ملخص
هل بات الذكاء الاصطناعي مهدداً لملايين عقود العمل حول العالم؟
بدا واضحاً أن العقد الحالي هو عقد التحولات التقنية الثورية وفي قمتها الذكاء الاصطناعي الذي أبهر وسحر البشر في شتى المجالات لكن بعد أن يهدأ هذا الانبهار تبدأ نبرات القلق في التصاعد ويتساءل الملايين هل وظائفنا مهددة؟، وهذا أحد أعظم الأسئلة في العصر الحالي ومدى حدوث ذلك في القريب العاجل.
ولعل الشعور بالقلق من تأثير التكنولوجيا الجديدة على الوظائف ليس أمراً جديداً إذ يعود تاريخياً إلى زمن حركة "اللوديين" – دعت لموت الآلات - في بداية الثورة الصناعية وعاد للظهور في عصرنا الحالي فالتكنولوجيا هي التي تشكل عالم العمل ليس فقط بميكنة الإنتاج بل أيضاً بتيسير الاتصال والابتكار.
ومع ما تواجهه أسواق العمل العالمية من تغيرات حالية ومستقبلية استثنائية، تطرق وزراء الموارد البشرية في عدد من الدول وعشرات المتخصصين الدوليين إلى هذه القضية، خلال جلسات المؤتمر الدولي لسوق العمل المنعقد في الرياض، وختمت فعالياته أمس الخميس.
دارت محاور المؤتمر، وفق وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية، حول أبرز المؤثرات والاتجاهات في سوق العمل عالمياً، وإعادة هيكلته وتأثير البيانات عليه، وكذلك تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف، وإصلاحات سوق العمل التحويلية، وكذلك المساواة وبيئة العمل، إضافة إلى آثار التطور التقني والذكاء الاصطناعي على مستقبل أسواق العمل وأنماط العمل والعمل عن بعد، وجلسات المرأة وسوق العمل، والطرق المبتكرة لتطوير مهارات التواصل، واقتصاد العمل المرن وقضايا تطوير سياسات سوق العمل والاستعداد للتغيرات المستقبلية في السوق.
جلسات موسعة سجلت حضور 2000 مشارك من مختلف دول العالم و120 متحدثاً عبر 40 جلسة حوارية وتخصصية، بشراكة مع منظمة العمل الدولية والبنك الدولي، وبمشاركة نخبة من الخبراء الدوليين والمتخصصين، وعدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين، ورؤساء المنظمات الدولية والمهنية.
كتابة نص بأسلوب شكسبير
التغير الذي أحدثه الذكاء الاصطناعي والذي سيحدثه في المستقبل هو أحد أكثر الموضوعات التي نوقشت على منصات المؤتمر وتباينت وجهات نظر المشاركين في شأن تأثيرها على الوظائف ما بين مؤيدين لهذه التقنيات يرون أنها تحسن الكفاءة بشكل كبير، وتقلل من الكلفة في مقابل منتقدين يعتبرون أن تطور الآلة يأتي على حساب اليد العاملة البشرية، باعتبار أن الذكاء الاصطناعي يعوض الذكاء البشري مما يقوي الاتكالية والخمول.
وذهب فريق من المشاركين إلى أن العالم بعد المد الثوري للذكاء الاصطناعي لن يكون على الصورة التي كانت عليه، إذ سيطاول التغيير كل شيء، مشيراً إلى أن تقنيات "العالم الجديد" قادرة على تحويل مستقبل البشرية للأفضل إذا ما أحسن استخدامها وهناك من يقدم صورة خيالية عامرة بالتشاؤم والقلق والتحذير من مغبة استخدامها.
حاول مدير برنامج مستقبل العمل بجامعة أكسفورد، كارل بينيديكت فراي، في جلسته التي حملت عنوان "القوى التي تؤثر في سوق العمل العالمية في الوقت الحاضر"، إعادة تقييم تقسيم العمل بين البشر وأجهزة الكمبيوتر في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي وتأثير التكنولوجيا على مستقبل العمل.
وقال فراي، "كقاعدة عامة، يبدو الآن أن الذكاء الاصطناعي قد يكون قادراً على استبدال العمل البشري في العديد من الوظائف إلا أن البشر سيستمرون في الاحتفاظ بالميزة النسبية في مجالات رئيسة وهي الإبداع والتفاعلات الاجتماعية المعقدة".
وفسر حديثه بمثال قائلاً، "على رغم أن الذكاء الاصطناعي يمكنه إنتاج خطاب بأسلوب شكسبير فإن هذا فقط لأن أعمال شكسبير موجودة بالفعل ويمكن تدريب الذكاء الاصطناعي عليها".
وأضاف أن الذكاء الاصطناعي يعد جيداً بشكل عام في المهام التي تحتوي على بيانات واضحة وهدف واضح مثل تعظيم النتيجة في لعبة فيديو، أو التشابه مع لغة شكسبير، ولكن إذا كنت تريد إنشاء شيء جديد حقاً، بدلاً من إعادة صياغة الأفكار الموجودة فإنه سيحتاج إلى إنسان لتحديد المخرجات والتحقق من صحتها وتحريرها.
عالم بلا عمل
دروس الماضي يمكن أن تساعد على مواجهة الحاضر بشكل أكبر، هنا حاول كارل بينيديكت فراي وهو أستاذ مشارك في ديتر شوارتز للذكاء الاصطناعي أيضاً أن يوضح بعض الأمور لفئة المتشائمين الذين يرون أن العالم يلعب لعبة خطرة مع الذكاء الاصطناعي الذي سيتفوق على البشر وسيسيطر على المستقبل وأن الروبوتات ستحكم العالم عاجلاً أم آجلاً.
