Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل كان للإغلاقات جدوى في احتواء كورونا وهل نكررها؟

بينما يصب تقصي الحقائق في شأن "كوفيد" تركيزه على بوريس جونسون يبقى عدد من الأسئلة الجوهرية في شأن اللجوء إلى الحجر الصحي من دون جواب... فهل يمكن اعتبار هذه الإجراءات الجذرية الطريقة الصحيحة للتحكم بعدد الإصابات؟

الحانات والبارات باعدت في المسافة بين الزبائن عند إعادة فتحها في صيف عام 2020 (غيتي)

أخيراً، اتخذ بوريس جونسون [رئيس الوزراء البريطاني السابق] موقفاً في شأن تحقيق "كوفيد" الذي يتقصى الحقائق المتعلقة باستجابة المملكة المتحدة للفيروس ويسعى إلى استقاء الدروس منها من أجل المستقبل، وهي فرصة كي يدافع عن نفسه ضد وابل من انتقادات وجهت نحوه من سياسيين ومستشارين وموظفين في الخدمة المدنية عملوا معه في غمرة الجائحة التي عصفت بالمملكة المتحدة.

اللجوء إلى عمليات الإغلاق، أو الحجر، وتأثيرها في عدد الوفيات مسألتان أساسيتان: إلى أي مدى كانت الإغلاقات فاعلة في الحد من تفشي المرض، وفي حال ضربتنا جائحة مماثلة، أو عندما تقض مضجعنا جائحة أخرى، ما الدور الذي يمكن أن يضطلع به تدبير على هذه الشاكلة؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كوني عالماً في وبائيات الأمراض المعدية أمضيت سنوات الجائحة في تحليل البيانات المتعلقة بالأسئلة المذكورة آنفاً.

الإشارة الأولى إلى أن موجة "كوفيد" التي نشبت في ربيع 2020 كانت ستتراجع في المملكة المتحدة لم تتأت من أعداد الإصابات أو حالات العلاج في المستشفى، بل كانت وراءها بيانات متعلقة بأشكال التواصل الاجتماعي. في 24 مارس (آذار) آنذاك، تحديداً بعد مرور يوم واحد على الطلب إلى السكان "البقاء في منازلهم"، أجرى زملائي مسحاً سلوكياً. في النتيجة، وجدوا أن التواصل الاجتماعي بين صفوف السكان البالغين في المملكة المتحدة تراجع 75 في المئة مقارنة مع مستويات ما قبل الجائحة، في نسبة تكفي لدفع التفشي المتزايد إلى التضاؤل.

في الواقع، التغيير الذي طرأ على هذا الشكل من سلوك الناس في عام 2020 كان غير مسبوق. مثلاً، على رغم تطبيق تدابير التباعد الاجتماعي في الولايات المتحدة خلال جائحة الإنفلونزا عام 1918، بيد أن التراجع الذي حققته في انتقال العدوى بلغ 30 إلى 50 في المئة على الأكثر. وعليه، لم تتراجع موجات التفشي إلا بعد إصابة نسبة كبيرة من السكان بالعدوى، أي تطوير مناعة جماعية لديهم.

في نهاية المطاف، تراجعت أعداد إصابات "كوفيد" في المملكة المتحدة، ولكن تزايدت التساؤلات. ما التأثير الذي تركته قيود الإغلاق على تفشي العدوى؟ هل كانت ملازمة السكان بيوتهم خطوة ضرورية؟ إلى أي مدى كان في المستطاع رفع هذه الإجراءات من دون التسبب في موجة ثانية؟

كي نتوصل إلى تقييم للفاعلية التي اتسمت بها عمليات إغلاق "كوفيد"، علينا أولاً الاتفاق في شأن العوامل الأساسية وراء انتقال الفيروس عبر الجهاز التنفسي. ادعى البعض، على نقيض الأدلة المتوفرة، أن الموجة الأولى من الإصابات في المملكة المتحدة تراجعت لأن نسبة كبيرة من السكان التقطوا العدوى بطريقة أو بأخرى في أوائل عام 2020، واكتسبوا تالياً مناعة قوية إنما غير مرئية. يوافق معظمهم على حقيقة أن التواصل الاجتماعي في المملكة المتحدة سجل تراجعاً كبيراً خلال مارس (آذار) 2020، لحسن الحظ. ولما كان "كوفيد" ينتشر من طريق هذه التفاعلات بين الناس، انحسرت الموجة الأولى مع إصابة نسبة صغيرة فقط (أي 5 إلى 10 في المئة) من سكان المملكة المتحدة.

