعدم اللجوء إلى تلك المادة لتبني هذا المشروع".
من جهته يرى زعيم الحزب الاشتراكي أوليفيه فور أن "الحكمة تقضي باستخلاص العبر وسحب النص نهائياً"، مقترحاً العودة العام المقبل مع نص يقدم الحلول، أي انتظار الانتخابات الأوروبية.
على أية حال فإن الرئيس ماكرون الذي رد استقالة وزير الداخلية لا يمكنه التخلي عن قانون الهجرة، فالموضوع يحتل مساحة مهمة على الساحة الفرنسية والأوروبية، وتبني قانون بوجهة يمينية أمراً مستساغاً كون المجتمع الفرنسي يطالب بقانون حول الهجرة.
وستعمل اللجنة مشتركة على النسخة التي اعتمدها مجلس الشيوخ، إذ أضاف إليها 47 مادة تدور حول اعتماد كوتا للهجرة وطرح النقاش حولها سنوياً، وسحب الإقامة من الذين يخالفون مبادئ الجمهورية، وتشديد التدابير حول لم الشمل، وتشديد شروط تسوية أوضاع المهاجرين العاملين في قطاعات تتطلب اليد العاملة، إضافة إلى تشديد شروط منح الجنسية، وكلها مواد عمدت إلى تعطيلها اللجان التشريعية في البرلمان.
وما يمكن أيضاً الإشارة إليه هو توافق أقصى اليمين وأقصى اليسار حول هذا الرفض، وهو سابقة، مما يعني أن حزب مارين لوبن زعيمة اليمين المتطرف حقق نصراً إضافياً.