وطرح فراي مراجعة شاملة لتاريخ التقدم التكنولوجي وكيف أحدث تحولاً جذرياً في توزيع القوة الاقتصادية والسياسية بين أفراد المجتمع وكيف كانت الثورة الصناعية لحظة حاسمة في التاريخ، ولكن قليلين هم من أدركوا عواقبها الهائلة في ذلك الوقت.
وذكر أن الثورة الصناعية خلقت ثروة وازدهاراً غير مسبوقين على المدى الطويل وكما جلبت الثورة الصناعية في نهاية المطاف فوائد غير عادية للمجتمع، فإن أنظمة الذكاء الاصطناعي لديها القدرة على فعل الشيء نفسه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلا أن المحاضر في الاقتصاد بجامعة أكسفورد، دانيال سوسكيند، اعتبر أن الإنجازات في مجال الذكاء الاصطناعي تعني أن جميع أنواع الوظائف معرضة للخطر بشكل متزايد، وأن التكنولوجيا ستستولي على الوظائف الحالية بسرعة أكبر من قدرة البشر على خلق وظائف جديدة.
وتابع، "قريباً سنعمل أقل كثيراً، هذا إن عملنا أصلاً"، مشيراً إلى أن العالم يتجه نحو عالم سيصبح فيه العمل البشري عفا عليه الزمن، بل وذهب إلى أبعد من ذلك، بقوله، "إننا على وشك عصر جديد يمكن فيه للآلات أن تتوصل إلى أفكار جديدة تماماً حول كيفية برمجة نفسها".
وأضاف، "في حين أن هذه التقنيات الجديدة تحقق مكاسب كبيرة في كفاءة عملية الإنتاج، إلا أنه لا يبدو أنها تسهم في الإنتاجية في الوقت الحالي وفقاً للإحصاءات".
عقود العمل تتغير
لم تزد أو تقلص التكنولوجيا فرص العمل فقط بل إنها أيضاً غيرت ظروف العمل ولم تعد البيئات مقتصرة على الموظفين الموجودين في المكتب ذاته فالفريق يتكون من أعضاء من جميع أنحاء العالم ومن بينهم موظفون بدوام جزئي وآخرين بمشاريع محدودة فكيف تعاملت الدول مع هذه المتطلبات الجديدة التي تطلبها العصر لجذب المواهب المختلفة للعمل.
حكى وزراء العمل لعدد من الدول عن تجربتهم مع هذا النوع من العقود وكيف بدأت بتغيير أشكالها لتكون مواكبة مع متطلبات العصر وهل انتهى عقد العمل باعتباره أنه لم يعد متلائماً مع مستلزمات سوق العمل العالمية الجديدة؟
وزير الشؤون الاجتماعية التونسي السيد مالك الزاهي أوضح أن عقود العمل التقليدية لم تعد قادرة على مسايرة المستقبل، وهنا لا بد من التفكير في حلول جديدة في ظل هذه المتغيرات.
وأضاف، "لم نعد نتحدث عن عقد عمل فردي فأصبحنا نتحدث عن عقود عمل جماعية تهدف إلى تنظيم الشروط وظروف العمل وتدعم القدرة الشرائية وتكريس حقوق العامل الأساسية ولا يمكن تحقيق هذا إلا إذا كان هناك اتفاق جماعي وعبر عقود عمل جماعية مع كل الأطراف الاجتماعية وهذا ما تعمل عليه تونس".
من جانبه، قال وزير العمل والضمان الاجتماعي اليوناني أدونيس جورجياديس، إن لدى بلاده تقريباً 12 في المئة من القوى العاملة التي تعمل بنظام العقد الجزئي وهذا في قطاع السياحة، وهي فترة مرتبطة بسبعة أو ثمانية أشهر وربما تدوم إلى سنة كاملة.
ومضى وزير العمل والضمان الاجتماعي اليوناني في حديثه بالتأكيد على أن الموظفين بدوام جزئي يزدادون يوماً بعد يوم.
ويجري تعريف الموظفين بدوام جزئي من قبل مكتب إحصاءات العمل على أنهم العمال الذين يعملون عادة أقل من 35 ساعة في الأسبوع، بغض النظر عن عدد الوظائف التي قد يكون لديهم.
من جانبها، تحدثت أمينة مجلس الوزراء ووزيرة العمل الكينية السيدة فلورانس بور عن التحديات التي تواجه القطاعات لهذا النوع من الوظائف مع الإشارة إلى أن هذا الوضع يؤدي إلى خلق فوضى إدارية للشركات كما أنه يمنع المنظمات من الانسجام بين الموظفين. وأشارت إلى أن العقود القصيرة أيضاً تشتت المهارات، مضيفة "سنجد على سبيل المثال شخصاً لديه مواهب لكنه يجد عرض عمل لوظيفة أخرى ويبدأ باكتساب خبرة محدودة ثم ينتقل لعمل آخر، لذلك هذه الوظائف لن تصقل مهارات الأفراد بل ستزيد من تشتتهم".
اتفاقات مليونية
وعلى هامش فعاليات اليوم الأول، جرى توقيع 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين عدد من الجهات، بلغت إجمالي قيمتها 246 مليون ريال (نحو 65.5 مليون دولار)، وتهدف إلى توفير الآلاف من فرص التدريب والوظائف.
وتضمنت الاتفاقات الموقعة، تنفيذ مجموعة متنوعة من برامج التطوير والتدريب، والمبادرات التعليمية والمنح الدراسية، واتفاقات إعداد القادة، وتبادل المعرفة والبيانات، بهدف تمكين شرائح متعددة من الخريجين الجدد والنساء والأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم للحصول على فرص عمل مناسبة من خلال تأهيلهم وتوفير التدريب المناسب لهم.