كي نراجع ونتفحص تأثير عمليات الإغلاق، علينا تالياً الاتفاق على ما يمكن اعتباره إغلاقاً. في 17 مارس 2020، أي في اليوم التالي لصدور توصية من حكومة المملكة المتحدة تنصح فيها السكان بأن يتفادوا أشكال التواصل الاجتماعي غير الضرورية، حملت صحيفة "التايمز" العنوان الرئيس "بريطانيا قيد الإغلاق". وفي الوقت نفسه كان آخرون يستخدمون الإغلاق بوصفه حاجزاً وقائياً صحياً، أي "إغلاق السفر" داخل المنطقة وخارجها. حتى إن أحد تقارير عام 2021 الذي حظي بنطاق واسع من النشر عرف الإغلاق بأنه يعني أي إجراء حكومي. ولكن مع ذلك، توصلت المناقشات العامة في المملكة المتحدة إلى تعريف الإغلاق عموماً بأنه أمر بالبقاء في المنزل.

سيتعين على البلاد إيجاد بديل أفضل من الإغلاقات تلجأ إليه في أوقات الجوائح الشديدة في المستقبل

في مارس 2020، أقرت المملكة المتحدة تدابير كثيرة في فترة زمنية قصيرة. بعد إصدار توجيه ينصح بتجنب أشكال التواصل غير الضرورية في 16 مارس، تلقت المدارس والحانات والملاهي الليلية والنوادي الرياضية والمطاعم أمراً بالإغلاق في 20 مارس، ثم جاء إغلاق 23 مارس.

إذا أردنا أن نفهم العلاقة التي تجمع بين تدابير السيطرة على الفيروس وبين انتقال العدوى، علينا أن نعرف كيف كان التفشي الكامن خلفهما. لسوء الحظ، كانت فحوص الكشف عن الفيروس في المملكة المتحدة غير كافية وغير دقيقة في بداية الجائحة. في النتيجة، تتمثل البيانات الأكثر موثوقية في مجموعة الأرقام مثل عدد الوفيات والارتفاعات في مستويات الأجسام المضادة، وكلاهما يحدث بعد أسابيع من الإصابة.

في عام 2020، استخدم المتخصص في الإحصاء سيمون وود بيانات خاصة بالوفيات في المملكة المتحدة، إضافة إلى الفترات الفاصلة بين الإصابة والوفاة، وذلك بغية التوصل إلى رقم تقديري لوقت حدوث العدوى الأصلية. وأشار تحليله إلى أن الإصابات في المملكة المتحدة بلغت ذروتها في الفترة الممتدة بين 19 و21 مارس، علماً أنها الفترة الزمنية عينها التي شهدت إغلاق أماكن كثيرة.

خلال فترة الذروة، لا يشهد التفشي أية زيادة ولا أي تراجع أيضاً، ولكن لو بقي التفشي في المملكة المتحدة ثابتاً بعد الذروة الحادة التي توصل إليها وود في عملياته الحسابية، لكانت النتيجة نحو ألفين من الإصابات المميتة يومياً، ولكننا لم نشهد ألفي حالة وفاة يومياً في الموجة الأولى لأن مستويات الإصابة سرعان ما انخفضت، تشير نتائج وود إلى أن أسرع معدل للانخفاض كان في الفترة الممتدة ما بين 24 و26 مارس، أي بعد الإغلاق مباشرة.

ينجسم هذا الجدول الزمني إلى حد كبير مع البيانات الخاصة بالسلوك. وفي استطلاع نهضت به مؤسسة "يو غوف" YouGov و"جامعة إمبريال كوليدج لندن" في الفترة الممتدة بين 17 و18 مارس، قال ما يزيد قليلاً على نصف البالغين في المملكة المتحدة إنهم يتجنبون المناطق المزدحمة والمناسبات الاجتماعية. وجاءت أكبر التغييرات في النصف الثاني من الشهر. تشير بيانات التنقل من "غوغل" إلى أن الزيارات إلى أماكن العمل تراجعت بنسبة 15 في المئة عن مستويات ما قبل الجائحة بحلول 20 مارس 2020، وبحلول نهاية الشهر كانت قد انخفضت بنسبة 65 في المئة. وفي استطلاع أجرته "يوغوف" في 24 مارس، قال 93 في المئة إنهم يؤيدون إجراءات الإغلاق الجديدة الأكثر صرامة.

في الغالب، تفرض المملكة المتحدة أو تخفف تدابير متعددة في وقت واحد، لذا من غير المرجح أن نعرف التأثير الذي يتركه كل منها بصورة قاطعة. نادراً ما أجريت تجارب عشوائية خاصة بتدابير الضبط أو إجراءات المكافحة، ويمكن أن تتغير الخلفيات وراء السلوك لأسباب عدة. مثلاً، تغلق المدارس وكثير من أماكن العمل أبوابها بشكل روتيني خلال فترة عيد الميلاد، مما يعني أنه في المتوسط معظم الناس في المملكة المتحدة احتكوا مع بعضهم بعضاً بشكل أقل قليلاً خلال فترة "عدم الإغلاق" في ديسمبر 2020 مقارنة مع إغلاق ربيع 2020.

