Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران والانتخابات... النظام أولا (5)

مخطط 2005 حاصر الإصلاحيين وتوج بإيصال نجاد إلى هرم السلطة

أحمدي نجاد كان بمثابة رأس الحربة الموجهة ضد الإصلاحيين في إيران (أ ف ب)

ملخص

شكل تولي محمد خاتمي رئاسة الجمهورية الإيرانية لدورتين امتدتا إلى ثماني سنوات، فرصة للنظام لالتقاط الأنفاس وإعادة ترميم علاقاته مع المجتمع الدولي.

شكلت الانتخابات الرئاسية في إيران عام 2005 اختباراً حقيقياً لقدرة النظام ودولته العميقة على استيعاب الأخطار التي تواجهه من داخل البيت الإيراني السياسي وكيفية الالتفاف عليها وإفراغها من آثارها وتعطيل تداعياتها وآثارها.

وإذا ما شكل تولي محمد خاتمي رئاسة الجمهورية لدورتين امتدتا إلى ثماني سنوات، فرصة للنظام لالتقاط الأنفاس وإعادة ترميم علاقاته مع المجتمع الدولي، فإنها تحولت إلى كابوس لمنظومة السلطة على المستوى الداخلي، للدور الذي لعبته المرحلة الإصلاحية في فتح المشهد على حيويات فكرية واجتماعية وسياسية عمل النظام ومؤسساته على شلها أو إخراجها من المشهد وتعطيل تأثيراتها على خطاب الرسمي ومشروعه لبناء سلطة أو حكومة التمكين التي يريدها.

هذا التحدي الذي أنتجه الخطاب الإصلاحي، لم يدفع منظومة السلطة إلى إعادة النظر في خطابها وتعديل مشروعها، بل عملت على وضع استراتيجيات جديدة لمواجهة هذا التحدي والبحث عن السبل التي تكفل تعطيل مفاعليه العملانية والتي تساعد على قطع الطريق على أي تغيير محتمل من خارج إرادته أو يتعارض معها.

والهاجس الأبرز الذي بدا واضحاً في الخطاب الرسمي للنظام الإيراني، هو أن تذهب العملية السياسية أو الصراع بين التيارين المحافظ والإصلاحي إلى تكريس ثنائية فكرية وسياسية وحزبية في الحياة السياسية، مما قد يجبر المنظومة على الاعتراف بها والتعامل معها، من ثم القبول بعملية تداول السلطة في عملية ديمقراطية تفرض عليه شريكاً في السلطة.

ويعني ذلك بالتبعية إمكانية بروز قوى جديدة تحمل خطاباً مختلفاً وتعمل على القضم من قواعده وقواعد التيار الإصلاحي الشعبية نفسها، بخاصة أنه لمس بصورة جلية حجم التراجع في هذه القاعدة إلى أقل من 20 في المئة بين الإيرانيين في الانتخابات البرلمانية عام 2000 التي جاءت بالإصلاحيين إلى مجلس النواب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من هنا، لم يكن أمام النظام ومنظومة دولته العميقة خيار سوى الانكفاء ليس اعترافاً بالواقع والحقائق الجديدة، بل لوضع استراتيجية مختلفة تسمح له باستعادة المبادرة والحد من تأثيرات الخطاب الإصلاحي على مشروع هذه المنظومة بتصفية مراكز القرار في المؤسسات الرسمية بحيث تكون منسجمة بالكامل مع التوجهات النظام والحكم الإسلامي والولي الفقيه والمرشد.

أرضية استعادة المبادرة من قبل النظام، بدأت من خلال ضرب قنوات التأثير بين الخطاب الإصلاحي والقواعد الشعبية التي من المفترض أن تكون الحامل له كترجمة لخيارها الديمقراطي في صناديق الاقتراع عندما أوصلته إلى السلطتين التنفيذية والتشريعية.

