ملخص
نفدت الأموال النقدية من أيدي سكان غزة بسبب الحرب، وهذا هو حالهم
كل صباح تفتح نفين محفظتها وتعد ما في داخلها من نقود "10 و20 ومئة، بالمجمل 130 شيكلاً، أي 35 دولاراً أميركياً"، هذا ما تبقى مع تلك السيدة الغزية من أموال، وعليها تدبر أمور خيمتها بالحد الأدنى بهذا المبلغ حتى نهاية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
عندما نزحت نفين من مدينة غزة، حملت في محفظتها نحو 3 آلاف دولار أميركي، ولم تجد مكاناً في مراكز الإيواء التابعة لـ"أونروا" بسبب الاكتظاظ، لذا اضطرت إلى تحمل كل أعباء النزوح المادية.
كل يوم مصاريف
وتقول "استأجرت شقة سكنية بمبلغ كبير، وبعد ذلك أرغمت على النزوح منها إلى خيمة بسبب أوامر الإخلاء، وكنت أشتري جميع ما يحتاج إليه المنزل من مستلزمات أساسية فقط وعلى رغم ذلك نفدت الأموال، كل شيء ارتفع سعره في غزة".
وكانت نفين تعتقد بأنها إذا عاشت في خيمة سيخفف عنها ذلك المصاريف، لكنها تؤكد أن الكلف نفسها، مضيفة "كل يوم تحتاج إلى طعام وماء ومستلزمات النظافة لو عشت في قصر أو خيمة، هذه الأشياء لن تأتي هدية من السماء، يجب أن تدفع ثمنها".
وتفكر نفين كثيراً في طبيعة حياتها إذا نفد ما تبقى معها من أموال بسيطة جداً، وهي بالأساس لا تعتبر أن 35 دولاراً مبلغ من المال، إذ توضح أنها في اليوم الواحد تحتاج إلى 50 دولاراً لتكمل حياة أطفالها، وهذا المبلغ كله يذهب إلى شراء أي نوع من الطعام.
نفدت أموال نفين النقدية، كما نفد النقد من جميع سكان غزة بلا استثناء، مما يدفع السيدة إلى القلق في شأن المستقبل، وتتمنى أن تنتهي الحرب بأسرع وقت ممكن وأن تعود الحياة لطبيعتها حتى يتسنى لها سحب أي مبلغ من المصارف.
رواتب منقوصة
وتعمل نفين بالأساس موظفة في السلطة الفلسطينية، وقبل الحرب كانت تتلقى نحو 85 في المئة من قيمة راتبها، إلا أن ذلك تغير خلال فترة الحرب.
في الواقع، اقتطعت إسرائيل 156 مليون دولار من أموال الضرائب (المقاصة) التي تجمعها نيابة عن السلطة الفلسطينية في مقابل واردات الفلسطينيين من السلع المستوردة، بذريعة أن جزءاً من المبلغ يشمل رواتب ومخصصات موظفين ومصاريف لقطاع غزة.
ورفضت السلطة الفلسطينية التي تعتمد بصورة أساسية على أموال "المقاصة" لدفع الرواتب استلام المبلغ منقوصاً، مما أخّر دفع رواتب الموظفين في غزة، إلا أن وزارة المالية في رام الله عالجت الأمر بالاستلاف من البنوك وتحويل نصف راتب لموظفيها في القطاع.
وتؤكد نفين أن ما تسلمته لا يكفي بسبب تضخم الأسعار في القطاع وأنه حتى لو حصلت على كامل راتبها فهو لا يكفي أيضاً، وتقول "مضى 71 يوماً على الحرب، ولو حملت معي 100 ألف دولار لنفدت جميعها، كل يوم مصاريف والتضخم كبير".
جميع الموظفين سواسية
كذلك نفدت أموال معتصم الذي يعمل في حكومة غزة التي تؤكد إسرائيل أن حركة "حماس" تديرها من بعيد، ولم يتبقَّ مع الرجل سوى 20 دولاراً فقط، ولا يعرف كيف سيتدبر أمور منزله.
لم ينزح معتصم فهو من سكان المنطقة الوسطى ولم تطلب منه إسرائيل إخلاء منزله، وعلى رغم ذلك نفد ماله، فيخبط الرجل كفاً بكف ثم يولول على حاله، ويقول "فترة الحرب طويلة ولم يتبقَّ معي مال لأصرفه على طعام أطفالي هذا إذا وجدت غذاء".