ونظراً إلى عدم التأكد من البيانات الخاصة بتدابير المملكة المتحدة، يتمثل خيار آخر في جمع البيانات من بلدان متعددة. عليه، عقد الباحثون في "جامعة أكسفورد" مقارنة بين توقيت فرض التدابير في مختلف أنحاء أوروبا خلال موجات "كوفيد" في الربيع والخريف بغية معرفة ما إذا كانت بعض التدابير مرتبطة في المتوسط بتأثيرات أكبر. وتوصلوا في تقديراتهم إلى أنه لا يوجد تدبير واحد بعينه أفضى إلى خفض أكثر من 50 في المئة في انتقال العدوى، لقد تطلب كبح جماح التفشي مزيجاً من التدابير. أدت القيود الصارمة التي فرضتها الحكومات على حجم التجمعات إلى خفض انتقال العدوى بنسبة 25 إلى 40 في المئة، في حين أسفر إغلاق الشركات إلى خفض بنسبة 25 إلى 35 في المئة. علاوة على ذلك، قدروا أنه بمجرد إغلاق الأماكن وتقييد التجمعات، ترتب عن أوامر البقاء في المنزل تراجع إضافي بنسبة 10 إلى 15 في المئة، وإن كان هذا الرقم مشوباً بكثير من عدم اليقين.

بيد أن للسياق أهميته في هذا الشأن. إذا كانت دولة ما تكابد ألفين حالة وفاة يومياً، فإن خفض انتقال العدوى بنسبة 10 في المئة، في خطوة تدفع التفشي إلى التراجع، سيطرح تأثيراً أكبر بأشواط من تراجع بنسبة 10 في المئة عندما يكون تفشي المرض تحت السيطرة الجيدة أصلاً، ولكن تحديد جدوى هذا التأثير، ومقبولية الكلف التي تترتب عنه، ليس مجرد مسألة وبائية، بل يبقى رهناً بالأهداف التي تسعى الدولة إلى تحقيقها، والآثار الاقتصادية والاجتماعية والصحية الأوسع التي ينبغي التفكير ملياً بها.

كذلك تعتبر المقارنة بين البلدان أكثر من مجرد مسألة وبائية. نظرياً، طبقت بيرو بعض الإجراءات الأكثر صرامة عالمياً في مكافحة "كوفيد" في عام 2020، ولكنها انتهت أيضاً إلى إصابة نسبة كبيرة من سكانها وسجلت معدلات مرتفعة من الوفيات، ذلك أن العوامل الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بعمليات الإغلاق لم تكن مماثلة لنظيرتها في أوروبا. كذلك السويد، التي شهدت انخفاضاً في انتقال العدوى على رغم تضاؤل التفاعلات الاجتماعية بين الناس. ولكن السويد تقدم أيضاً أجوراً مرضية أفضل، وأحجام الأسر فيها أصغر مقارنة مع المملكة المتحدة. بناء عليه، يستطيع عدد أكبر من السكان تحمل كلف العزلة، من ثم سينقلون العدوى إلى عدد أقل من الأشخاص الآخرين.

من المهم أن نتوصل إلى فهم للأحداث التي مررنا بها في خضم "كوفيد"، ولكن من المهم أيضاً أن نتطلع إلى المستقبل. في أوروبا، كانت عمليات الإغلاق وسيلة قاسية وملاذاً أخيراً. وقد جرى تنفيذها بصورة تفاعلية استجابة للحالات السريعة التزايد في ربيع عام 2020، من دون إعداد استراتيجية خروج واضحة من هذا التدبير.

سيكون على البِلْدَان إيجاد بديل أفضل من الإغلاقات تلجأ إليه في الجوائح الشديدة الوطأة في المستقبل. هل يتعين على المملكة المتحدة، وهل يسعها، أن تستفيد بصورة أكبر من البصمات الرقمية لتحديد المخالطين المعرضين للخطر، ووقف سلاسل انتقال العدوى، مثلما واجهت كوريا الجنوبية أو سنغافورة "كوفيد"؟ هل عليها أن تحاول القضاء على انتقال العدوى محلياً، ثم تعتمد على التدابير الحدودية لمنع أي تفشيات جديدة، حاذية حذو فيتنام ونيوزيلندا؟ أم عليها أن تلجأ إلى إجراءات أخرى تماماً؟

عندما تضربنا الجائحة التالية، لا يكفي أن نسأل ببساطة ما إذا كان ينبغي لنا أن نغلق أبوابنا أم لا. تظهر الأدلة أن قطع أشكال التواصل الاجتماعي في الوقت المناسب سيحد من انتشار المرض، ولكن بعدما عايشنا هذه التجربة مرة واحدة، ينبغي لنا أن نكون في وضع أفضل يسمح لنا بالتساؤل عما نأمل في تحقيقه ــ وما التنازلات التي نحن على استعداد لقبولها من أجل تحقيق هذه الغاية.

آدم كوتشارسكي بروفيسور في علم وبائيات الأمراض المعدية، والمدير المشارك لـ"مركز التأهب والاستجابة للأوبئة" التابع لكلية لندن للصحة والطب الاستوائي

 

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من صحة