ويمكن القول إن منظومة السلطة نجحت في هذه الاستراتيجية، من خلال تعطيل وقطع الطريق على الفريق الإصلاحي في تنفيذ الوعود الإصلاحية والتغييرات الاجتماعية والسياسية التي رفعها كمشروع له.

وكان الاختبار الحقيقي لهذه الاستراتيجية في الانتخابات الرئاسية عام 2001 والبرلمانية عام 2004، عندما أجبر النظام خاتمي على الترشح لدورة ثانية على العكس من رغبته التي فضحتها دموعه التي انهمرت عند تقديم ترشيحه في وزارة الداخلية، ولم يكن إجباره على الترشح من باب الرغبة في إعطائه فرصة لاستكمال مشروعه، بل من أجل إعطاء النظام ومنظومة السلطة فرصة لاستكمال استراتيجيتها في تفكيك مصادر الخطر.

وهذا ما ظهر في الانتخابات البرلمانية عام 2004، التي استخدم فيها النظام سلاح مجلس صيانة الدستور بصورة غير مسبوقة، وعمل على استبعاد صقور التيار الإصلاحي من الانتخابات، مستغلاً ما قامت به هذه المنظومة بإفشال وعرقلة الإصلاحيات ودورها في تغذية حالة الإحباط الشعبي، والتي ترجمت بابتعاد القواعد الشعبية عن الإصلاحيين، وتنامي الاعتقاد أن العملية الانتخابية وصناديق الاقتراع ليست سوى هندسة للديمقراطية التي يريدها النظام وتخدم مصالحه.

وشكلت الانتخابات الرئاسية عام 2005 ذروة هذه الاستراتيجية، من خلال الدفع بمحمود أحمدي نجاد كمرشح من خارج السياق المتعارف عليه، ويمكن وصفه بالمرشح المغمور، وإن كان سبق له أن شغل مناصب رسمية في بعض المراحل بمحافظات الأطراف (محافظ أردبيل) وهندسة النتيجة والانتصار الذي أراده النظام هزيمة لغريمه هاشمي رفسنجاني وما يمثله من رمزية في الثورة والنظام وأحد أبرز أعمدته. أي إن هذه الانتخابات كانت بالنسبة إلى النظام والدولة العميقة بمثابة توجيه ضربة لهدفين في وقت واحد، إخراج الإصلاحيين من السلطة التنفيذية بعد إخراجهم من السلطة التشريعية، والتخلص من خطر كامن يمثله رفسنجاني على مشروع هذه المنظومة، من ثم التصفية السياسية لأبرز مصادر التهديد لها.

وهذه الخطوة كانت محطة على طريق إخراج وعزل رفسنجاني من كل مواقع القرار، فعلى رغم قدرته على استيعاب تداعيات هذه الخسارة أمام مرشح النظام، فإن منظومة السلطة استكملت عملية محاصرته عندما دفعت لاستبعاده من السباق الرئاسي عام 2009 من خلال إسقاط أهليته للترشح في مجلس صيانة الدستور.

آنذاك، بدا وزير الاستخبارات حيدر مصلحي واضحاً في التقرير الذي رفعه إلى هذا المجلس، عندما وصف القبول بترشيح رفسنجاني سيسهم في ضرب كل الجهود التي بذلتها المنظومة للسيطرة على كل مراكز القرار، وبخاصة أن فوزه سيكون حاسماً، وقد يكون من الصعب التعامل مع آثاره، ومن ثم العودة لنقطة الصفر وخسارة كل الجهود لمعالجة آثار المرحلة الإصلاحية، وما يعنيه ذلك من إمكانية العودة لتكريس الثنائية أو الاستقطاب الحزبي الذي لا يصب في مصلحة النظام ومشروع التمكين، ويعطل محاولات ترميم الخلل الذي ظهر في إدارة التيار المحافظ للسلطة التنفيذية في مرحلة تولي أحمدي نجاد رئاسة الجمهورية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل