جوانا شابة عشرينية من ساحل العاج تعمل لدى عائلة تونسية في فرانس فيل، وهو حي راق وسط العاصمة. تقضي جوانا خمسة أيام من الأسبوع في عملها، وظيفتها مرافقة طفلين آدم ثلاث سنوات ويوسف ست سنوات، وتصف يومها بالهادئ صباحاً ومتعب بعد الظهر ومساء لحين نوم الطفلين. وتقول الشابة الأجنبية "يبدأ يومي عند الساعة السابعة، أقوم بتحضير الأطفال لتأخذهما أمهما إلى المدرسة القريبة من البيت، بعدها أقوم بتنظيف البيت وأذهب إلى السوق لشراء مستلزمات المنزل".
تجارب سيئة
عادة تبقى جوانا مع الطفلين في المنزل حتى يناما، تلعب معهما وتقرأ لهما قصصاً باللغة الفرنسية وترافقهما إلى الفراش فهي مكلفة للقيام بكل حاجياتهما.
وعن ظروف العمل تقول "حالياً الوضع مقبول لاسيما أنني أوفر مصروف الأكل والنوم ما عدا يومي السبت والأحد، يومي عطلتي التي أقضيها عند صديقي الذي يقطن في أحد أحياء العاصمة تونس". وأضافت "العمل كمعينة منزلية أو كمرافقة للأطفال أفضل من العمل في أشغال أخرى، على غرار العمل في المقاهي أو المطاعم أو أعمال الفلاحة التي تشهد أحياناً استغلالاً لظروف الأفريقيات".
في المقابل تقول سهى أم لطفلة في الرابعة من العمر، "أفضل توظيف أفريقية كمعينة منزلية ولمرافقة ابنتي على معينة تونسية"، مواصلة "كانت لي تجارب سيئة مع تونسيات في هذا المجال، عادة لا يتقنن عملهن أو أنهن يرفضن بعض المهمات مثل قضاء الليل برفقة الأطفال". إلا أن سهى ترى أن الأفريقيات أصبحن أكثر تطلباً بخاصة في الأجر بعدما ازداد الطلب عليهن، لاسيما وأن اليد العاملة التونسية في مجال المعينات المنزلية ضعيفة جداً.
من جانبها تقول ليليا إنها مضطرة إلى تشغيل معينة أجنبية من ساحل العاج لأنه من الصعب إيجاد معينة تونسية تقضي معظم الوقت معها في البيت، فأغلب التونسيات يعملن بضع ساعات صباحاً ويرفضن قضاء الليل أو مرافقة الأطفال.
في سياق متصل تقول ليليا "إتقانهن اللغة الفرنسية شجعني أيضاً على اختيارها لأنها ستسهم بلتقين أطفالي هذه اللغة، بخاصة أنهم يرتادون مدرسة فرنسية في تونس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نقص المعينات التونسيات
وتؤكد الباحثة في علم الاجتماع هاجر العرايسي انتشار ظاهرة تشغيل الأجنبيات من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء كمعينات في المنازل، وذلك بسبب نقص اليد العاملة التونسية. وقالت "التونسيات عادة يرفضن القيام ببعض الخدمات كمرافقة الأطفال أو قضاء أوقات الليل في بيت مشغلها لأسباب اجتماعية، في المقابل لا تجد الأفريقيات إشكالاً أو حرجاً في ذلك، مما جعل فرص تشغيلهن مرتفعاً". وتفيد العرايسي الباحثة في مجال المهاجرات في تونس بأن "فئات اجتماعية معينة تقوم بتشغيل الأفريقيات وهم عائلات مترفة نوعاً ما، بعضهم لأن ظروفهم المالية تسمح بذلك، وبعضهم الآخر لتمرس أولادهم على اللغة الفرنسية".
من جهة أخرى تقول عرايسية إن المهاجرات الأفريقيات في تونس لديهن مشروع المهاجرين الذكور نفسها، وهو العمل من أجل توفير المال للهجرة نحو أوروبا.
والجدير ذكره أن ارتفاع عدد المعينات من أفريقيا جنوب الصحراء جاء مع ارتفاع عدد الهاجرين الأفارقة إلى تونس بهدف الهجرة إلى أوروبا ولا توجد أرقام دقيقة حول عددهم. وفيما تؤكد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بتونس أن عددهم يفوق 57 ألفاً بقليل بينهم أكثر من 8 آلاف لاجئة أو طالبة لجوء، تذهب وزارة الداخلية التونسية إلى أن العدد الجملي لأفارقة جنوب الصحراء المقيمين في تونس بطريقة قانونية وغير قانونية يناهز 27 ألفاً. من جهته كان الاتحاد العام التونسي للشغل قال إن عدد العمالة الأفريقية في تونس يناهز 700 ألف. ويعيش هؤلاء المهاجرون القادمون من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء أوضاعاً صعبة بخاصة النساء، إذ تشير دراسة أعدتها الباحثة التونسية في الجامعة التونسية هاجر عرايسية، إلى أن المهاجرات الأفريقيات يتعرضن إلى أشكال مختلفة من العنف.
وفي هذا الصدد تقول كيالا شابة أنغولية، تبلغ 24 سنة، إنها عملت سابقاً في مقهى لكنها واجهت المشكلات، مما جعلها تختار العمل في منزل لدى عائلة تونسية كمعينة منزلية بناء على نصيحة صديقتها، وتقول كيالا "كان خياراً صائباً فأنا أعمل لدى عائلة تقدرني وتحترمني".
وذكرت الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص، وهي هيئة وطنية حكومية تعمل تحت إشراف وزارة العدل التونسية، وأحدثت عام 2016 بأمر حكومي بهدف منع الاستغلال الأجانب، في تقريرها لعام 2018، أن 92 في المئة من حالات الاتجار بالبشر المسجلة لديها تتعلق بالتشغيل القسري لضحايا من ساحل العاج، تمثل النساء 70 في المئة منهم. كما يشير التقرير إلى أن 84 في المئة من حالات الاتجار بالأشخاص سجلت لدى الأجانب وخصوصاً القادمين من الدول الأفريقية.