يعمل معتصم الذي يعيل أسرة من ستة أفراد وفق مبدأ تحديد الأولويات، ويضيف أنه "مجبر على ذلك بحسب ما تفرضه الأسعار المتغيرة يومياً، أشتري ما يناسبني سعره، وبكمية قليلة على قدر الحاجة اليومية".
وصرفت حكومة غزة 300 دولار لموظفيها وهو جزء من رواتبهم، ولم يتسلموا جميعهم هذه السلفة النقدية بسبب عدم توافر سيولة مالية ونتيجة الأزمة الاقتصادية التي تمر فيها الجهات الحكومية منذ أعوام.
وكان معتصم تمكن خلال السنوات الماضية من ادخار 4 آلاف دولار، يؤكد أنها نفدت في 71 يوماً من القتال العسكري، وهو الآن حائر كيف سيكمل حياته من دون أموال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
العمال أسوأ حالاً
أما العامل صابر الذي إذا عمل تلقى أجراً وإذا انقطع عن مهنته لم يحصل على أي مال، فاضطر إلى النزوح مرات عدة وكان يحمل معه 600 دولار من النقد لم يتبقَّ منها أي شيء، إذ صرفها على الطعام والإيواء.
ويفكر صابر في الاستدانة من أحد المعارف، لكنه يضحك عندما يخطر في باله هذا الأمر، ويقول "كل غزة نفدت نقودها، من العجب أن أطلب مالاً من شخص لا يملكه، إذا قلت إنني لم آكل منذ يومين صدقني، فلا مال لدي لأشتري أي طعام".
ونفاد المال لا يتوقف عند فئة العمال، بل شمل العاملين مع المنظمات الدولية، ويقول رضوان "يعتقد الناس بأننا فئة أفضل حالاً، لكن وضعنا مثل البقية، فلا نملك أي نقد بسبب توقف الصرافات الآلية عن العمل نتيجة انقطاع الإنترنت".
وكان لدى رضوان 3 آلاف دولار صرفها كلها، وقال "أقاطع كثيراً من السلع والمواد الغذائية منذ أسبوعين، مثلاً لا أشتري بيض الدجاج الذي ارتفع سعره من خمسة دولارات إلى 10، وكذلك الأمر بالنسبة للحم والرز، ما أصرفه هو فقط على الخضراوات والمعلبات".
تضخم مهول
ويؤكد كل العمال في غزة أن أموالهم النقدية نفدت، ولا تتوافر معهم سيولة الآن، ويرجعون ذلك إلى تغيّر أسعار السلع والحاجات المختلفة في الأسواق بصورة مطّردة، ويقول مدير المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة "لم تفلح المساعدات الواردة عبر معبر رفح البري في وضع حد لتدهور الأوضاع المعيشية والإنسانية للغزيين لأن وتيرة تدفقها بطيئة والمواطن في القطاع لم يلمس أثراً لهذه المساعدات على حياته"، مضيفاً أن "نفاد الأموال النقدية من أيدي سكان غزة جاء نتيجة عدم توافر السيولة بسبب إغلاق البنوك وتعطل عمل غالبية أجهزة الصراف الآلي التابعة لفروع المصارف داخل القطاع".
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن التضخم في قطاع غزة صعد بنسبة 12 في المئة خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي و40 في المئة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وكذلك ارتفعت أسعار نقل الركاب بنسبة 300 في المئة وقفزت أسعار المحروقات بنسبة 129.17 في المئة والمياه المعدنية بنسبة 74 في المئة، وحتى الخضراوات بنسبة 170 في المئة.
ويقول أستاذ الاقتصاد مازن العجلة إن "شح السيولة في غزة سببه توقف المصادر المالية جراء الحرب، إذ انقطع آلاف العمال عن حرفهم وتأخرت رواتب الموظفين في القطاعين العام والخاص، وتوقفت التجارة الخارجية وحركة التصدير وتوقفت البنوك عن العمل وتراجعت المساعدات الخارجية"، مردفاً أن "شح السيولة يؤدي إلى انخفاض الأسعار، لكن في غزة الأمر مختلف عن بقية أنحاء العالم، حيث ترافق مع نقص في السلع، فأسفر عن ارتفاع مهول في الأسعار وضغط ذلك أكثر على الحياة اليومية للمواطن".